إبراهيم اليوسف
لقدظل الادب الكردي ،لأسباب سياسية وتاريخية .....وغيرها ,مجهول الهوية عربياً وعالمياً على الرغم من روعة الكنوز الأدبية الكردية التي تعرضت للإمحاء والضياع , نتيجة أنشغال ابنئه عن التدوين بالدين الإسلامي الذي خلب أنظارهم .
والكرد –كما سماهم الارمني ابو فيان في القرن التاسع عشر كانوا فرسان الشرق ولهذا فإن إسبتسالهم ودورهم الفاعل يبدو ناصعاً جلياً في التاريخ الحضارة الإ سلامية العربية التي يعتزون الآن بمساهمتهم التاريخية فيها...، وهم يتحدثون باستمرار عن العرب واينما كانوا كاخوة حقيقين لهم ، مثمنين غالباً ذلك التراث المشترك الذي يربطهم معاً منذ مئات الأعوام وعلى عكس مواقفهم من الأمم الأخرى الغاصبة لكردستان
والبروفيسور رسول : رئيس الاتحاد العام للكتاب ، عضو البرلمان في كردستان ، رئيس تحرير مجلة الاتحاد « نووسه ري كورد « - الكاتب الكردي ورئيس جامعة كردستان ، أديب وشاعر وقاص ومترجم وناقد وناقد بارز ، يعتبر صاحب ثقافة موسوعية شاملة . فهو بحق مكتبة ثقافية ...، متنقلة ، يكتب بلغات عدة منها : الكردية ، العربية ، الروسية . وله أكثر من ثلاثين كتاباً مطبوعاً ..وعدد كبير من المخطوطات التي لم تر النور بعد.
*باعتباركم رائداً للنقد الكردي المعاصر ، ماهي برأيكم المهام المترتبة على كاهل الناقد الأدبي الكردي ؟.
*قبل كل شئ اشكرك يا صديقي عل كل هذه الثقة ، ولكنني لا ازال أعد نفسي تلميذاً وهذه هي الحقيقة ... فالمرء مهما تبحر في العلوم يجد نفسه أكثر عطشاً للابحار في أيمة اخرى..
احياناً يخطر لي ان أسأل :
- ترى هل لدينا ككرد نقد ادبي مواكب للحركة الابداعية ؟
فلقد وجدناالنقد الأدبي الانطباعي قديماً عند العرب ، حيث يضرب النابغة خيمه ويقول لهذا : أحسنت وللآخر لا فض فوك .. ولسواهما عليك كذا.. وكذا..فاننا لواجدون مثلها عندنا في الكردية ، ويمكننا اعتبار الخاني ناقداً ...، وكذلك يمكن النظر الى حاجي قادر الذي جاء باسماء خمسة وعشرين شاعراً ، كي يقول و»عليان» شاعران مهما مسكناهما في (حريره)و ( بردشان) الخ .. ولقد كان مصراً على ان يسمي الشعر الشعبي ...شعراً..وعلى الرغم من انبهار الكرد بالدين الاسلامي ، واشتغالهم في شتى مجالات الحضارة الاسلامية التي اخذت بالبابهم وعقولهم الا انه كان على الدوام مايمكن ان نسميه نقداً .. أجل ، لدينا نقد ادبي كردي ..، ويجب ان يستمر هذا النقد ، على الرغم من التيارات النقدية ، المتناقضة أحياتاً ، والتي أدت ببعضهم الى ضرورة التفكير بنقد ادبي كردي صرف ، له مصطلحه ، وله خصوصياته ، دون الانضواء والتبعية للقوالب الجاهزة .
انا شخصياً ، لست ضد ان تكون هناك مقاييس خاصة با ، لأن عملية النقد يجب ان تقوِّم النص من الداخل وان يتم فهم المبدع والابداع في آن واحد ، وان نأتي بتفسير هذا الابداع ، وعلاقة المبدع بأدواته وابداعه ، والمتلقي ، وهنا أُركز على ضرورة مسألة عدم تجاهل الآخر .
