القضية الكردية.. ومقوماتها القانونية
مظفر مزوري
يوماً بعد يوم والعالمُ في تطور مستمر، لكنه من ناحيةٍ أخرى هناك شعوبٌ محكومٌ عليهم أن يعيشوا في ظروفٍ لا تحقَقُ لهم أبسط الحقوق وهي العيش في ظل دولة مستقلة ذات سيادة، انتهاكات حقوق الإنسان لا زالت تحصل في الكثير من المناطق في شتى أنحاء العالم، صراعات دولية مسلحة واجتماعية انتهكت فيها العديد من الدول حق الشعوب في العيش بحرية كما نص عليه القانون الدولي، أجيالاً بعد أجيال تُجبّل عقولها على الحروب والإرهاب، وتولدُ على أصوات وكوارث ونكباتْ ما تخلفهُ الحروب.
من المعروف أن القضية الكُردية من أهم القضايا الدولية المعاصرة، فالشعبُ الكُردي تعرّضَ لسنواتٍ طويلةٍ لأشرسَ وأوسع الحملات ضد تطلعاته وكانوا دائماً ضحيةً للتوافقات الدولية ومصالحهم، كانت طموحُ الكُردِ تصطدِمُ دائماً بمطامع السيطرةِ العثمانية والصفوية كما واصطدمت فيما بعد بشوفينية وعنصرية حُكّام العراق الدكتاتوريين، وهنا أذكُر مقولة للبارزاني الخالد الملا مصطفى الذي قاد الحركة التحررية الكُردية لعقود حيث قال إن الثورة والحرب ضد الحكومات لا يعني الحرب ضد شعوبها لأن الحكومات تذهب والشعوب باقية.
القضية الكُردية لها أهمية كبيرة أيضاً فهي تحملُ معها العديد من انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط، ولعل القضية الكردية تكون لها انعكاسات أمنية خطيرة على الأمن الإقليمي في الشرق الأوسط والأمن الدولي أيضاً في حال عدم إيجاد الحلول المناسبة لها، فهي قضية واضحة وتمتلك كل عناصر القضية العادلة ومضى عليها العديد من السنوات وهي بانتظار حل عادل طبقاً للقانون الدولي.
لهذه القضية مقومات أيضا وكما يلي:
$المقومات – أولاً: السند القانوني:$
الكُردُ لم يعرفوا عبر تاريخهم الطويل دولة مستقلة كبيرة تجمعهم، فقد انشأوا عدة حكومات مدن صغيرة حتى تمكنوا من إنشاء دولة كبيرة هي الدولة الميدية التي سقطت بفعل الاحتلال الفارسي
حسب القانون الدولي والمواثيق الدولية هناك وثائق قديمة عُدَّتْ البداية الفعلية لنهوض حق تقرير المصير على الساحة الدولية، فهو ما ورد في بيان الاستقلال الأمريكي في تموز سنة 1776، ومن بعده وثيقة حقوق الإنسان الفرنسية سنة 1789، والحركة الاشتراكية الدولية التي أُنشأت سنة 1869 وأعلن فيها حق الشعوب في تقرير مصيرها وتبنت هذا الحق الاشتراكية النمساوية والألمانية والروسية وأثرت في جميع الحركات الاشتراكية في أوربا.
