د.ماضي حسن نعمة
هنالك إنجذاب واستيقاف إتجاه الخصوصية التي تطغي على الصفة الشكلية والأدائية لأعمال الفنان #إسماعيل خياط#.لمست ذلك من خلال معرضه الخاص في الثمانينيات في قاعة الرواق والذي يعد تكملة لأهداف وصيغ نموذجية تم رؤيتها في معرضه السابق أبان السبعينيات في قاعة كولبنكيان بغداد.
ولكن ما شد توقفي في التأمل وحتى التأثر بأسلوبه التقني في وقتها، ما يثير الإحساس والإعجاب بمعرضه في قاعة الرواق أبان الثمانينيات. لقد كان هنالك إنعكاس كما يبدو لأحداث مثيرة حصلت في كردستان على روحية مشاعره الحساسة، ومنها الأنفال وحلبجة. لقد كانت أعماله فيها حيوية من الصيغة التقنية المميزة لمفردات منفصلة في فضاء هائج ثم تتداخل وتلتقي حافاتها الرقيقة المتدرجة، يساعد في إظهار هذه الصفحة الشكلية أدوات الإستخدام من أقلام الرصاص بمستوياتها ال HB على مساحات المواد من الورق الذي يسمح بالخوض عمقاً وزمناً في التدرج الهايرموني. إزاء هذه الصفة تصل أبعاد المضامين الفكرية والانفعالية إلى أعماق نفسه أولاً وإلى المستلم ثانياً.
ما يشدني لها هي الصفة الخصوصية في الأسلوب والأداء الرقيق، تحمل مضامين الحزن والتراجيديا الانفعالية، لكن في الوقت ذاته تحمل في طياتها شيئاً من القيم الجمالية وحساسية المشاعر. ومن خلال إطلاعنا إلى المستوى الذي يتميز به الإنتاج ألفني عبر سنواته الإنجازية يؤكد لنا إن الفنان إسماعيل خياط من أبرز رموز الفن التشكيلي في كوردستان – العراق – حيث أسس لتجربته الفنية مقومات وصفات إنفرادية، من جانب المضمون والأسلوب معاً، حيث اتصفت أعماله بمزايا تعبيرية تجمع بين الخيال السريالي والأداء الأكاديمي الذي اتقنه عبر سنوات حياته بجدارة، ومهده لأختيار التطابق مع ثيماته الفكرية والنفسية.
استقل في إنفراديته المتميزة خاصة في محيط إقليمه في كردستان الجميلة.. لولا الأحداث الصاخبة التي تشمل العراق عموماً. وهنالك من يربط هذه الصفة بالضفة البصرية لحركة (المرصد) الشعرية التي أطلقها الشاعر الكوردي (شيركو بيكه س) في سبعينيات القرن المنصرم إذ أُعتبرت بداية الحداثة الأدبية في الثقافة الكوردية. وكما هو معروف إن الفنانين بمختلف اختصاصاتهم التشكيلية وكذلك المسرحية والموسيقى، تنعكس الأحداث بالدرجة الأولى لما يحملون من أحاسيس وجدانية متحركة ومنفعلة، ولذلك نجد نتاجاتهم الإبداعية هي إنعكاس لما يحيطهم من محركات مثيرة. إنها تحرك القلب والبصيرة والأبصار، تكون النتائج بمستوى نوع الحدث ومستوى الوعي والقدرات لدى المنتج الفني. وهذا ما إستجاب له الفنان إسماعيل خياط لتراجيديا الأحداث المؤلمة في إقليم كردستان الذي تسبب في مقتل وإصابة الآلاف من البشر أطفال ونساء وشباب وكبار السن، غادروا الحياة بعذاب حزين حين رميت جثثهم في الشوارع والجدران وهم أبرياء من فعل الأحداث السياسية والصراعات الصاخبة، والتي اعقبتها أيضاً ضحايا كثيرة بعد 2003 من داعش وغيره، وكما ذكرنا بأن الأمور شملت مساحات واسعة من أرض العراق، ومنها كردستان، التي يعيش في أرضها الفنان إسماعيل خياط.
