#بدري نوئيل يوسف#
في يوم من الايام اثناء زيارتي لمدينة السليمانية ،كُسر احدى ذراعي اطار نظاراتي الطبية التي استعملها عند الجلوس امام الكومبيوتر ، على اثرها ذهبت للسوق لتصليح الإطار وبحثت في عدد من محلات بيع الإطارات والعدسات وكل بائع اقترح لي فكرة مختصرها انه لا يوجد في السوق إطار مشابه للمكسور في المدينة ، وعلية لابد من تغير الإطار مما يتطلب تغير العدسات وربما يحتاج الى فحص جديد للبصر ، وهذا سيكلفني مبلغا .. ! نصحني احد الباعة ان اذهب الى سوق الهرج وابحث عن الإطار.
في البداية خطر في بالي ان البائع يستهزئ او يمزح معي ، حلف يمينا انه يقول الحقيقة وسأجد الإطار المشابه للمكسور مائة بالمائة لكنه مستعمل ، فرحت وابتهلت لله اجد مبتغاي في سوق الهرج .
اتجهت نحو سوق الهرج الواقع في وسط المدينة ، وكان الله في عون من يدخل السوق من فوضى البيع والشراء ، وهرج وهتافات الباعة وجدالهم مع المشترين وجدال المزادات ، وسط أكوام القمامة والتحف والأثاث القديمة والحديثة ، وهو ما يكسب السوق نكهة شرقية شعبية ، التي تعد من المظاهر المميزة ، يفرش الباعة الارض عارضين بضاعتهم امام المحلات ، ومن الملاحظ ان التكنولوجيا دخلت الى سوق الهرج حيث تسمع صوت المنادي على البضاعة قادم من مكبرات الصوت ، فوضعت المسجلات التي بداخلها قرص مسجل علية اسم المادة وسعرها كأنها متوالية تنادي على البضاعة وسعرها بدون توقف .
سألت احد الباعة اين اجد اطارات للنظارات اشار بيده ورأسه الى محل صغير يبعد عنه بضعة امتار ، توجهت نحوه وسألت صاحبه هل لديك اطارات للنظارات الطبية هز رأسه وابتسم قائلا : انتظر دقيقة .
دخل البائع الى داخل المحل وخرج يحمل صندوق من الكارتون ملئ بالإطارات وضعه امامي وقال : هذه الإطارات مستعملة اختار الاطار الذي تريده .
بدأت البحث عن الإطار المشابه للمكسور بين ما يقارب من ثلاثمائة اطار داخل الصندوق منها تحوي على عدسات وبعضها مكسورة وتجد اطارات تعود لخمسين سنة مضت . وللعلم لم أقًل للبائع انني ابحث عن مشابه للإطار المكسور , لم تمضي على بحثي بضع دقائق واجد في باطن الصندوق الإطار المطلوب ، خفق قلبي فرحا سألته عن سعر الاطار طلب مني الف دينار دفعت له واتجهت مسرعا لمحل بائع النظارات الذي بدوه قام بنقل عدسات المكسور الى اطار سوق الهرج .
عدت الى المنزل اشكر الله بعد أن عادت نظارتي سليمة وفكري مشغول بسوق الهرج ، أسال نفسي ما هذا السوق الذي تجد كل ما هو نادر وغريب من قديم وحديث وما لا يخطر ببال أحد وما لا تجده في أي سوق أخرى ، وكيف وصل الإطار الى سوق الهرج علما ان باعة الإطارات اكدوا انهم لم يستوردوا من هذه الانواع .
في اليوم الثاني كنت على موعد مع صديقي شيخنا الجليل ، وكالعادة ذهبت الى المقهى الصغير الشعبي القابع في شارع صابون كران الذي نلتقي عادة هناك وبعد الترحيب والسلام طلب لي الشاي وبدأت اقص علية قصة الإطار الذي وجدت له مشابه في سوق الهرج .
