آراس حسين ألفت
تعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958 حدثاً بارزاً في تاريخ العراق والأمة العربية، إذ أسهمت مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية في قيامها، جاء في مقدمتها سوء الأوضاع السياسية والاقتصادية، وسوء الحالة المعيشية لأكثرية الشعب العراقي، مما دفع العديد من قوى الشعب المختلفة، مدنية أو عسكرية، حزبية أو غير حزبية إلى خوض النضال ضد النظام الملكي بغية إسقاطه.
على أية حال، حققت الثورة أول أهدافها السياسية، وهو إسقاط النظام الملكي، وقيام الجمهورية العراقية.
لم يكن بابا علي يعلم بتوقيت الثورة، بل تأكد من ذلك من خلال سماعه البيان الأول الذي أعلنه عبد السلام محمد عارف في صبيحة الرابع عشر من تموز، من دار الإذاعة العراقية. أما البيان الثاني للثورة فقد تضمن إعلان التشكيلة الوزارية التي تألفت منها أول وزارة عراقية في العهد الجمهوري، وتم تعيين بابا علي الشيخ محمود الحفيد وزيراً للمواصلات والأشغال فيها.
لقد ضمت التشكيلة الوزارية شخصيات معروفة أدت أدواراً في معارضة سياسة العهد الملكي، وقد ظهر عليها إنها كانت شبه ائتلافية، مثلت فيها معظم الأحزاب المشاركة في جبهة الاتحاد الوطني واللجنة العليا للضباط الأحرار، وشخصيات وطنية مستقلة.
ومما يميز بابا علي في هذه الوزارة، انه وزميله محمد حديد سبق وان كانا وزيرين في العهد الملكي، فضلا عن انه وزميلاه محمد صديق شنشل وعبد الجبار الجومرد كانوا يحملون الشهادات العليا، وهؤلاء وزميلهم محمد حديد كانوا أعضاء في مجلس النواب في العهد الملكي. ومثلما تفاجأ بابا علي بنبأ قيام الثورة فوجئ أيضاً بتعيينه وزيراً للمواصلات والأشغال في الحكومة الجديدة. تصف لنا عقيلة بابا علي تلك الأيام بهذا الشكل:
« لقد كنا في منزلنا صباحاً، وعندما سمعنا الخبر تفاجأ بابا علي كثيراً بتعيينه وزيراً في الحكومة الجديدة، لم يتوقع ابدأ أن يشغل منصباً في الحكومة الجديدة، إذ إن بابا علي قال لها كيف تم اختياري وزيراً وأنا من المحسوبين على النظام الملكي!».
وفي الواقع، هناك أسباب ودوافع متعددة ومتناقضة لاختيار بابا علي وزيراً كونه « رجلاً من الطراز الأول كفاءة ونزاهة»، ولأنه « ابن شخصية كردية معروفة عرفت بمكانتها في شمال العراق»، فضلاً عن انه من» الأشخاص غير المتطرفين في ولائهم للنظام الملكي»، حتى وصفته جريدة « الجمهورية» لاحقاً ب «الوزير الثائر»، الأمر الذي دفع بعض أعضاء اللجنة العليا للضباط الأحرار إلى ترشيحه وزيراً «قبل الثورة بزمن طويل «.
وفي الحقيقة، إن هناك أسباباً خفية دفعت عبد الكريم قاسم لاختيار بابا علي، جاء في مقدمتها انه أراد أن يمثل الكرد في الحكومة شخصية سياسية كردية لها ميول معتدلة ومستقلة من أجل تحييد الحركة الكردية بزعامة الملا مصطفى البارزاني. هذه الحقيقة أكدها الجانب البريطاني عندما قال ما نصه:
« بابا علي هو ممثل الأكراد في الوزارة».
بتعبير آخر، إن البريطانيين أرادوا أن يبينوا لأقطاب الحركة الكردية أن ثوار تموز قد اختزلوا الحركة بشخص بابا علي. كما أراد البريطانيون أن يبينوا لثوار تموز أن بابا علي لم يمثل الحركة الكردية بقدر ما هو شخص منتدب من قبل الحكومة، الأمر الذي يؤكد وبدون شك إن البريطانيين كانوا يبتغون من وراء ذلك خلق أزمة ثقة بين حكومة الثورة والحركة الكردية، الأمر الذي على ما يبدو، لم يستوعبه الطرفان (حكومة الثورة والحركة الكردية) بالشكل الصحيح وبالوجه المطلوب مما أدى إلى تصادمهما لاحقاً.
ظلت السفارة البريطانية في العراق حريصة على التقرب من بابا علي لأنه شخص» مدرك ومتوازن في رؤيته وودود للغرب»، ويمكن من خلاله فهم طبيعة النظام الجديد. فقد التقى السفير البريطاني في العراق بابا علي بعد مرور ستة أيام فقط على انتصار ثورة 14 تموز، إذ أكد له بابا علي انه شارك في الوزارة لأنه يعتقد «بإمكانه أن يقدم مساهمة حقيقية لصالح بلده»، وأن « يساعد في إبقاء الحكومة لتسير في مجال معتدل» لان» النظام القديم مضى، وان النظام الجديد هو المسيطر» مما حتم على النظام الجديد أن يتبع « سياسة معقولة»، كما عبر له عن أسفه الحقيقي لأحداث العنف التي وقعت في اليوم الأول من الثورة، وأصيب بالصدمة لما طرق على سمعه من الهجوم الذي وقع على السفارة البريطانية في بغداد.
على أية حال، لم يتردد بابا علي في قبول منصبه الجديد، بناءً على بيان الإذاعة الذي طلب من الوزراء الالتحاق بعملهم، حيث قرر بابا علي التوجه إلى بغداد، إلا إن أخاه الكبير الشيخ رؤوف رفض فكرته بالتوجه في يوم الثورة، إذ أبدى له بعض المحاذير من عدم الاستقرار في بغداد، وقد يكون الطريق غير آمن، لذا طلب منه التريث في التوجه إلى بغداد، وبعد مرور ثلاثة أيام على الثورة أبلغه متصرف السليمانية آنذاك بضرورة السفر إلى بغداد والالتحاق بالحكومة، وبالفعل توجه بابا علي إلى بغداد بصحبة كل من (خُلي هُومر) و(حاجي محمود ديكوني)، وهما من أهالي السليمانية ومن المقربين لعائلة الشيخ محمود الحفيد، ليكونا بمثابة حماية له في الطريق. وعند وصول بابا علي إلى بغداد مكث في منزل صباح نوري السعيد في كرادة مريم، وبعد مدة وجيزة نقل عائلته إلى منزله الجديد في الشالجية ببغداد.
تسلم بابا علي مهامه الوزارية الجديدة في السابع عشر من تموز عام 1958، وبدأ يحضر جلسات مجلس الوزراء واجتماعاته التي كانت تعقد يومياً على الأكثر ولمدة ساعات في مقره في وزارة الدفاع، ومنذ اللحظات الأولى لتسلم مهامه سعى إلى الارتقاء بمستوى وزارته، إذ عمل على تحقيق المشاريع الحيوية المفيدة لخدمة الشعب، تحقيقاً للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي الشامل الذي عزمت ثورة الرابع عشر من تموز على تحقيقه.
عن رسالة: بابا علي ودوره السياسي في العراق.[1]