قَدرُ شعبٍ أم مصالحُ دول؟ مُفارقاتٌ بعصر العولمة!
لينا آل شيخو*
سؤال يطارد الكرد دون كل الأعراق والمجتمعات البشرية ومن المُحال! للباحث بتاريخهم أن لا يُصاب بالامتعاض والإحباط، عما يكتشفه ما لحق بهم من مظالم قومية ومعاناة إنسانية مع مفارقات تُنسِفُ كل أحكام القوانين والمواثيق الدولية المُناطة بحقوق الإنسان.
شعب يملك أثنين وعشرين صوتاً في الأمم المتحدة منذ قرن، بينها دولٌ لم يكن تعداد سكانها حين انضمامها يتجاوز مائتين وعشرة ألاف نسمة، كالكويت على سبيل المثال، بينما الكرد الذين يقترب تعدادهم من خمسين مليون نسمة موزعين مكرهين على أربعة دول في القرن الثاني والعشرين، لا وطن يأويهم، لا حقوق ولا هوية، بزمنٍ بات لكل وسيلة نقل ومزرعة بقر، سجل ورقم، ومؤسسات ضمان ضد الحوادث والاعتداءات، فيما كل ما يتعلق بالكرد من معلومات في عصر العولمة يتم عبر التكهّن والتخمين، ولا من مَظلّة تقيهم كيد المتربصين.
كياناتهم أهدافاً للتدمير، ومساهماتهم الحضارية مشاريع تشويه وتحريف، أما لغتهم! في نظر حكامهم كأنها مخدرات يتم منعها، واعتقال من يتحدث بها أحياناً، بموجب أحكامٍ عرفية، استناداً إلى قانون الطوارئ المعمول به رغم انتفاء مبرراته منذ عقود.
أن تكون كرديًا! فأنت مضطّر لنسيان لغتك والالتحاق بمدارس مغتصبي حقوقك، لتَعلُّم تاريخهم وثقافاتهم، شئت أم أبيت؛ مع الحذر من مغبة الخوض بنقاشات عن الكرد وقضيتهم القومية العادلة؛ أما وصدمة الكردي! تبدأ بريعان شبابه وحين الحصول على بطاقة تعريفٍ بالشخصية، لا تمت بصلة لجذوره القومية، قد تصل بالبعض أحياناً للإصابة بداء انفصام الشخصية، كيف لا وهو يرى أخاً يحمل بطاقة وطنية وآخر يحمل بطاقة حمراء (أجانب)، لتبدأ رحلة من العناء، الهواجس والخلجات النفسية، محاكاة العقل والمنطق، وما يترتب عليها من تبعات وأعباء، لا يمكن أن يدرك حجمها إلاّ من مرّ بها، ليس هذا وحسب! فهذا كردي عربي، وذاك كردي إيراني، وآخر كردي تركي، أما الطامة الكبرى أن يكون بعض أفراد الأسرة الواحدة مواطنين والبعض الآخر (أجانب) محرومين من كافة حقوق المواطنة، رغم أنهم وُلِدَوا على أراضيهم التاريخية بدولة ممنوع عليهم حتى النوم على حسابهم بفنادقها.
لكل قرية كردية أسماء عدة بسبب سياسات التعريب والفرسنة والتتريك التي تمارسها الأنظمة الغاصبة لكردستان، على الرغم من عديد الخلافات الجوهرية فيما بينها، إلا أنها متفاهمة على محاربة الكرد، ولكل دولةٍ منها سياساتها وإجراءاتها اللا إنسانية المقيتة المتناقضة أو المتوافقة أحياناً مع الدولة المجاورة.
ففي سوريا! اجراءات شوفينية استثنائية لا يمكن ادراجها إلا أنها تدابير استباقية لأي تطور كردي محتمل، كمرسوم الإحصاء الاستثنائي الجائر بمحافظة الحسكة/الجزيرة والحزام العربي العنصري السيء الصيت وحرمان الشباب الكردي من الانتساب للكليات العسكرية أو تبوء مناصب في الجيش وبالحكومات الوطنية.
وفي تركيا الطورانية حيث القواعد والحملات العسكرية خارج حدودها، ناهيك عن الغزو والاحتلال وعمليات التهجير القسري للكرد، والتغيير الديموغرافي في مناطقهم التاريخية؛ وبالعراق أنفال وأسلحة كيماوية، أسواق نخاسة وسبي نسوة واغتصاب فتيات ودفن آلاف الكرد أحياء بالصحراء؛ أما في إيران آيات الله والملالي! بلغ عدد الضحايا من الكرد المعارضين لسياسات طهران 450 حالة إعدام شنقاً حتى الموت بعام 2020 وحده.
أما المفارقة الكبرى! قيام تركيا العضوة في حلف الناتو، والتي تسعى للاستحواذ، على عضوية الاتحاد الأوربي، بتحالفها مع مجموعات تكفيرية مُسلّحة، باحتلال ثلاث مناطق كردية في الشمال السوري، والتي تعتبر الأكثر تحرراً وانفتاحاً على الآخر المختلف، رغم أن الكرد حلفاء للغرب في قتال التنظيمات الإرهابية، وقدّموا آلاف الضحايا والمعاقين في محاربة تنظيم داعش الارهابي والقضاء على دولته المزعومة نيابة عن العالم وفي المقدمة الغرب الأوربي.
غالبية الجرائم المرتكبة ضد الكرد تندرج ضمن جريمة التطهير العرقي والإبادة الجماعية (الجينوسايد)، أما الأغرب! أن تُرتكَب كل تلك الجرائم على مرأى ومسمع المجتمع الدولي، دون أن يحرك ساكناً؛ باستثناء بعض التصريحات والمناشدات الخجولة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وبما تقتضيها مصالح بعض الدول.
من نافل القول! ما وقع على الكرد من مظالم، تبعات سياسات الغرب الاستعماري وعلى خلفية اتفاقية سايكس – بيكو التي تم توقيعها بين كل من فرنسا وبريطانيا المنتصرتين بالحرب العالمية الأولى، ومن ثم معاهدة لوزان المشهورة والمشؤومة.
أما ما يدعو للافتخار والتفاؤل! رغم الحروب والهزائم، المآسي والمظالم، ومع تجاهل المجتمع الدولي لحقوق الكرد، إلاّ أنهم! سرعان ما يستعيدون قواهم ومتابعة نضالهم بعد كل انكسار ودمار كطائر الفينيق، وفق الأساطير اليونانية القديمة، الذي يستعيد حياته من رماده، وهو أكثر إصراراً على مواجهة تحديات الحياة.
* مقدمة أطروحتي بتصرف، لشهادة الماجستير بالقانون الدولي لحقوق الإنسان من جامعة (Essex University) البريطانية بعنوان «الكرد شعب عريق – لا وطن ولا هوية».[1]