ابتسم بهدوء وقال :الكثير من الناس يقصدون سوق الهرج وخاصة يوم الجمعة ، لغرض البيع والشراء ، ومنهم للتجول والاستمتاع بالفعاليات المميزة والخاصة بهذه السوق ، حيث يزداد نشاطه في هذا اليوم هو الموعد الأمثل لمرتاديه من باعة ومشترين وزائرين ودلالين ، والتي يندر ان تجدها في الأسواق الاعتيادية .
سألته : ماذا تعرف عن السوق ومتى تأسس .
قال : سوق الهرج معروف في وسط مدينة السليمانية يعود تاريخ تأسيسية الى عام 1900 للميلاد لبيع الأدوات المستعملة والأغراض القديمة جداً والتي تكون ذات قيمة تاريخية أثرية ، وقد تجد هناك فيه كل نادر وغريب وما لا تجده في غيره من الأسواق ، وفيهِ الكثير من التحف الفنية الراقية ويرتاده الناس لانخفاض أسعار بضائعه ، ويعتبر من معالم المدينة ، ويجذب السوق يوميا اكبر عدد من الزبائن الذين تفضل غالبيتهم العظمى لتبضع البضائع بأسعار زهيدة . وتنامي حركة استيراد الاجهزة الحديثة .
قلت : ومن اين جاءت التسمية .
قال : كلمة هرج تعني باللهجة العراقية الدارجة الصخب وسمي بسوق الهرج نتيجة للأصوات العالية للباعة والمنادين على البضائع ، وينادي الدلال بصوت عالي للترويج على البضاعة وبعد أن ترسو على شخص معين يصرخ الدلال بكلمة هرج . ومعنى الهرج في معجم اللغة هرج في كلامه أي خلط ، وهرج و مرج تجدها في القاموس الفارسي بمعنى فوضوي ،أو قد تكون كلمة هرج تعني الرخيص أو (التنزيلات ) كما يحلو لنا نحن العراقيين .
سألته : ما نوع البضاعة التي تباع في السوق .
قال : عندما تنتبه للبضاعة المعروضة في سوق الهرج تعكس لك صورة من المراحل الزمنية التي مرت بها المدينة او بالأحرى العراق فالسوق لا يخلو من السلع الثمينة والنادرة تجد تاريخ صناعتها يعود لعشرات السنين مضت ، وربما تجد في البضائع المعروضة الكثير مما يعد ثمينًا لقيمته الفنية او التاريخية أو الفلكلورية ، فمن التحف القديمة الى المواد المنزلية والثريات والساعات التي تعلق على الجدران ، والموبيليات القديمة والمسابح المصنوعة خرزاتها من العقيق والفيروز والكهرمان اي اقصد مصنوعة من مختلف الانواع الثمينة للأحجار الكريمة ، والعدد اليدوية القديمة لأصحاب المهن كالمنجل والسكاكين والمطارق ، إضافة إلى الصور واللوحات التاريخية ، والملابس من مختلف المراحل الزمنية ، تختلط في السوق السلعة الثمينة بالبضاعة البخسة فهذا السوق يحفل بالعجيب والغريب . السوق ملئ بالبضاعة المستعلمة فالتجوال بين كل ما هو مستعمل من أجهزة التلفزيون وراديو وكرامافون واسطوانات موسيقية وخاصة جقماقجي وأجهزة تسجيل صوتية ذات البكرات والشريط ، وكاميرات وعارضات أفلام سينمائية قديمة ، وقطع أثاث ونحاسيات وفضيات تحولت إلى أنتيك ولوحات فنية ومنحوتات بالإضافة لمكائن الخياطة على سبيل المثال تجد ماكينة سنجر يدوية او عمودية تعود لمائة عام مضت .
سألته مستفسرا :قبل ما نستمر بالحديث عن سوق الهرج ماذا تعرف عن جقماقجي و سنجر
قال مبتسما : آل جقماقجي عائلة موصلية معروفة ، لها بصمات واضحة في ترسيخ التراث الموسيقي والغنائي العراقي والعربي ، أسس فتحي جقماقجي شركته شركة جقماقجي عام 1918 م في الموصل....