ربما يقول قائل : « نحن ليس لنا دادائية أو سريالية بل لدينا رومانسيتنا وكلا سيكيتنا وواقعيتنا ..، وهذا صحيح.. ، ولكن لا بد كذلك من الانفتاح على الادب العالمي ... وكما هو واقع حقاً. عموماً ، دور النقد يجب ان يكون فاعلاً مؤثراً في العملية الابداعية ، فاذا كان بامكان الناقد ان يدفع المبدع الى الامام ، وان يساعد المتلقي على الفهم الجيد للأثر ..، هذا انجاز كبير وهام .
بيد انني أعترف ان العملية النقدية عندنا هي مختلفة ، وهذا هو امر عالمي ، كما هو مؤكد لدي ، والا ... فمن جاء - في النقد العربي - بعد ابي هلال العسكري وقدامة بن جعفر .. وأكمل مسيرتهما بالخطا نفسها ، صحيح اني قد أتذكر هنا محمد مندور ..وربما غيره أيضاً ، الا ان الأسماء تظل قليلة .. دون مستوى هذا الطموح ..
ثم قل لي من جاء بعد أرسطو وانجلس ؟
الاسئلة هنا تكثر ...و تكثر ...، ولكن يا صديقي على ناقدنا ان يدرس التراث والحاضر ويؤسس لمستقبل لا يمكن تجاهله ...
*د...عزالدين ... أولم يكن بيان- رونكة-الذي أصدره الشعراء الأكراد في العراق سابقاً للعلمية
الإبداعية ..ثم أو لم تكن الواقيعة الإشتركية كذلك ..سابقة على الادب السوفيتي ؟.
*أجل في العراق أصدروا في السبعين بيان روانكه، ولكن الرؤية التجديدية كانت متبلورة في اذهان ممن أصدروا هذا البيان ، نتيجة أطلاعهم على مضامين بيانات غربيةأوعربية مماثلة .... رغم تركيز اصحاب البيان على خصوصية الإبداع الشعري الكردي ، أما الواقعية الاشتراكية فقد كانت دراسة متكاملة ، تتكىء على نظرية ، وإرث كبير لايمكن الاستهانة به.
لقد كتب تولستوي عن الحرب والسلم بعد حرب الروس ونابليون بسنوات قليلة ، وكذلك شولوخوف قد كتب عن الحرب العالمية الثا نية .. بعد عشرين عاماً ، هنا يمكن القول ان النقد قد يوجه ، ولكن على ضوء الماضي والحاضر ... وقد يصيب النقد في هذه الحالة .. أو لايصيب.. برأيي ان الاعتماد على الاثر لابد منه، فأنا لاأستطيع أقول لك : ياإبراهيم أكتب عن أنفال صدام حسين قبل وقوعها ..، ورغم أن أدلة دافعة كانت تؤكد على أن هذا الرجل المريض سيكون أكبر دموي في عصره.. أقول احياناً لطلابي في الجامعة : ترى ماذا سيكون جدوى ما أكتبه الان من نقد بعد خمسين عاماً ؟.. بل وكيف سيكون تذوق المتلقي لمثل هذه الآراء النقدية ؟...
حقيقة انني أيضاً أجهل الاجابة عن مثل هذين السؤالين .. فأنا عندما أتصور شيئاً مستقبلياً ، وأخطط له .. قد يكون لطموحي ثمة مسوغ ، ولكن كل هذا لايمنع الزمن والاجيال القادمة من إعطاء أحكام مناسبة ستتكون بحق هذه الرؤية التي أقدمها الان .. إنني أجزم لو أن أحمد الخاني* كان حياً لأيدني في هذه الفكرة، وغيرها فيما يتعلق بتقويمي ونقدي للأدب الكردي بشكل عام ، ولأثاره بشكل خاص ..
وفيما يتعلق بتوجيه الناقد للمبدع ، فأنا لاأنكره تماماً .. ، إذا قلت ذات مرة لشيركوبيكس مثلا: عليك التوجه إلى الموروث والكتابة باللهجات الكردية الأخرى والإقتراب من لغة الشارع بأكثر .. ولكني في مثل هذا الرأي .. لم أنطلق من ماض أوحاضر ؟..
