#كازيوه صالح#
منار العشاق : تلك هي تسميتها عندما كان يرتفع تراتيل العشق والثورة من حناجر الشعراء الكبار مثل ( كؤران و احمد مختار جاف وعاديلة خانم .. وغيرهم من شعراء تلك المدينة , خاصة كانت تمتزج اوصافهم بجمال الطبيعة والاذار الاخضر , حيث تفرش الارض بساطها المزخرف كزخرفة الزي الكردي وتفتح الاشجار والزهور اوراقها واناملها الرقيقة وتفوح بروائحها العطرة ويقوم جبل ( شنروي ) عالية باستيقاظ جميع عشاقها لكي يغنوا اغنية المطر لمدينة الاحلام , هذا هو تاريخ تلك المدينة السامية قبل ان تمطر عليهم اعداء الانسان والانسانية في ذلك النهار الربيعي رائحة تفاح السموم . ومنذ ذلك الوقت شهرزاد حلبجة في ثوب زفافها تنفس نفسآ عميقآ قبل ان يدرك شهريار الصباح ومن وقتها الى الان ليس هناك شهريار ولا شهرزاد لكي يقص قصص العدم.
حلبجة مدينة الاشباح : تلك هي الجملة التي نطقها الصحفي الالماني عندما رأى بعينه تلك المدينة الكردية في كردستان خاضعة لسيطرة العراق , كيف حولها الدمار الشامل بالاسلحة الكيمياوية الفتاكه الى خراب بجميع ما فيها من الانسان والنبات والحيوان , وحتى مياهها غير صالحة للشرب.
حلبجة تشوية وحشية : هذا رأي احد الصحفين العرب الذين وصلوا الى المنطقة من خلال ايران لتصوير الكارثة وهو المصور طلال صابر النعيمي حيث قال : وصلت الى المدينة وقد جهزت بقناع الوقاية من الاسلحة الكيمياوية , لقد عشت اتعس وابعش ايام حياتي انها ايام قلت يا ليتني لم اكن عربيا , يا ليتني لم اكن انسانا , ونظرت الى السماء وتعجبت كيف لا تنطبق على الارض , ان الوحشية التي شاهدتها في حلبجة تنكرها اشد الحيوانات وحشية وافتراسأ , ان ما شاهدته في هذه المدينة لا يمكن ان يوصف , انه من الانسان . الا اذا فقد هذا الانسان عقله وتحول قلبه الى حجر وشرانية و اوردته الى اسلاك لا يمر فيها الى الحقد والكراهية والاجرام .
حلبجة المدينة الشهيدة : هذه التسمية اكتسبتها تلك المدينة من قبل الحكومة الكردية بعد ان نام جميع المخلوقات والكائنات واحياء تلك المنطقة نومها الابدي في ظهيرة يوم 16 اذار 1988, بهدف محو الهوية القومية وابادة الكيان الكردي . فقد لا يعرف انه جريمة ناشد العالم ضده واصبحت جرحا في وجدان كل كردي وطني ومخلص وكل انسان يشعر بشِِِي من الانسانية . وكل انسان الذي بقي عنده ضمير حي يغني حزنا لذلك المنار بعد تعميرها ومحاولة رجوعها الى ما كان عليهلكن هذه المرة اصبحت المنارة الشهداء ليس لاقترافهم اي ذنب . فقط لانهم ارادوا ان يعيشوا على ارضهم بكرامة والسلام ولكن فجعوا بتلك الكارثة التي اصبحت عنوانا للجرح الكردستاني وتاريخا للجروح الانساني .
