جميل حنا
الذكرى التاسعة والتسعون لمجازر إبادة التطهير العرقي الجماعي ضد المسيحيين في السلطنة العثمانية بين أعوام 1914-1918.في هذا الجزء نتابع عرض بعض من وقائع المجزرة الكبرى من خلال شاهد عيان عاصر تلك الحقبة الدموية المظلمة, ألا وهو المرحوم عبد المسيح قره باشي مؤلف كتاب الدم المسفوك.والذي يأتي على تفاصيل الأحداث الأليمة التي شاهدها بأم عينه والتي سمع عنها في زمن حدوث تلك المجزرة قبل تسعة وتسعون عام مضت,حيث تم إبادة للمسيحيين بمختلف تسمياتهم الكنسية من السريان الأرثوذكس والكنيسة الكلدانية والسريان الكاثوليك والبرتستانت وكنيسة المشرق وكذلك أبناء الكنائس الأرمنية واليونانية وبشكل عام ضد كافة المسيحيين في السلطنة العثمانية وضد الشعوب غير التركية وغير المسلمة كالشعب الآشوري والأرمني واليوناني.قبل تسعة وتسعون عاما فقدت الأمة الآشورية أكثر من نصف مليون شهيد من الكنيسة السريانية الأرثوذكسية والكنيسة الكلدانية وكنيسة المشرق وكنيسة السريان الكاثوليك والبروتستانت.وكما خسرالشعب الأرمني في هذه المجازرالرهيبة مليون ونصف من الشهداء على يد السلطات العثمانية, وأستشهد مئات الآلاف من اليونان وقتل كل هؤلاء بسبب عقيدتهم الدينية وإنتمائهم القومي.
أنتهت مرحلة الإبادة العرقية الجماعية الهمجية مع إنتهاء الحرب العالمية الأولى,إلا أن المأساة لم تنتهي بسبب الطبيعة البربرية القاسية والعنف المستخدم وإتساع نطاقه ليشمل الجميع صغارا وكبارا رجالاً ونساءً,صدمة نفسية كبيرة ما زالت تعيش في نفوسنا ليس فقط لهول الفاجعة الكبرى. وإنما أيضا بسبب استمرار وحدوث مجازرالإبادة العرقية بأشكال عديدة حتى يومنا هذا ونذكر على سبيل المثال لا الحصر مذبحة سيميل في العراق عام 1933.إن العقائد الدينية والقومية الشوفينية والأفكارالعنصرية وروح الغطرسة والبغضاء التي كانت وراء إرتكاب تلك المجازرالبشعة ما زالت متعشعشة في النفوس, وفي سياسة السلطات الحاكمة, والأحزاب القومية والدينية العنصرية, وفي داخل المجموعات المتطرفة والإرهابية في منطقة الشرق الأوسط.إن سياسة إنتهاك حقوق الإنسان وإرتكاب المجازر من قبل السلطات الرسمية ضد إثنيات عرقية معينة من أبناء المجتمع ,لا تنال الإهتمام اللازم من قبل القوى العالمية صاحبة القرارات المؤثرة لردع أو الضغط ومعاقبة من يرتكب جرائم ا لإبادة بحسب المواثيق والمعاهدات الدولية, وتقديم الجنات إلى المحاكم الدولية لكي تأخذ العدالة مجراها الطبيعي.
إذكاء روح التعصب الديني والمذهبي والقومي وتكريس سياسة التمييز العنصري مازالت تستخدم كأدوات تفرض على المجتمع للهيمنة, ولأرتكاب أبشع الجرائم بحق الإنسانية,من قبل القوى المذكورة أعلاه.وما يحز في نفوسنا هو رفض مبدأ المحاسبة للمخططين والمنفذين والمحرضين والداعمين ضد من أرتكبوا مجازر الإبادة بحق الشعوب والتنكر لحدوثها,وعدم الاعتراف بما اقترفوه من جرائم ضد الإنسانية.تلك الجرائم التي نفذت بحق إناس أبرياء لم يرتكبوا أي ذنب سوى أنهم ينتمون إلى دين وإثنية غير دين وإثنية الأكثرية.وبكل أسف ما زال هذا الفكر الإجرامي ساريا في أوساط مختلفة في مجتمعات الشرق الأوسطية وبلدانها.ويعتقد هؤلاء أن هذا جزاء كل من لا يخضع لشرائعهم ومعتقداتهم وسلطانهم وسيساتهم العنصرية.
