#مؤيد عبد الستار#
(انا الذي جعلت جميع البلدان تعيش بسلام ... كورش)
ترجمة وتعليق وهوامش : مؤيد عبد الستار
ان الروابط والعلاقات والآثار التاريخية المشتركة بين بابل في بلاد ما بين النهرين ومدينة سوسة عاصمة عيلام موثقة بالعاديات التي اكتشفت في المدينتين ، ففي عيلام عثر المنقبون الفرنسيون على مسلة حمورابي ونقلوها الى باريس لتستقر في متحف اللوفر ، وفي بابل عثر المنقبون البريطانيون على أول ختم يمثل أقدم وثيقة لحقوق الانسان ، ختم الامبراطور كورش.
ونظرا لاهمية هذا الختم والنص السومري الذي نقش عليه ، ارتأيت ترجمته الى العربية .
الختم يدعى ايضا عهد كورش ، وفي الفارسية ( فرماني كورش ) عثر عليه في بابل ، يعود للملك كورش الذي حكم الامبراطورية الفارسية بين ( 559 – 530 قبل الميلاد ) ، وهو الذي استولى على الدولة الميدية وآسيا الصغرى وبابل وأسر الملك البابلي نابو نيدس اخر ملوك بابل .
اشار كورش الى انه تمكن من الاستيلاء على بابل بمساعدة الاله مردوك اله مملكة بابل ، وشرح الامتيازات والفوائد التي جناها المواطنون من حكمه والاحكام النافعة التي طبقها في بابل ، وبين في هذا الختم الاسطواني الطيني كيف أعاد تماثيل الالهة التي استولى عليها نابو نيدس واحتفظ بها في بابل الى معابدها .
اعاد كورش تماثيل الالهة الى معابدها الاصلية في بلاد مابين النهرين وغرب ايران، كما يصف تجديده المعابد وتنظيمه لعودة الاسرى الذين كانوا محتجزين في بابل من قبل الملوك البابليين، ومع انه لا يأتي على ذكر اليهود في هذه الوثيقة ، الا ان عودتهم الى فلسطين بعد اسرهم وجلبهم الى بابل في عهد نبوخذنصر الثاني كان جزء من هذه السياسة التي وضعها كورش، اي ان كورش وضع سياسة لحل مشكلة الاسرى الذين كانوا في بابل واطلق سراحهم ، ومن بين هؤلاء الاسرى اليهود .
يعد هذا الختم الاسطواني أقدم وثيقة لحقوق الانسان مدونة في ختم اسطواني من الطين المفخور، وهو محفوظ في المتحف البريطاني بلندن في قسم العاديات الايرانية في الصالة رقم 52 ، وتحتفظ الامم المتحدة بنسخة من هذا الختم الاسطواني كرمز لاول وثيقة لحقوق الانسان حفظت حقوق الاسرى واعادت لهم حريتهم واعادت تماثيل وصور الالهة المسلوبة الى اهلها ومعابدها ، وهو ما يشكل بادرة متميزة لملك تجاوزت حدود مملكته بلاد فارس الى بابل و فلسطين .
ومن الجدير بالذكر ان عادة تدوين القوانين التي يصدرها الملوك في بلاد الرافدين وايران كانت شائعة وكانوا يدونونها على اختام ومسلات ورقم طينية، ومن أشهر تلك المدونات اللوحة التي دونها الامبراطور دارا ، المنقوشة في طاق بستان / غرب ايران ، على سفح جبل بيستون باللغة الكوردية القديمة والبابلية ، ولهذه اللوحة يعود الفضل في فك رموز الكتابة المسمارية ، اذ ساعد تدوين انتصاراته بلغات ثلاث مختلفة والمقارنة بينها في التوصل الى فك وتحليل و قراءة الرموز المسمارية .
طول الختم 5, 22 سم ، المتحف البريطاني ، لندن.
ترجمة الوثيقة ( ختم كورش ) * :
حين..... مردوخ ، ملك السماء والارض ، الذي .. من ، في عهده
..... تهشم جزء من الختم يصعب معرفة مضمونه .......