تحولات:
بعد أن قطع شوطاً طويلاً في الإختيار والصيغة الأسلوبية التي تبناها الرسام إسماعيل خياط والتي تم التطرق إلى تلك المنهجية الانفرادية، شاهدنا وبتمعن واندهاش حول التحولات الشكلية والمضامين. ولكن مصادر وجودها وتأسيسها الأدائي مرتبطة بالأحداث ذاتها التي تحيطه. حيث كانت بشكل يتناسب مع حدية الأحداث وعنفها، متجاوزة الرقة في التأمل الهايرموني الذي يقطع مسافة من الوقت والإسترخاء. تلك الطريقة هي بألوان صريحة غير متدرجة متضادة ومنفصلة ومتجاورة على اجسام من الأحجار مرمية في مساحات الجبال الكردستانية وأراضيها المنبسطة كذلك. وكما يتضح لنا إنه تناول مواضيع إنسانية مشتركة، ولكن في الوقت ذاته كان يجسد أعمال تعكس الخصوصية الكوردية في مضمونها، الأنفال و حلبجة مثلاً، بأشكالها، ورموزهما وألوانها المستلهمة من محيطه وبيئته المحلية. في مجموعة بعنوان (ذاكرة الانفال) يتناول اسماعيل موضوع الأنفال من خلال صناعة بعض الاقنعة من الورق، بتفاصيل قليلة وباسلوب بسيط مختزل، أشكال وجوه مهشمة، ناجمة عن آثار المعاناة والدمار. تحولات مختلفة ومثيرة لأشكال مجسمة بدت وكأنها صفائح معدنية دعكت بضغط العوامل المختلفة. من دون تبيان تفاصيل الملامح الشخصية للأجناس البشرية.
وتعد هذه الأعمال كما نوهنا عنها آنفاً هي تكملة لما قطعه من إنجاز زمني مبكر يتعلق في صيغة التطبيق الأدائي بواسطة أقلام الرصاص ومنها مجموعة التخطيطات المعنونة (الموت في حلبجة) المرسومة بقلم الرصاص (الملون) حيث يوضح لنا الشكل المأساوي لهذا العمل البربري من خلال أشلاء بشرية، ممزقة، متروكة في البراري. التخطيطات مقتضبة في الشكل والألوان والرموز المستخدمة. أجسام مقطعة مروعة في وحشة وعزلة مرعبة ولكنها مجتمعة ضمن مساحة أرضية واحدة.
في أعماله الأخيرة تبدو هنالك جهود كبيرة جداً لما تمتلك من مساحات واسعة على الأرض في أبعادها المتكاملة في السطح الأرضي وكذلك ما تحتويها من صخور واحجار مختلفة التركيب والاحجام، يتم ترتيب هيئتها الشكلية في الألوان النابضة بالتعبير والأهداف، دون التدخل في تغيير بنية احجامها أو تحوير تكويناتها بطريقة الحفر أو الملمس. لذلك سعى بجهد جهيد مع أوساط الأجواء النحتية بطريقة صياغة المنجز بما يتناسب مع اختصاصه كرسام عن طريق فرش الألوان المثيرة للأنتباه والاستيقاف والتأمل، ولم يتوقف ضمن نطاق الأحجار والصخور والمساحات الأرضية، وإنما بتحويل أرضية البناء والجدران إلى تكوينات شكلية عن طريق باثاتها اللونية المتنوعة. تلك الجهود لايخوضها ضمن لوحات محددة القياس والاستيقاف، وإنما ضمن مساحات واسعة وآفاق حرة في التحرك والتطبيق تتطلب جهود كبيرة من الوقت والأداء التقني. وكما هو واضح إن الفنان إسماعيل خياط لا يستخدم مواد القماش الذي يمتص الألوان ويشتت وضوحها والتي تتطلب مراحل كثيرة للبناء اللوني وإلغاء التشتت. إنه يفضل فرش الألوان على المساحات الأرضية والأحجار الذي أتى بعد مراحل وضع الألوان على الورق الصافي الملمس.
ولد الفنان التشكيلي الكوردي إسماعيل خياط في مدينة خانقين عام 1944 وتخرج من دار المعلمين. ومارس مع نشاطه الفني مهنة التدريس لمدة 21 عاما. تفرغ الفنان اسماعيل خياط بعد تركه مهنة التدريس للفن في مدينة السليمانية حيث يقيم فيها إلى الوقت الحالي. وعرف على مستوى العراق بفنان ذو اسلوب خاص وصاحب رؤية فنية اجتاز من خلالها البيئات التشكيلية التي كانت سائدة في العراق وفي الأوساط الكوردية أيضاً. ودفعته خصوصيته الفنية إلى صدارة أسماء الفنانين العراقيين الذين شاركوا في المعارض والمهرجانات الفنية والتشيكلية العالمية حيث وصلت لوحته إلى صالات العرض في الكثيرة من المدن الأوروبية والأمريكية.وقد أقام أكثر من (35) معرضاً شخصياً في مدن كردستان العراق وبغداد، ولا زالت إنجازاته الإبداعية المتميزة مستمرة في العطاء.[1]