أما حديثاً فقد دُوِّنَ حق تقرير المصير من خلال مؤتمر السلام الذي أعقب الحرب العالمية الأولى في باريس سنة 1919، إذ تم التمييز في هذا المؤتمر بين الاقاليم الأوربية وغير الأوربية، فالأولى منحت الاستقلال استناداً إلى المبدأ، في حين تم الالتفاف على حق الشعوب الأخرى في ابتكار نظام الانتداب في المادة 22 من عهد عصبة الأمم لتطبيقه على الأقاليم غير الأوربية، والتي صنفت في ثلاث فئات اعتبرت احداها فقط هي الفئة (أ) جديرة بنيل الاستقلال على أن تتلقى خلال فترة غير محددة الإرشاد والمساعدة من الدولة المنتدبة، ولهذا السبب انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من عصبة الأمم لتقاطع المادة 22 مع ثوابت دستورها وقيمها، تم ادراج حق تقرير المصير في ميثاق حلف الشمال الأطلسي الذي تم إعداده بعد عقد اجتماع في 14 تموز سنة 1941 بين رئيس الولايات المتحدة و رئيس وزراء بريطانيا وقد اتفقوا على الرغبة في عدم إحداث أي تغييرات إقليمية ضد رغبات الشعوب، وهناك قرارات أخرى أيضا في مسألة حق تقرير المصير للشعوب والأمم في مواثيق وقرارات الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة واتفاقيات دولية أخرى مثل اتفاقية فيينا واتفاقية فرساي واتفاقية سيفر واتفاقية هلسنكي .
المقومات – ثانياً: السند السياسي:
السند السياسي يعني وجود مطالبة بالاستقلال من قبل الشعوب والأمم بشكل متواصل ولفترة طويلة وبالطرق الشرعية، فالكُردُ لم يعرفوا عبر تاريخهم الطويل دولة مستقلة كبيرة تجمعهم، فقد انشأوا عدة حكومات مدن صغيرة حتى تمكنوا من إنشاء دولة كبيرة هي الدولة الميدية التي سقطت بفعل الاحتلال الفارسي بحدود 3000 سنة قبل الميلاد، وقاموا الكُرد على مر التاريخ بحركات سياسية كثيرة في الدول التي يعيشون فيها مثل الحركة السياسية الكُردية في تركيا والحركة السياسية الكُردية في إيران والحركة السياسية الكُردية في العراق والحركة السياسية الكُردية في سوريا وأرمينيا ايضاً، كانت فيها محاولات استقلالية ايضاً لنيل الحقوق المشروعة والقانونية للشعب الكُردي .
$المقومات – ثالثاً: السند الحضاري:$
تشير الدراسات الحضارية الأولى إلى أن الكُرد حكموا منطقة كُردستان الحالية في التاريخ القديم مثل شعب lullu وشعب جودي cuta وشعب الكوشيون kassita وجائت مسميات الدولة الكُردية قبل الميلاد عند الاشوريين والاراميين باسم كورتي، أما الفرس فقد أطلقوا على الكُرد اسم كارتيوي، واليونانيون عرفوا الكُرد باسم كاردوسوي، والمؤرخ اليوناني المعروف اكزينوف ذكر الكُرد في كتابه (الزحف) 400 سنة قبل الميلاد باسم كاردوخ، أي الشعب الذي قاوم تراجع الإغريق من بلاد العجم في المناطق المحيطة بجبال رواندوز في اربيل، وبحكم توسط الكُرد بين غرب اسيا وجنوب أوربا وشمال الجزيرة العربية وشرق بلدان البحر الأبيض المتوسط فقد لعبوا دوراً متميزاً في نشر الإسلام والحضارة الإسلامية ايضاً، منذ ذلك الوقت تطورت الخصائص البشرية الوراثية والاقتصادية والاجتماعية ولا سيما في مسائل اللغة والثقافة، لتكوّن شخصية قومية مميزة للكُرد، وأهم ميزة قومية للكُرد هي بقائهم في أرضهم منذ ذلك الوقت ولغاية اليوم والتي تعرف حاليا بكُردستان .
يتضح مما سبق أن عدم حل القضية الكُردية سوف يرتب تهديدات للأمن المحلي في العراق وتركيا وسوريا وإيران، وسيؤثر كل ذلك على الأمن الدولي والاقتصاد الدولي والتجارة الدولية وخطوط النقل العالمية البرية والجوية والبحرية، وأن البداية في الخطوة الأولى من حل القضية في كُردستان العراق يعطي أملاً بتخفيف التهديدات للأمن والاقتصاد الدوليين في طريق حل القضية الكُردية في الدول الأخرى.[1]