أبناء الأمة الآشورية والآرمن واليونان وبشكل عام كل المسيحيين الذين تعرضوا لمجازر التطهير العرقي في السلطنة العثمانية ينتظرون تحقيق العدالة والإعتراف العالمي على صعيد الدول والمؤسسات العالمية للإعتراف بمجازرهذه الشعوب الثلاث.
في هذا الجزء سأتطرق إلى مجزرة نصيبين, وىلآلام وعذابات الإبادة التي أصابت مسيحيي آمد (ديار بكر) وبشكل مختصر جدأ.نصيبين مدينة شهيرةبقدمها,فيها تأسست مدرستها الشهيرة حيث علم مار أفرام السرياني والمعلم نرساي. غنية بجنانها وبساتينها. ويقسمها نهرها الشهير هرماس واليونان يسمونه(كندركنيس)والعرب يدعونه (جقجق)وكانت يوما مدينة الحدود الفاصلة مابين اللملكتين الرومانية والفارسية.وكان غالبية سكانها من المسيحيين, وكانت تعيش فيها عائلات يهودية.في عام 1916 أسس فيها الألمان بنيانا كبيرا وقلعة شمال المدينة وخزنوا فيها مؤونة ومواد كثيرة لحاجة العمال الذين كانوا يشتغلون بسكة الحديد.ومن أشهر معالم المدينة القديمة كنيسة مار يعقوب النصيبيني التي يعود تاريخها إلى بداية القرون الأولى للمسيحية.تعرض أهل المدينة والقرى المجاورة لها إلى مجازر فظيعة أثناء الحرب الكونية الأولى.(يوم الأحد السادس من حزيران فقد أعتقل الأشرار مسيحيي نصيبين.اما عبد الله بك الشركسي وعبد العزيز داشي فذهبا إلى القرى المحيطة وأوثقا المسيحيين فيها وأتيا بهم إلى نصيبين...يوم الثلاثاء 15 حزيران ...وجمعوا كل المسيحيين رجالا وشبابا وألقوهم في السجون. وفي منتصف الليل قادوهم إلى مكان يدعى(خراب كورت)أي الجورةأو الخربة, وذبحوهم جميعا وسالت دمائهم. ثم ألفهؤلاء فرقة برئاسة رفيق بن نظام الدين حتى يقتلوا المسيحيين المقيمين في القرى المحيطة لنصيبين, وتبعه قدور بك وسلمان مجر وقد أعلموا رؤساء القرى الفرقة والآغاوات محرضين ان يقتلوا المسيحيين). وقد نفذ الغالبية الساحقة من وجهت لهم الدعوة بقتل المسيحيين حيث أبادوا سكان القرى ولم يتركوا أحدا ينجوا من الموت,... ما عدى شخص واحد أعطى الأمان للمسيحيين في قرية (كرشيران) ونجوا من الموت...........أما هذا الشرير قائد جيش الخمسين, فجمع النساء والأطفال في كنيسة مار يعقوب, ثم أخرج النساء وقتلهن في مكان يدعى (خرابة كورت).وبعد أن انتقى هو وجماعته البنات الجميلات عاد وربط الأولاد بحبال وأخرجهم إلى البرية وسلط عليهم الخيول التي وطأتهم لأقدامها وماتو.ثم جمع هؤلاء الظالمون أموال ومقتنيات المسيحيين ووزعوها فيما بينهم.
