زهية آل رشي*
صرخة الشهيدة زينا أميني لعام 2022م التي هزّت عرش نظام الملالي في إيران (المرأة، الحياة، الحرية)، أصبحت شعاراً تنادي بها نساء العالم في أغلب الدول بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في 25 تشرين الثاني/نوفمبر هذا العام، لم يأتِ هذا الصدى من فراغ، إنما جاء حصيلة ونتيجة لنضال المرأة التي تعرّضت لمختلف أشكال العنف في المراحل التاريخية، فمنذ القضاء على عهد الأمومة وظهور الذهنية الذكورية والمجتمع الأبوي بدأ زمن وضع الأساور الذهبية كي لا تصدأ حول إرادة وحرية المرأة، لتُقيّم الأنثى على أنها جسد يزين بالحلي، لحجب الشمس عنها، وذلك عن طريق الدين تارةً والعادات والتقاليد المجتمعية تارةً أخرى.
جاء اختيار النشطاء لهذا التاريخ 25 تشرين الثاني/نوفمبر كيوم لمناهضة العنف ضد المرأة منذ عام 1981م، يوم الاغتيال الوحشي للأخوات ميرابال الثلاثة عام 1960م، اللواتي كُنّ ناشطات سياسيات في جمهورية الدومينيكان، وذلك بناء على أوامر من الحاكم الدومينيكي رافاييل ترخيو (1930-1961).
في20 كانون الأول/ديسمبر 1993م اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها 104/48 الذي اعتمدت فيه الإعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة. وفي هذا السياق، حددت الجمعية يوم 25 تشرين الثاني/نوفمبر في عام 1999 اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، ودعت الحكومات والمنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية لتنظيم فعاليات في هذا اليوم.
بالرغم من التقدم المحرز في ميدان المساواة بالحقوق في دساتير أغلب الدول. نرى بأن التمييز مازال مستمر في الأسرة والمجتمع، ويحول دون اشتراك المرأة على قدم المساواة مع الرجل في الحياة العملية لبلدهم، سواءً السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتكون الجندرة صخرة أمام التقدم والإنماء التام لطاقات المرأة على خدمة بلدها وخدمة الطبيعة والإنسانية.
بالطبع يتغير العنف حسب الزمان والمنطقة والمجتمع، وقد تغيرت أنواع العنف في الوقت الحالي بتأثيرات الفوضى الخلاّقة والأمراض المصطنعة ووسائل التواصل الاجتماعي… الخ.
فإن العنف مستمر ضد المرأة بشكل وزمان المرحلة وهو انتهاك واضح وصريح لحقوق الإنسان، إذ يمنعها من التمتع بحقوقها الكاملة، وله عواقب خطيرة لا تقتصر على المرأة فقط، بل تؤثر في المجتمع بأكمله.
عبر التاريخ تتعرض المرأة الكوردية لعنفٍ على أساس التمييز العرقي، وإذا سلّطنا الأضواء على تجربة المرأة الكردية في الآونة الأخيرة، نرى أنها ليست وليدة الأزمات الحالية، بل نتيجة تراكمات وتضحيات تاريخية وتنظيم في النضال والعمل السياسي.
استفادت المرأة الكردية من محطات وتجارب الثورات العالمية، وأدركت بأنها الخاسر الوحيد في المعادلة، بعد الانتصارات التي حققت، حيث يتم إنكار حقها ودورها الأساسي رغم نضالها وتضحياتها اللامحدودة، كانت هذه التجارب اللبنة الأساسية لتنظيم نفسها في مجالس واتحادات خاصة بها، وكذلك انخرطت في العمل السياسي والعسكري، حيث أصبحت المرأة الكردية رمزاً لنساء العالم في محاربة “داعش”.
في “رؤزافا كوردستان” بالرغم من ويلات الحرب والحالة المعيشية الصّعبة والتدخلات الإقليمية والدولية في مصير الشعب السوري بشكلٍ عام والكردي بشكلٍ خاص، استطاعت المرأة الكرية قيادة حراك نسوي خلال سنوات الأزمة السورية، وأصبحت تتقدم في مجالات عدة (سياسية وعلمية ودبلوماسية وعسكرية واجتماعية…)، وتلعب دوراً ريادياً في الإدارة الذاتية المبنية على مبادئ السّلم والعيش المشترك والمساواة الحقيقية بين الجنسين.
