غريب ملا زلال
#إسماعيل خياط# من أهم رموز الفن التشكيلي في العراق على نحو عام و في كردستان على نحو خاص، و إذا كان له حيزه الجميل في الفضاء التشكيلي العراقي فله حيّز أكثر في الفضاء التشكيلي الكردستاني، و إذا كان الشاعر شيركو بيكس من أهم الفاعلين في حركة المرصد التي أطلقها في السبعينات من القرن الفائت، حين أدرك أن الشعر الكردي يحتاج إلى إنعطاف و إنقلاب ليحافظ على وجوده الذي يليق به و حتى يوازي قامته القامات الأخرى و فعلها بيكس بنجاح و يعتبر من روادها،
أقول فإذا كان بيكس مايسترو الحداثة الشعرية فإن إسماعيل خياط يعتبر بحق مايسترو الحداثة البصرية في المشهد التشكيلي الكردستاني، و إن كان قد بدأ واقعياً، متقيداً بشروط متصلة بالخطاب التشكيلي السائد كمعظم أبناء جيله إلى أن أوجد نفسه مرمياً أمام أبواب مفتوحة ليبدأ بإيجاد البديل الذي تخلله أوليات مرتبطة بالمنحى الخصبة التي برعم فيها و على إمتدادات واسعة من التجربة التي تركها بدوره منفتحة على تأويلات دون توقف،
فعالمه الجديد هي خطى و علامات عليها ينطوي الحقل (التشكيلي الكردي)، فمن الواضح أن إختياره لكل ما هو مهدد بالسقوط، أو بالغياب و لو قسراً هو ما جعله يواجه الوجوه كنتيجة إفتراضية و كإدعاء مزدوج لمفاهيم كان يمكن سوقها لحدود المركز الحقيقي للعمل، و بعبارة أخرى فإن خياط يعمل على عدم السماح للفكر الرمزي بالإنسلال إلى تجربته رغم التناقضات فيها و التي تكون على نحو دائم رهيناً لتوتراته و هذه مشكله تخصه دون الحاجة الماسة لتحديد التاريخ، و إن كانت أعماله إحالات متواترة للحظات محددة من تاريخ أشبه بالميتافيزيقي لما فيها من وحشية و فجائعية ، و يمكن السعي نحو إنبثاق أفكار حاسمة في التحديد و التحويل، في ظل مفهوم فلسفي لا يهدد إنقلاباته العذبة، بل يجعل من حضوره إمارات لتجاوز التقليد بعقباته الموروثة و الكثيرة و لتعيين حقول رؤيته مع كسر أفقها الإشكالي، فهو يمارس البحث المركز على عمق الأشياء و يعتصرها الإحساس بوصفه الجانب الأهم في ترميم التصدعات، كما يمارس الحضور المفقود و المنفلت من اللعب إلى ماوراء إثبات الحلم المتآكل تاريخياً، أي أنه يمارس صياغاته في مناطق هي على قدر كبير من الأهمية للشأن الإنساني حيث يتعاطى معه برؤية فنية جديدة تذهب به إلى حيث إمتداداته في المكان الحامل لإنتماءاته في تخومها الأبعد، فإذا كان خياط هو صاحب اللوحة الأكبر في العالم و بها كان يستحق دخول كتاب غينيس للأرقام القياسية حين جعل من سفح جبل كردستاني إلى لوحة زيتية تمتد ما بين كويسنجق و دوكان في منطقة كاني وتمان فهو صاحب التوثيق الأدق للمجازر التي مورست بحق الشعب العراقي عموماً و الكردستاني خصيصاً / الأنفال ، حلبجة، ......... / وعلى إمتداد أربعة عقود و أكثر (فترة حكم البعث العراقي و دكتاتوره صدام حسين) و لهذا فأعماله هي بحق وثيقة تاريخية لمراحل الإضطهاد و النزوح و الملاحقات و التشرد و التي قدمها في معارض خاصة و في أمكنة كثيرة من الأرض ، و إستناداً إلى ذلك ندرك حجم التحدي الذي كان يتحلى به خياط على إمتداد تلك الفترة.
أكثر من نصف قرن و خياط يعوم بمهارة في بحر اللون و الخلق فهو في تقديري فعل و حركة، و تداخل و تشابك، فهو نتاج حقيقة الشيء، أي أنه نص لا يتكرر و يمكن قراءته كثيراً و على إمتداد المدلول دون نسف أي فكرة لا للبنية و لا للقيمة، فالأمر الممكن و قد يكون الحتمي هو أنه لا يمكن الحديث عن التشكيل في كردستان العراق دون ذكره بوصفه كينونة الحضور / زمنياً و ذاتياً /، و بروح ورثها من جباله يعامل حلمه وفق خصائص مميزة و بأدق التفاصيل، على شكل رغبة لون نائمة على سطح حجر في الطريق أو في سفح جبل، أو على شكل طائر يرفض أن يموت و إن كان الطائر في ذاكرته ميتاً (في طفولتي حصلنا أنا و أخي على طير كهدية و بدأنا نهتم به، لكنه مات ذات يوم و دفناه بحزن، هذا الطائر بقي عالقاً في ذاكرتي البصرية، كنت أتمنى ألا يموت، أن يبقى معي دائماً، لهذا أمنحه في أعمالي هذا الوجود المفترض، إنه يعيش في لوحاتي كموضوع معاصر يرمز لما أعانيه .)، أو ربما على شكل حزن يستيقظ كثيراً في ترادفاته الشكلية التي ورثها من طفولته في أزقة خانقين ، الأمر الذي يجعله في عزف جنائزي على إمتداد الولادة، لا تفادياً لغضب الرب، بل لتركنا نستمد الطاقة من الأسئلة التي يرميها لنا في أعماله، و على نحو أدق من وجوهه التي لا تحمل الملامح بل أقنعة تمثل الحقيقة الخاضعة للإختزال داخل الجانب المعقول، و خارج الجانب المحسوس كعلامات و نقوش للنفس البشري بكل وحشيته بشذراتها المتعددة، أقنعة تشرح لنا اللعب الحر و المر في العمق اللاإنساني، و التنكر التام للفهم الخيِّر الذي وهبته الآلهة لحفظ الوجه لا ظله.
إن التمييز بين فردية خياط التي يمكن الإمساك بها في جولة أولية بين أعماله و بين الضغوط التي يمارس في ذاته هو شكل من أشكال الإنبثاق من محور ما، بإعتبار البؤرة ستتجلى لاحقاً في تصنيفاته التي أوجدها في مختبره التشكيلي، المختبر الذي تحول إلى نصف قرن من البحث و التجريب و التجديد منقباً لعلامات بصرية و مفاهيم تشرح الطريق في التدليل إلى توظيف سلسلة خلاصاته التي لا معنى محدد لها، بل هي صدى لمفاتيح إنتباه لمعايير تحدد إختيارات خياط و تفصح عن أساليبه بوصفها طروحات تمد البساط للعناكب و هي تنسج خيوطها بمعرفتها الخاصة.[1]