ثم فتح له فرعا في بغداد ، وبعدها بدأت الشركة بتسجيل اغاني المطربين والمطربات لتسجيل اغنياتهم في استوديوهات مؤجرة ثم ترسل الى الخارج لطبعها على اسطوانات وتكون الحقوق محفوظة لشركة جقماقجي، وتعتبر (اول شركة تسجيل في العراق) .
اما سنجر هي شركة مختصة في تصنيع آلات الخياطة ، وتعتبر من الشركات الجيدة في هذه الصناعة
قلت له : شكرا على التوضيح ونعود الى موضوعنا ،كيف تصل البضاعة القديمة الى سوق الهرج .
قال مبتسما : هناك عدد من الدلالين او من يعمل لحساب باعة السوق يتجولون في المحلات والطرقات والحارات والأزقة منهم بسيارة أو عربات نقل صغيرة وهم ينادون من له بضاعة قديمة من خلال الهتافات والمناداة بالصوت العالي بالكلام الموزون او بواسطة مكبر الصوت احياناً بعبارات تلفت انتباه ربات البيوت وتحثهم على البيع ، ويعتبر المنادي ناجحاً ومميزاً بقدر ما تجود قريحته بعبارات من فلكلور شعبي جميل له جذوره التاريخية وبلاغة في العبارات المرتجلة ، ونداءات موزونة يحبها الناس ويحفظونها وتدخل الى قلوبهم ومسامعهم ، فتكون دافعاً وحافزاً لهم لبيع البضاعة او مبادلاتها ، ومنذ عشرات السنين والدلالين ينادون عتيق (عتيك) للبيع ، وهؤلاء يشترون كل شيء مستعمل وبأسعار زهيدة ، فكثير من العوائل تبيع الحاجيات القديمة من اثاث او اجهزة كهربائية وكل ما تشعر ربة البيت قد اصبح قديما للتخلص منها ، ولا تعرف ان البضاعة المباعة قد اصبحت لها قيمة ثمينة ، وهناك بعض الدلالين المتجولين يبادلون القطع القديمة بقطع من الملابس او بعض الزجاجيات بعد تثمينها .
سألته مستفسرا : هل يوجد اسواق مشابهة في المحافظات العراقية .
ابتسم شيخنا الجليل وقال بهدوء : في كل محافظات العراق يوجد سوق ، في بغداد يؤكد المؤرخين أن تاريخ سوق الهرج يعود إلى نهايات العصر العباسي ، لقريبة من القصر العباسي ومن قصر إحدى زوجات هارون الرشيد ،
وسميت السوق باسم سوق الميدان وهي التسمية العربية القديمة له ، وأقدم من التسمية التركية (سوق هرج) ورغم أن البعض يرجع تأريخ بناء هذه السوق إلى عهد الدولة العثمانية عندما شق الوالي العثماني ناظم باشا شارع سمي باسم شارع (خليل باشا جاده سي) على اسم خليل باشا حاكم بغداد عام 1910 م ، ثم سمي باسم
شارع الرشيد .
كذلك في محافظة البصرة يوجد سوق هرج يقع في مركز المدينة في سوق العشار ، ويعود تاريخه الى أواخر العهد العثماني . وسوق هرج محافظة الناصرية يقع بالقرب من جسر نبي الله ابراهيم . و سوق الهرج في محافظة الديوانية يقع في مركز المدينة ، ومازالت الجنابر والبسطات تحتل المساحة الأكبر منه ويقصده الناس من مختلف الطبقات . وفي محافظة كركوك فان سوق الهرج من الاسواق التراثية في كركوك يقابل الجانب الغربي لمقبرة (علي باشا مقبرة شهداء التركمان) والجانب الشمالي يطل على شارع أطلس والقسم الاخر يطل على شارع الجمهورية ، فعلى جانبي السوق تمتلئ الأرصفة بالبضائع الجديدة والقديمة ، مازال يتفرد ببيع البضائع المتنوعة التي تسمى (خردة فروش) ، أي ببيع (الخردة والسكراب) من شتى الأصناف التى تشمل الأدوات والعدد اليدوية والمنزلية ويوجد سوق ثاني في صوب القورية و يتضمن السوق دكاكين لتصليح الأجهزة الكهربائية والساعات ، في الموصل يوجد سوق شعبي يقع بالقرب من سوق باب الطوب يقع بين الصوافة وبين منطقة الجوبة وفيه تباع كافة الحاجات والألبسة المستعملة والمواد الكهربائية والساعات والمسابح اليدوية والدراجات البخارية والمسجلات . وكذلك في بقية المحافظات والأقضية يوجد سوق الهرج .
