#مؤيد عبد الستار#
اثار اعلان الاحصاء السكاني ومن ثم تأجيله الى شهر ديسمبر العديد من الاسئلة والنقاشات التي نرجو ان تكون هادفة وتصب في مصلحة مستقبل العراق الديمقراطي ، وعدم وضع العصي في أية خطة تهدف من ورائها الحكومة لتاسيس قاعدة بيانات علمية تستند اليها في التخطيط والتنمية وتطبيق البرامج الهادفة الى تطوير الواقع المتخلف الذي ورثناه من حقبة حكم العصابة الصدامية .
من بين المشاكل التي تواجه قضية الاحصاء هي حقل القومية الذي سيذكر في استمارة الاحصاء ، ولا بد ان نشير الى قضية حضارية مستقبلية ، هي ان القومية ستكون في المستقبل القريب مسألة هوية شخصية ولن تكون مؤثرة في قضية المواطنة التي يجب ان تبنى على المساواة بين جميع قوميات الشعب العراقي واطيافه ، وان كان من فضل لذكر القومية في استمارة الاحصاء فسيكون من اجل انصاف القوميات العراقية التي عانت الامرين تحت حكم عصابة النظام الصدامي السابق والتمييز الذي لحقها خلال حقب مختلفة ، منذ تاسيس الدولة العراقية حتى اليوم .
ومادام الشعب الكوردي سيحصل على حق تدوين هويته الكوردية في استمارة الاحصاء ، تبقى التفاصيل الفرعية الاخرى مثل العشيرة والطائفة ذات أهمية ثانوية ، لان ذكر القومية الكوردية يغني عن التفاصيل الاخرى ، فسواء كان الكوردي شبكيا او يزيديا او سورانيا او كرمانجيا او فيليا ، فان ذلك لا يغير من المعادلة القومية شيئا، الا اللهم اذا اراد احد المكونات ان يخرج عن هويته القومية وينتمي الى هوية قومية اخرى ، او ان يطلب ان تكون قوميته نفس هوية دينه ، تماما مثل اليهودية التي تعد الدين قومية ، تلك مسألة اخرى ، ولا نعتقد انها نافعة لاي مجموعة عراقية .
ان تسجيل او ذكر القومية في استمارة الاحصاء قضية مرحلية وليست قضية مستقبلية ، لان القومية في المستقبل لا تمثل ضرورة يجب ان يلتزم بها العراقي في الحصول على حقوقه ، في المستقبل يجب ان نحرص جميعا على ان يتساوى اي مواطن مع غيره سواء اكان عربيا ام تركمانيا ام اشوريا ام كلدانيا ام سريانيا... الخ .
وكذلك مسألة الاصرار على تدوين الدين او المذهب في سجلات الاحصاء ، قد تكون قضية ملتهبة اليوم ولكن بعد سنين قليلة نأمل ان تصبح مسألة احصائية فقط لا علاقة لها بالتوترات التي تنخر جسد الوطن .
مؤخرا حاولت بعض التنظيمات الكوردية الفيلية وبعض الزملاء من الشخصيات المعنية في الشأن الفيلي الادلاء بدلوهم حول تدوين القومية في حقل استمارة الاحصاء السكاني ، ونرى ان تقسيم الكورد الى فئات متعددة ليس في صالح انجاز متطلبات الحقوق القومية المشروعة للشعب الكوردي في العراق ، وكذلك ليست في صالح العراق كبلد ، فكلما تناثرت مكونات الشعب العراقي الى مكونات صغيرة مجهرية كلما اصبح كاهل العراق مثقلا بمشاكل متفرعة كثيرة ستسحبه الى مستنقع التخلف والرجوع الى حضيرة البلدان المتخلفة التي تنخرها الصراعات الطائفية والمذهبية والقومية مثل رواندا والصومال ويوغسلافيا سابقا ... الخ
ان الشعوب العراقية مدعوة - بعد زوال حكم العصابة الصدامية - الى تضييق هوة الاختلافات بين مكوناتها لكي تقلل من حدة الصراعات التي يجب ان لاتتفاقم يوما بعد اخر وانما يجب اخمادها ، اخماد نيران الطائفية والقومية والعنصرية ، لكي نحث السير مع الدول المتقدمة نحو غد مشرق ، ولو اخذنا مثال تركيا في الوقت الحاضر سنلاحظ انها تجاهد من اجل تقليل الصراع بين القوميتين الكبيرتين في تركيا الترك والكورد ، والجميع يعلم ان اطفاء الصراع الدائر في تركيا يعجل في التحاق تركيا بركب مجموعة الدول الاوربية – منظومة الوحدة الاوربية - لكي تاخذ مكانها بين الامم المتقدمة ، وهو سيتحقق في السنوات القريبة القادمة حالما تستطيع التخلص من توترات الماضي والارتقاء بحقوق الانسان التركي والكوردي دون تمييز .
كذلك لدينا في العراق ، فان ازالة الفوارق الطائفية والمذهبية والقومية بين الجميع على اساس المساواة بين جميع المواطنين هو الحلم المنشود للجميع ، ولا اظن ان احدا يتسم بالانفتاح على العالم الخارجي يستطيع التمسك بهويات محلية صغيرة لا تقدم سوى التوتر في العلاقة مع الاخر .
وارى ان الكورد في عموم العراق ليسوا بحاجة الى تشتيت هويتهم ، وانما الاكتفاء بالاسم العام لهم ، كورد ، اما الصفات الاخرى مثل الطائفة او الديانة او اللقب او العشيرة فاعتقد انها صفات ثانوية لاتقدم ولا تؤخر في العملية الاحصائية ، لان الغرض من الاحصاء اولا واخيرا هو وضع البرامج النافعة للمواطنين لا تقسيمهم الى كانتونات معزولة بعضها عن البعض الاخر . حتى القومية في المستقبل - عندما تصبح المواطنة هي السمة الاولى للانسان العراقي - لا ارى لزوما لذكرها في احصاء المواطنين العراقيين .
وعلى سبيل المثال هنا في السويد يحصل المواطن المهاجر على الجنسية السويدية بعد خمس سنوات من اقامته الدائمة في السويد ، ونلاحظ ان جميع المهاجرين لا يريدون ان تذكر في اوراقهم السويدية اية اشارة تميزهم عن السويديين ، وقام البعض بتغيير اسمائهم كي لا ينظر اليهم احد بعين التمييز بسبب اسمائهم ، واقترح مكتب العمل – وهو مؤسسة تساعد في الحصول على العمل - في السويد ان تقدم طلبات العمل دون اسماء ، لكي يختار رب العمل من يحتاجه دون تمييز بسبب الاسم الذي قد يدل على ان طالب العمل من المهاجرين فلا يحصل على فرصة متكافئة مع السويديين ، وهناك اقتراحات متعددة من اجل ازالة التمييز بين المواطنين .
الاحصاء في العراق يجب ان يكون هادفا الى تقليل الفروق بين المواطنين وعدم تعميق الهوة بينهم بوضع علامات تمييز مختلفة مثل المذهب والطائفة والعشيرة ... الخ
وبالامكان الاكتفاء في الوقت الحاضر بالدين والقومية فقط اضافة الى البيانات الاحصائية المعروفة عالميا ، وترك التفاصيل الاخرى الصغيرة وعدم التأكيد عليها كي تهدأ التوترات التي خلفها النظام السابق المتخلف ، وبذلك نكون قد نجحنا في وضع خطوة سليمة على الطريق الصحيح نحو عراق ديمقراطي حقيقي يتسع للجميع .[1]