ولكن الاعتداءات التركية المتكررة للجغرافية الكردية في (عفرين، سري كانيه، كري سبي) أفضت إلى تغيير ديمغرافي وتوطين المرتزقة وإصابة نضال وإنجازات المرأة الكردية، حيث تعرّضت ولا تزال للقتل والسبي والتجاوزات اللاأخلاقية والتهجير وفرض قيود على حرياتها ومختلف أشكال العنف.
أما في (باشور كوردستان): تتمتع المرأة في إقليم كوردستان بالحماية بموجب قانون مناهضة العنف الأسري رقم 8 لعام 2011م، وقد وصلت المرأة إلى المناصب والبرلمان والوزارات، ولها اتحادات ومنظمات، سواءً السياسية منها أو المجتمعية المدنية، ولكن لا تزال محاكم الإقليم تدق نواقيس جرائم الشرف والطلاق بسبب العنف والعادات البالية، ولا يوجد قانون يحظر ختان الإناث الذي يشكل عنفاً ذو تأثيرٍ مديد.
وعندما يتعلق الأمر بالحقوق بين الجنسين، فالمخاوف هي أن تنتزع من المرأة دون علمها، وأن الحقوق بين الجنسين هي تقاسم الأدوار.
وفي (روزهلات كوردستان): منذ استلام نظام الملالي وبسبب العقلية الديكتاتورية والقوانين الجائرة تتعرض المرأة لمحو شخصيتها، يُلّف جسدها بالوشاح الأسود كي ترى ظلالها فقط، وتطالها سياسات القمع وطمس الهوية والإعدامات، فتراكمت في داخلها لتصبح بركاناً بحاجة إلى شرارة كي تنفجر، إذ أضحى وشاح الشابة الكردية “زينا أميني” شرارةً أشعلت ثورة المرأة في إيران، وعبّر العالم عن دعمه وتضامنه بمقولة (المرأة، الحياة، الحرية) التي هزّت عرش الملالي، إلاّ أنّ سياسة القمع وطرق التعذيب الوحشية والاعتقالات والإعدامات التي تطال النساء لا تزال مستمرّة، ولكنهنّ لا يتراجعن عن مواقفهن المشرّفة لنيل حقوقهن سواءً انتصرت الثورة أو أخمدت.
وفي (باكور كوردستان): وصلت المرأة بإرادتها الصلبة إلى قاعات البرلمان، ووقفت أمام أشرس نظامٍ يعادي الكُرد أينما كانوا، وطالبت بحقوق شعبها، فلا تخشى عقاب السجن ولا الموت، وهي تواجه القمع والإقصاء، وتُحرم من التعلّم بلغتها الأم كأبسط حقٍ من حقوقها المشروعة؛ مازال الوضع حيال الكُرد وقضيتهم القومية سيئٌ من جميع النواحي، الأمر الذي يخلق العقبات أمام المناضلات في نيل الحرية.
إذا كانت الانتهاكات والجرائم والعنف بأشكاله المختلفة تطال المرأة الكردية في الدول الأربعة التي يتوزع فيها الكُرد، فإن للنساء دورٌ هام وتاريخي في تغيير معادلات الحرب والعنف إلى معادلات الحوار والحلّ السلمي، باعتبار النساء والأطفال أكثر من يتضررون خلال النزاعات والحروب، وهنّ حريصات في مواجهة سياسات الأنظمة الاستبدادية القمعية، حيث أنّ إرادة المرأة الكردية خلال العقد الأخير طوّرت مسيرة نساء العالم وعززت من نضالها ضد الإرهاب وقوى الظلام.
في هذه المرحلة التاريخية يتوجب على النساء الكرديات توحيد صفوفهن والتكاتف مع نساء العالم، وإيصال صوتهنّ إلى المجتمع الدولي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، للنضال معاً في مناهضة جميع أشكال العنف ضد المرأة.[1]