هل هناك احد يستطيع ان ينكر انه بعد تصعيد وتيرة الحرب القذرة ضد القسم الجنوبي من كردستان الخاضع لسيطرة العراق واستخدام سياسة الارض المحروقة , حلبجة لم تهز كيان العالم, ولكن ينبغي ان نقول الحقيقة ولولا موقف الجمهوريةالاسلاميه الايرانية فى السماح لبعض الصحف الاجنبية تصوير الكارثة وتدوينها في ارشيف الذاكرة لكان حلبجة ايضا مثل كارثة ( الانفال ) سيئة الصيت , يقال عنه يمكن ان يكون قصة اسطورية وليست صحيحة , لكنها بسببهم هزت العالم واستنكرها بعض الدول الاسلاميةوالمتمدنة , لكن تلك المدينة اصبحت رمزا لشهداء بالاسلحة الكيمياوية في العالم مع سلسلة هيروشيماوناغازاكي وهولوكوست ....وذلك بعد قيام الحكومة العراقية بشن الحرب الابادة الجماعية ضد سكان تلك المدينة الكردية في مارس 1988 حيث قامت اسراب من الطائرات العراقية من نوعي السيخوي والميراج بقصفها باكثر من ( 12 ) طلعة وقصفها بالقنابل السامة من غازات الخر دل والسيايند مما ادى الى استشهاد اكثر من ( 5000) الاف شخص من الاطفال والنساء والشيوخ والشباب , واصابة ما يزيد عن عشرة الاف بجروح ما زالوا يعانون من حدتها , وكما شردت اكثر من( 10000) الف شخص بعد ان اصبحت المبطقة غير قابلة للعيش فيها , لان استشهاد المدينة كان استشهادجميع ما فيها من الحياة والكائنات , من الانسان والحيوان والنبات و ارضها وهوائها , كان جينوسايدا على جميع الاصعدة ليس فقط الابادة البشرية ,
والجدير بالذكر ان النظام العراقى لم ينكر استخدامه الاسلحة الكيمياوية ضد سكان كردستان بل بدون تانيب ضمير وبكل وقاحة على لسان على حسن مجيد المعروف عند الشعب الكردي ب ( علي الكيمياوي) لانه هو نفذ تلك العملية الوحشية مع نزار خزرجي وعلى لسان وزير خارجيته , كذلك كشفت البعثات التحقيقية التابعة للامم المتحدة وبعض المنظمات الطبية الدولية كبعثة الصليب الاحمر ومنظمة العفو الدولي , وبعثة الاطباء والمكلفين من الكونفرس الامريكي بان القوات العراقية استخدمت وتستعمل الاسلحة الكيمياوية ضد الشعب كردستان وضد ايران في الحرب العراقية – الايرانية , وكذلك ضد عرب الاهوار في مناطق جنوب العراق , كذلك نشرت معظم الصحف الاجنبية نص الوثيقة التي بعث بها رئيس النظام العراق الى قيادة المنطقة وفيها يعلن تطبيق سياسة الارض المحروقة في كردستان بحيث يحرم الوجود الانساني فيها .
رغم الادانة العالمية لها ومناشدة بعض الاوساط الدولية والمنظمات الانسانية فقد كرر النظام العراقي جريمته بضرب مناطق قرداغ والمناطق الاخرى بنفس الاسلوب الوحشى , وبنفس الاسلحة الكمياوية المحرمة دوليا , وحجته الوحيدة انه استخدم تلك الاسلحة للدفاع عن النفس , لكن اي دفاع عن النفس ؟ هل مدينة حلبجة كانت مكانا للارهابين ؟ هل كان مكانا لصانعي الاسلحة الكيماوية المحرمة دوليا وانسانيا والحومتنا العظيمة لم تسمح لها بذلك وضربها بنفس اسلحتها ؟ هل الاطفال والنساء حلبجة شنوا هجوما على الحكومة العراقية بالاسلحة الكيمياوية لكي يدافع عن نفسه ؟ان اللائحة الدولية هل لحقوق الانسان تسمح باستخدام الاسلحة الكمياوية لدفاع عن النفس ؟ طبعا لا يستطيع احد ان ينطق بشيئ غير كلمة .. كلا ... اذن اية دفاع عن النفس ؟
حلبجة تحمل دلالات كثيرة في دهاليز واقبية الفنانين السياسين , وليس المأساة الاول ولا الاخير بل حلقة اخرى من حلقات الماسي التي تعرض لها الشعب الكردي .
لكن الذي تقشعر له الابدان , ان هذه الكارثة لم تنحصر فى قتل واستشهاد ( 5000) الاف انسان . بل ان مضاعفاتها المؤلمة لا تزال مستمرة وهناك مئات الاشخاص الى الان يعانون من اثار تلك الضربة الكيمياوية ولم يتوفر لهم العلاج اللازم والمناسب , وبموجب ابحاث علماء الطب فان هذه المادة الكيمياوية لها آثار وخيمة على لكرموسومات جسم الانسان , وهذه التاثيرات تنتقل من جيل الى جيل بشكل وراثي , والنساء يتعرضن للعقم والاطفال الذين يولدون من هولاء النساء اكثرهم يموتون باكرا .او نجد عندهم نقصا عضويا اضافة الى مجموعة الامراض الجلدية والنفسية والسرطانية ........ الخ.
واهم من ذلك ان اثار الدمار والتخريب ما تزال احدى سمات تلك المدينة التى كانت تسمى بمدينة الاحلام . التي هي بحاجة الى المشاريع العمرانية ... وبدل من تعميرها نرى الان ايضا تستشهد كل يوم جزءآ من جسمها المحروق والمجروح بيد انصار الحركات الاسلامية ..وللاسف فان اكثرية الدول والمنظمات الانسانية التزمت بالصمت تجاه هذه الجريمة فى بداية الكارثة. الان ايضا يلتزمون بالصمت تجاه معاناتها اليومية ولايلتفتون الى مساعدتها وتعميرها .
2002 ديمشق.[1]