#مؤيد عبد الستار#
صدر في ايران كتاب الكاتبة الكردية زهراء حسيني بعنوان ( دا ) اماه ، والكلمة هي نداء الابناء لامهم ، تقابل ماما في العربية ، وهي مختصر دالكة او دايكه ، استخدمته الكاتبة عنوانا لكتابها الذي ذاعت شهرته بايران وطبع اكثر من 150 طبعة وبالاف النسخ .
اقدم لمحة من الفصل الاول والثاني للكتاب بترجمة موجزة ، لما للكتاب من اهمية كون السيدة زهراء حسيني كانت من اسرة كردية تسكن البصرة وانتقلت بسبب الظروف السياسية الى ايران .
تروي زهراء حسيني خواطرها باللغة الفارسية ، واختارت الكلمة الكردية دا عنوانا لكتابها الذي حررته الكاتبة السيدة اعظم حسيني .
ترجمة موجزة عن الفارسية للفصلين الاول والثاني
بسبب نشاطه السياسي نادرا ما كان ابي يعود الى البيت ، زياراته متباعدة ، ولكن هذه المرة طالت غيبتة .
كنا نعيش في مدينة البصرة ، نسكن حي الرباط على ضفاف دجلة ، محلة محاطة بالبساتين والنخيل .
كان الجيران يسألون امي عن والدي فتجيبهم انه يعمل في القرنة ، وبسبب بعد المدينة فانه نادرا ما يزورنا .
محلتنا فقيرة ، لا كهرباء فيها ، نستخدم (لالة) فانوس نفطي للاضاءة ، بينما كان بيت عمي في محلة العشار يضاء بالمصابيح . حين نذهب اليهم نرى اسواق العشار والدكاكين مضاءة وكأن الليل نهارا .
في مدينة البصرة كنت اتكلم العربية بطلاقة ، كذلك كانت امي تجيد العربية ، حين تتكلم بها لا احد يعرف انها كردية ، حتى ملابسها كانت مثل الملابس العربية ، ترتدي عصابة على الرأس وعباءة سوداء ، ولكننا نناديها بالكلمة الكردية - دا - وهي تقابل ماما العربية .
كان اغلب سكان محلتنا يعملون مثل والدي في صناعة و بيع اكياس الطحين ( الكواني ) او عمالا في الميناء .
في البيت كانت والدتي تعد الطعام على البريمس - طباخ نفطي - كان طعاما لايختلف عن الطعام المألوف في المنطقة ، يتكون عادة من السمك الصبور ومرق البامية ، احيانا كانت تردنا بعض المواد الغذائية هدية من الاقارب في ايران ، مثل الترخينة والسمن الحيواني - دهن حر - فيكون طعامنا له نكهة عيلامية.
والدي من مواليد عام 1947 م ، يصغر امي بثلاث سنوات ، كان يلعب رياضة الزورخانة بعد الصلاة ، يلعب بالميل - اداة من خشب على شكل مخروطي - ويردد الاشعار الحماسية ، وحينما كان يرد اسم الامام علي في الشعر يردد الصلوات بصوت مرتفع .
بعد الصلاة كان يفتح الراديو ، الراديو يفتح فقط حين يكون هو في المنزل ، عدا ذلك لا احد يقترب منه ، كانت له زاوية خاصة . فيما بعد اشترى والدي راديو اكبر ، كان يأخذ وقتا اطول حتى يبدأ البث ، كان يقول : يجب ان تحمي لمباته .
طال غياب ابي عن البيت ، وخضع بيتنا لمراقبة الامن السري ، ثم جاءوا يسألون عن ابي ، فالقوا القبض على عمي الذي كان يسكن جوارنا ، طلبوا منه معلومات عن مكان ابي ، فاخبرهم انه لا يعرف اي شيء عنه ، اطلقوا سراحه بعد ايام قليلة ، قال ان جميع الاحداث هي بسبب صدام ، وان احمد حسن البكر لا يحكم ، ليس بيده شيء، صدام شمر ابن شمر .
كانت في بيتنا صورة للسيد محسن الحكيم مرسومة في صحن معلق على الجدار ، اشار اليه بيده وقال ان صدام لم يرحم هذا السيد فكيف بنا نحن .
بعد ذلك علمنا ان ابي اعتقل في خانقين وهو مسجون هناك بتهمة التجسس لصالح ايران .
كنت دائمة السؤال لامي :
دا .. متى نرى بابا ؟
ترد علي : انشوفه انشاء الله .
اخيرا في يوم ربيعي من عام 1968 م اخذتني امي مع اخي علي لرؤية ابي .
كان من عادة الناس السير على اقدامهم ، ولكن لان المسافة بعيدة ركبنا السيارة . اول مرة اركب فيها السيارة ، سيارة قديمة طويلة لونها مثل الماء ، على غير عادتها كانت امي مضطربة ، سألتها :
نشوف بابا !!
هزت رأسها بالايجاب ولم تقل شيئا .
بعد ساعات وصلنا خانقين ، توقفت السيارة امام بناية يحرس بابها حارسان مسلحان ، دخلنا الى البناية ، رأيت فيها غرفا تشبه الاقفاص .
التقينا ابي بواحد من تلك الاقفاص ، كانت هيئته قد تغيرت ، افزعني وضعه وحالته ، لم اكن قد تجاوزت الخامسة من عمري يومذاك.
لما رأت امي حالته المزرية اجهشت بالبكاء ، ثم رفعتنا الى اعلى الحاجز الذي بينينا وبين ابي كي يرانا.
قبلنا ابي .
لما رأى ابي عدم ارتياحنا للموقف ، قال لامي لماذا جئت بالاطفال ؟
لم يكن يرغب ان نراه على هذه الحال.
بعد هنيهة قال لامي ، حاولي عدم البقاء هنا ، اذهبي بالاطفال الى بلدنا.
لم ينقطع بكائي حين عزمنا على فراق ابي ، فهدأني ومسح بيده فوق رأسي وقال بالكردية :
نه كَريو دالكَه كم ، لاتبكي يا امي .
بعد تلك الزيارة ظللت مشغولة البال ، اتساءل : لماذا ابي هنا ؟ لماذا هو في السجن ؟ فهو ليس من الذين يرتكبون افعالا سيئة .
واخيرا توصلت الى نتيجة مفادها ان ابي برئ ، ولانه محب للامام علي زجوه في السجن .
فيما بعد ذهبت امي الى القنصل الايراني في البصرة ، حسب وصية والدي ، وطلبت الموافقة على انتقالنا الى ايران ، كوننا في العراق من التبعية الايرانية ، ولذلك كان سفرنا الى ايران سهلا دون عوائق .
غادرنا البصرة الى ايران ، وظلت ذكريات البصرة وبيتنا الجميل والجيران لا تفارق خيالي.[1]