ان الاله انليل غضب بشدة لشكوى الناس ، ورق لهم وشفق على سكان سومر وأكد ، الذين اصبحوا كالموتى ، زار وفتش جميع البلدان بحثا عن ملك مستقيم الخلق ليختاره.
اخذ يد كورش ، ملك مدينة انشان Anshan ( 1) ، ودعاه باسمه ليتوجه ملكا على الجميع .
جعل بلاد الكوتي Guti (2) ، وجيمع الجيوش الميدية يسجدون تحت اقدامه ، هؤلاء القوم أصحاب الرؤوس السوداء الذين وضعهم انليل تحت رعايته.
ان مردوخ الاله العظيم الذي يرعى مواطنيه ، راى بسرور قراره الجيد وقلبه السليم وأمره بالذهاب الى بابل ، وجعله يسير في الطريق الى تنتير Tintir ( بابل ) ومثل صديق ورفيق سار الى جانبه.
ان جيشه الذي كان كما السماء – النجوم ! - في نهر ، لا يعد ولا يحصى، سار معه بكامل عدته وسلاحه.
جعله يدخل شوانا دون معركة وحرب . حمى مدينة بابل من الجور والاذى ، وسلمه نابونيدوس Nabonidous ، الملك الذي لا يخافه.
ان جميع الناس في تنتير ، ابناء سومر واكد ، النبلاء والحكام، ركعوا أمامه وقبلوا أقدامه.
فرحوا وأشرقت وجوهم لتوليه الحكم .
الملك الذي بمساعدته نجوا من الموت والذي صانهم من الكرب والاذى ، باركوه بفرح وحيوا اسمه.
انا كورش ، ملك العالم ، الملك العظيم ، الملك القوى ، ملك بابل ، ملك سومر واكد، ملك الجهات الاربع للعالم.
ابن قمبيز ، الملك العظيم ، ملك مدينة انشان Anshan ، حفيد كورش الملك العظيم ، ملك مدينة انشان، وريث تيسبيس Teispes، الملك العظيم ، ملك مدينة انشان .
الجذر السرمدي للملكية ، الذي يستمد سلطته من مردوخ وحبه من نابو ، والذي لملكه يفرحون، ويحفظون ، حين ذهبت بشيرا للسلام الى بابل .
لقد اسست اقامتي الملكية في القصر وسط الاحتفالات والحبور ، وقد أنعم عليّ العاهل العظيم مردوخ بالشهامة الكبرى كمحب لبابل ، وانا اطلب منه كل يوم الورع والتقوى.
إن عساكري العديدة تسير بسلام في بابل ، وليس لسومر وأكد أن تخاف شيئا.
انا أريد سلامة مدينة بابل وجميع مقدساتها ، وان سكان بابل جميعا الذين لا يطيقون العبودية سوف لن تفرض عليهم .
انا اطلق سراحهم من قيودهم .
مردوخ سيدي العظيم ، إبتهَجَ لقراري الجيد ، وعملي الصالح
وأنعمَ علي بالبركة الطيبة .
إن كورش الملك الذي يخاف مردوخ ، انه فوق قمبيز ابني ، وفوق جميع قواتي وعساكري.
يجب أن نعيش سعداء في حضوره . تحت إمرته العليه ، جميع الملوك الذين يجلسون على عروشهم.
من جميع الاقطار، من البحارالعليا الى البحار السفلى ، جميع من يسكنون في المناطق النائية وملوك بلاد امورو الذين يسكنون في الخيام ، جميعهم
جاؤا بجلال قدرهم الى شوانا – بابل – وقبلوا اقدامي .
ومن شوانا – بابل – اعدتهم الى اماكنهم في مدينة اشور وسوسة .
أكد ، بلاد اشنونا ، مدينة زامبان ، مدينة ميترونو ، دير ، بعيدا على مسافة بعيدة كبلاد الكوتي Guti ، المعابد التي على نهر دجلة ، وقبابهم التي خربت سابقا.