قلت له : هل ما زال سوق الهرج في بغداد يحتفظ بذكريات .
قال : يحتفظ السوق بذكرياته مع الوزراء والمسئولين في العهد الملكي ، حيث كان نوري السعيد رئيس الوزراء حينذاك يتجول احيانا في هذا السوق ، وفي عام 1932 غنت ام كلثوم في ملهى الهلال الواقع في سوق الهرج عندما زارت بغداد ولم يستوعب الملهى جموع الرواد الذين جاءوا لمشاهدة ام كلثوم والاستماع بصوتها الشجي فافترش الناس ساحة الميدان ليستمعوا الى الحفلة عبر مكبرات الصوت ، وتخليدا لهذه الحادثة أقيم بالقرب من السوق مقهى (كوكب الشرق أم كلثوم) و يستمع رواده للأغاني النادرة لهذه الفنانة الكبيرة الراحلة. ، يتذكر أصحاب المحلات وهم يتداولون قصصا عن زيارة ام كلثوم لبغداد سمعوها من آبائهم أو أجدادهم ، وكانت مقهى البلدية اشهر جيران لسوق الهرج حيث يرتادها البغداديون والساسة والمثقفون ، ويعتبر المقهى علامة من علامات السوق التاريخية ومن مقاهي بغداد التراثية ،
وكانت تجاوره سينما رويال وكذلك دائرة انحصار التبغ وخان المدلل . أما اشهر شخصيات سوق الهرج فهي الدلالة ( حسنة ملص ) التي كانت ترتدي ملابس الرجال وسميت باسم ملص لأنها لم تنجب اولاد ، و(عباس بيزة ) الذي كان يكشف قفاه ورقبته ليضربه الناس مقابل منحه بيزة واحدة والتي كانت تساوي 4 فلوس.
وكان هناك القزم( خليلو ) الذي كان يتحدث السياسة دائما ولا يعرف شيء عن السياسة .
سألته : لماذا يتسوق رواد السوق الاجهزة القديمة .
ابتسم وورث سيجارته وقال :كما تعلم أن غالبية العوائل تريد التخلص من الاجهزة القديمة ، والدلالين الجوالين وباعة السوق يشترونها ، غالبية هذه الأجهزة تصل للسوق وهي غير صالحة للعمل لكونها قديمة وعدم الاهتمام بصيانتها من قبل العوائل ،
فمثلا أجهزة راديو قديمة يعود تاريخ صناعتها إلى نهاية الثلاثينات أو الأربعينات من القرن الماضي تحمل علامات تجارية كانت مشهورة حينذاك أو ما زالت شائعة على سبيل المثال علامة (باي) أو (فيلبس) ، في السوق ترسل كل حاجة لأصحاب الاختصاص أي هناك في السوق فنيين ماهرين لهم خبرة بإصلاحها وصيانتها ، وإذا صعب تصلحيها لعدم توفر قطع الغيار يقوم بعض الزبائن بشراء الحاجة ولا يهتمون كونها غير صالحة للعمل لأنهم يستخدمونها كقطعة ديكور ، وتلاحظ الإقبال الكبير على أجهزة الغرامافون والأسطوانات السوداء القديمة ،تلك الأجهزة التي تعمل باليد وليس بالطاقة الكهربائية..