أما محمد رئيس عشيرة (طي) فأمر جميع أبناء عشيرته والمنتسبين إليه أن يحافظوا على المسيحيين ويحموهم, لا سيما الذين يلجأون إليهم وأن يعتنوا بهم وبعث كثيرين من المسيحيين إلى صديقه البار (حمو شرو)- أتينا على ذكره في الجزء الرابع- صاحب سنجار ولم يفعل شرا مع المسيحيين بل لم يأخذ شيئا من أموالهم ومقتنياتهم.......................أخذت الشرور والويلات تمتد إلى ديار بكر عندما بدأ أعضاء حزب الاتحاد والترقي يتآمرون في العاصمة (القسطنطينية)واختاروا رجلا شريرا يبغض المسيحيين يدعى(رشي) وأقاموه واليا على ديار بكر. وفوضوه حرية القرار في كل عمل أو تصرف, ووضعوا بتصرفه قطيعا شريرا من البلشيين المعروفين بقساوة القلوب وبغضهم للمسيحيين وكرههم لهم.
......ومن صباح يوم الاثنين الثاني عشر من شهر نيسان إلى يوم الخميس الخامس عشر من شهر نيسان, القوا القبض على ستمئة وأربعة عشر رجلا من وجهاء الأرمن من محلة(فاتح باشا) ومحلة(حصولي) ووضعوهم في مكان يدعى بيت الضيافة والغرباء,ولما ضاق هذا السجن بهم أخذوا يضطهدونهم بأنواع العذابات المريرة,فكانوا يقبعون أظافرهم بالكلبتين وبعضهم يقبعون أسنلنهم وأضراسهم بدون رحمة. وغيرهم يثقبون أيديهم وأرجلهم بالسكك الحديدية. وكثيرون من هؤلاء المساكين ماتوا في السجن من كثرة العذابات والأقوا بجثثهم على المزابل.ولم يكتفوا بأفعالهم الشريرة اللاإنسانية بل خرجوا إلى قرى المسيحيين المحيطة بديار بكر وبدأ العساكر والطغاة يقتلون المسيحيين وينهبون بيوتهم وينزلون بهم أنواع الاضطهاد والعذاب بدون رحمة)........لقد قتل الجميع وكذلك رجال الدين بعد أن أذاقوهم أصناف العذابات............بعد أن قضوا على كل الرجال بدأوا بجمع الأطفال ويقودونهم قوافل قوافل.......إلى الموت. وهكذا فرغت ديار بكر من المسيحيين.......إلا بعض المشردين التعيسن الذين نجوا من الموت وبعض الأطفال والفتيات دون الثانية عشرة من العمر....ومن تبقى مات الكثير منهم بسبب الجوع والعطش والبرد والوباء(الكوليرا)........
إننا نطالب العالم وكل الشرفاء من كتاب ومفكرين ومؤسسات ثقافية وأحزاب سياسية ومؤسسات حقوق الإنسان والمؤسسات الدولية وحكومات وبرلمانات الدول, في الذكرى التاسعة والتسعون لمجازر الإبادة العرقية الجماعية ضد أبناء الأمة الآشورية والأرمن واليونان, وبشكل عام ضد المسيحيين بكل إنتماءاتهم الكنسية من أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية والكنيسة الكلدانية والسريان الكاثوليك والكنيسة المشرقية والبروتستانت, إدانة هذه المجازر والاعتراف بها, وتسليط الأضواء عليها بمنطق علمي وتحليل موضوعي بعيدا عن التعصب, لأنها مجازر أرتكبت بحق الإنسانية ,التصدي للمجازر الحالية لن يتم إلا إذا استنكرنا ما حدث من مجازر سابقا لأن المجازر الحالية أيضا ستتحول إلى ماض أن لم تستطع البشرية وضع حد للمجازر الحالية,الآفلات من العقاب وعدم محاسبة المجرمين تشجيع على إرتكاب مزيد من المجازر, ونبذ كل الأفعال الإجرامية التي ترتكب بأسم الدين أو التعصب القومي أو من أجل السلطة أو بسبب المواقف السياسية.
2014-04-16.[1]