الالهة التي كانت تسكن فيها هناك ، صَنعتُ معابدَ دائمة لهم ، جمعتُ سكانهم وأعدتهم الى مستوطناتهم.
والهة سومر وأكد الذين جلبهم نابونيدوس الى شوانا بامر مردوخ أعدتهم الى مواقعهم ( صوامعهم ) دون اذى ، في معابدهم التي يسعدون فيها (3)
عسى أن ( يتفرع ) (4) جميع الالهة الذين أعدتهم الى معابدهم كل يوم أمام الاله بيل ونابو ، يطلبون لي طول العمر ، ويذكرون جميل صنيعي ، ويقولون لمردوخ : سيدي ، نريد ان يزود كورش الملك الذي يخافك – يهابك – وابنه قمبيز معابدنا بالمؤن والطعام حتى يوم ( القيامة !) ويلهج سكان بابل بالدعاء لملكي . انا جعلت جميع البلدان تعيش بسلام
كل يوم اضيف الى القرابين بطتين وحمامتين.
واكافح من أجل تعزيز دفاعات جدار امغور – انليل ، الجدار العظيم لبابل ،
وقد اكملت بناء الرصيف بالطابوق المفخور على ضفة الخندق التي بدأها ملك سابق ولم ينجز عمله...
( فراغات وفقرات غير واضحة ، تتحدث عن اكمال بناء اعمال سابقة بالطابوق المفخور وعمل بوابات كبيرة واضافة النحاس اليها ، ويذكر اسم الملك اشور بانيبال بعبارة : الملك الذي سبقني ...)
وفي الختام نقرأ رجاء وتضرع كورش لمردوخ يقول فيه :
سيدي مردوخ العظيم ، هل تسمح لي بتقديم هدية تسعدك الى الابد ....
* * *
ملاحظات وهوامش لا بد منها :
*تمت ترجمة النص عن الانجليزية ، نسخة ارفنج فينكل Irving Finkel ، اضافة الى الاطلاع والاستئناس بالترجمة الفارسية التي ترجمها عن النص البابلي الدكتور شاهرخ رزمجو ، الاستاذ في قسم الشرق الاوسط في المتحف البريطاني.
** تعرض الختم الى تهشم بسيط سبب عدم قراءة بعض السطور
*** نلاحظ ان كورش يطلب من الملوك ان يتفرعوا ( يخلعوا غطاء الرأس ) ويتضرعوا للاله بيل والاله نابو و يدعوا له بطول العمر . ان هذه الشعيرة اي خلع غطاء الرأس ما زالت سارية في وسط وجنوب العراق ومناطق الكورد الفيليين ، اللور في لورستان وعيلام وكوردستان الجنوبية ، اذ يتفرع – يكشف الرجل عن شعره او المرأة عن شعرها للتضرع والدعاء و طلب الشفاعة ، وان طول العمر كان غاية مبتغاة منذ عهود قديمة
(1) انشان Anshan Enshan ,: مدينة تاريخية قديمة تقع قرب مدينة سوسة في عيلام – كوردستان ايران – وهي اقدم من العاصمة سوسة ، تعد المدينة الكوردية الاقدم وعاصمة اولى لايلام .
(2) الكوتي : اقوام من الشعب الكوردي في عيلام ووسط العراق ، وحول مدينة الكوت .
(3) ان الملك الذي ينتصر على مملكة اخرى في بلاد الرافدين ، ياخذ الكهنة و تماثيل الالهة من المعابد اسرى الى بلاده ، فيحجز تماثيل الاله لديه اسرى كي يبقى شعب تلك المملكة تابعا له .
(4) لاحظ تعبير – يتفرع – اي يكشف عن شعر رأسه / ها ، ويزيل عنه الغطاء عند الدعاء ، هذا الطقس ما زال يمارس في العراق ، فحين يريد المرء او المرأة الدعاء من الله دعاء حارا قويا ، يخلع / تخلع غطاء الرأس امعانا في الخضوع الى الله كي يستجيب الدعاء.[1]