وتجد في السوق أمهر صلحي الساعات الذين توارثوا هذه المهنة عن والديهم وهم مختصون ببيع و شراء وتصليح ساعات الجيب ، قبل انتشار الساعات اليدوية ، وهذه الساعات القديمة تحمل تواقيع من صنعها أو صممها وهناك من يجمع ساعات قديمة التي تعد من التحف النادرة ويشتريها بأسعار غالية ، وكذلك من يبحث عن هذه مكائن سنجر القديمة سواء لاستخدامها أو للاحتفاظ بها . فكثير من الرواد يشتري الحاجة ثم يبيعها بعد فترة للذين يجمعون الحاجات القديمة بسعر اعلى او يستعملها كديكور، أو يرسلونها للخارج لتباع بأسواق المزادات للبضاعة القديمة.
سألته : وماذا عن بقية الحاجات في السوق .
قال : تجد في السوق الأثاث القديم ، على سبيل المثال خزانات الملابس ومناضد ومكاتب والأرائك والكراسي وتبدو تحف فنية مصنوعة من خشب الأبنوس أو البلوط والصاج البورمي ، يتم إعادة ترميمها وصيانتها ، وأسعارها ترتفع باستمرار لأنها بالفعل تحولت إلى قطع أنتيك ، يحتوي السوق على سلع وصور وتحف تمثل ذاكرة العراق في جميع مراحل تاريخ العراق ، وتحكي عادات وتقاليد الناس في ذلك الوقت ، كما تجد صور الملوك والزعماء الذين حكموا العراق ، وهناك قطع معدنية وصور و مسكوكات وميداليات تعود الى عشرينيات القرن الماضي.
قلت : لقد سمعت ان الكثير من الباعة غير أمينين بعملهم ، ولا يخلو السوق من الفساد .
قال :عدد من الباعة متفقين مع بعض الفنيين المهرة من يصنع قطعًا من الحديد والنحاس وألواح خشبية، أو اللوحات الزيتية موحيًا بأنها للمشتري أنها قديمة عبر إضافة مميزات توحي بذلك من اصباغ ونثر التراب ، في محاولة لخداع المشترين الذين ينطلي عليهم الخداع ، وفي بعض الأحيان لا تخلو بضاعة سوق الهرج من الغش ،كما شهد السوق بيع الكثير من القطع ذات القيمة التاريخية المسروقة من مواقع الاثار ، كما استغله البعض في القيام بأعمال منافية للقانون ،
و هناك سماسرة لبيع المواد الممنوعة مثل الآثار، وتداول العملة المزورة ،ولا يخلو السوق من عمليات النشل والسرقات التي وصلت درجة عالية من الحذق والمهارة ، نتيجة الازدحام والفوضى التي تعم السوق ، ويكثر في السوق قصاصي الجيوب وهي قص جيوب الزبون بالموس او الشفرة الحادة في الازدحام بالجمهور ثم استخراج محفظة النقود او وثائق رسمية من جيب الزبون ، وهذه العملية تحتاج الى تدريب مستمر وخبرة عالية ، وعبارة قصوا جيبي جاءت بعدما يعود الرجل لبيته فيجد جيب سترته مشقوقا ولا يجد محفظته او اوراقه الرسمية ، فيقول لزوجته او احد افراد عائلته :اولاد الكلب قصوا جيبي .
استمر بالحديث وقال : سأقص عليك هذه الحادثة قرأتها في المواقع الالكترونية .
في احد الايام اراد مختار محلة الميدان يتحدى عصابة النشالين وبالأخص كبيرهم، وهم مشهورون كما قلت بقصاصي الجيوب وينطبق عليهم المثل القائل(يبوگ الكحل من العين) . قال المختار لكبير عصابة النشالين إن العيب عيب رواد السوق المغفلين الذين لم يراقبوا جيوبهم بحرص وانتباه لما استطاع النشالين من اصحابك الوصول الى جيوبهم و سرقتهم . وليثبت المختار لكبير النشالين وضع كمية من النقود في جيبه عدد من البيزات و البارات العثمانية الساقطة ، ودخل سوق الهرج يتمشى فيه لساعتين من الزمن ليرى ان كانوا سيستطيعون سرقتها منه ، تجول المختار بين الباعة والدلالين ورواد السوق ، ثم خرج وفتش جيوبه فوجد كامل نقوده كما هي بالضبط ، ذهب المختار الى كبير عصابة النشالين في مقهى الميدان وقال له : أنظر،ها هي نقودي كاملة لم يستطع أي احد من جماعتك سرقتها ، ضحك كبير النشالين ورد عليه قائلا :يا مغفل لقد اخذوها من جيبك خمس مرات ووجدوها بارات ساقطة فأعادوها الى جيبك .
قلت له مبتسما : الى هذه الدرجة من المهارة في نشل رواد السوق هولاء نصابين يأخذون من الحافى نعله.
قال : اسمع هذه الحادثة الطريفة وقعت في زمن سيطرة الدولة العثمانية على بغداد بين عريف من الجندرمة ونشال ، يحكى انه بعد ما انتشرت سمعة النشالين والنجاح المذهل بنشل رواد السوق الذي يتمتعون به ، وصلت اخبارهم للمسئولين عن الأمن والنظام في سرايا الباشا ،ارسل الى السوق عريف من الجندرمة لمراقبة النشالين وحماية رواد السوق ، لكن العريف الموكل بحماية سوق الهرج كان يقاسم النشالين فيما يحصلون عليه ، حدث في احد الايام توفق نشال بنشل محفظة احد رواد السوق ، وبدأ صاحب المحفظة يصرخ ويستغيث : يا ناس ، امسكوه ، حرامي ! نشل محفظتي وفيها عشر ليرات ، يا اولاد الحلال! من شاف محفظة فيها عشر ليرات .
في تلك الاثناء وصاحب المحفظة يصرخ كان النشال قد اختلى في زاوية من السوق وفتح المحفظة فلم يجد فيها غير ثلاث ليرات ، بحث النشال عن الزبون صاحب المحفظة ولما وجده سلمه اياها قائلا : يا رجل عيب عليك ، حرام تكذب ! هذا أثم راح يحاسبك الله عليه ، تقول عشر ليرات وبداخل المحفظة ثلاث ليرات . انصرف النشال لاستئناف عمله في نشل زبائن آخرين ، ولكن عريف من الجندرمة الموكل لحماية سوق الهرج ، لاحظ ما جرى ، فاقترب من النشال وقال له :اسمع ! انت مجنون! لماذا رجعت المحفظة لصاحبها. اجابه النشال قائلا : يا حضرة العريف هذا الرجل يقول عشر ليرات والمحفظة فيها ثلاثة ليرات فقط ، في آخر النهار انت راح تحاسبني على عشرة وأنا ما قابض غير ثلاثة . اكون خسران بهذه النشلة ، تريد مني حصتك بالنص خمس ليرات والمحفظة ما كان فيها غير ثلاثة ، ارجعها لصاحبه واخلص نفسي احسن من الخسارة .
سألته : ماذا تريد ان تضيف عن السوق .
قال : السوق يحوي على ثروة وطنية كبيرة من الثقافة والفلكلور والآثار اطلب الإشراف على السوق من قبل مراقبين مختصين وشراء القطع ذات القيمة التاريخية والفولكلورية من مقتنيها ، وجمعها في متحف خاص يؤسس لإعادة كتابة تأريخ المدينة .
قلت له :شكرا على هذه المعلومات ،سأذهب الى السوق وأسال بائع الإطار كيف وصل له الإطار الذي اشتريته؟؟؟
قال : كما تشاء ونلتقي غدا للحديث عن موضوع جديد .
ودعت شيخنا الجليل واتجهت نحو سوق الهرج .... وأنا في الطريق اراقب البسطات المنتشرة على ارصفة الشوارع والتي تبيع البضاعة المكشوفة ، دخلت سوق الهرج وأنا حذر من النشالين او قصاصي الجيوب ، وأملي ان اعرف كيف وصل الإطار الى البائع . ولكن لم اجد البائع لان محله كان مغلق . [1]