* وماذا عن التجربة النقدية لديكم ..؟
-انني أميل إلى اللغة المبسطة فيما اكتب من نقود ، ,أتحاشى التعقيد ولا استخدم المصطلحات التي هي دليل على الخواء ، لأن العمق يمكن في الجوهر..
إن من يكتب بلغة قابلة للتأويل ، هو هارب من المواجهة .. لاسيما في مجال البحث والفكر والنقد ، إنني اتفاعل إلياً مع النص الذي اقف عنده ، وأتناول جوانب محددة تماماً .. لأننا نعيش في عصر تخصص ن لأننالم نعد في زمن الثقافة الشاملة الموسوعية..! !
* رب قائل بأن بعض التراث والأدب الكرديين كان ضحية وجهتي نظر متناقضين ، احدهما : سلفية يمثلها د. محمد سعيد رمضان البوطي والأخرى ماركسية جيّرت هذا التراث لصالح افكار مسبقة وقوالب جاهزة ، وبشىْ من الدقة والتحديد يمكنني القول بأن تناولكما لقصة مم وزين تصلح كنموذج يمكن الوقوف عنده ؟.
- الإجابات متشعبة هنا ، ولكن لماذا نعتبر التراث ضحية .. ولا نعتبر أصحاب مثل هذا الإتهام ضحايا لأفكار مسبقة ؟..
*ان فهمي للماركسية ، له أسس فكرية خاصة ، وأعتقد ان كل انسان له اسسه الفكرية ، وهناك من يتعمق في أفكاره وأسسه هذه ، وهناك من لا يفعل ذلك ، ليست كالماركسية هي المذهب الفكري الوحيد في العالم ، اذهناك مذاهب لا تعد ولا تحصى قد سبقتها أو واكبتها أو جاءت بعدها ، ثم أو لم تكن الاسطورية- الافلاطونية الوجودية أفكاراً مسبقة ؟.
ان أي نفي للأيديولوجيا انما هو أيديولوجيا أيضاً ...أنا لا أعتبر ان هذه التهمة موجهة الي ...كشخص له رؤيته ، انما هي تذهب أبعد مني ، أعني : النظرية نفسها ولكن رغم هذا ... وذاك ، فالماركسية الحقيقية هي أسس فكرية ، تتطور ، وقد تكون في اطار الزمان المحدد ، والمكان المحدد....
ان الحكم بالاعدام على مدرسة كاملة ، بهذا الشكل ، خروج عن المنطق ، والا ...فما هو مصير مبدعي الماركسية ؟ وماهو مصير التجربة الاشتراكية عموماً ،هذه التجربة التي كانت ذات روعة في جوانب عديدة ، فهي أعطت الخبز، والكساء والأمان للناس ، بل وطورت الصناعة و...، واضعة ً حلولاً معينة للقضية القومية ، وان كنا نجد الآن ان التآخي الكاذب بين القوميات قد أدى الى المذابح ... هنا لا أريد أن أقف طويلاً أمام تقويم هذه التجربة الاشتراكية ، اذ فيها جوانب سلبية أيضاً ... الى جانب أهميتها ، ولو لم يكن الأمر كذلك لما أنهارت هذه التجربة . فهناك من يرى النقص في التطبيق .. وهناك من يراه في النظرية ، وبرأيي ان النقص كان في النظرية أيضاً ، فلو كانت النظرية كاملة لكانت الممارسات ناجحة .. الى حدٍ ما .
المسألة طويلة ، وسؤالك محدد . . لقد حاولت تحليل مسائل الأدب الكردي ، سواء أكان في بحثي عن الواقعية أو في بحثي عن أحمد الخاني أو في بحثي عن أدب الفلكلور الكردي ، هذه هي أفكاري التي أفهمها ، وأنا لا أصادر رأي غيري ، ومستعد للحوار دائماً ، انهم يريدون الآن ، وباسم الخروج عن الجمود، جرنا الى مزالق البنيوية ، والى تفاصيل لا يفهمها القارئ المتوسط ، بل النخبة ..!! أوليست أفكار هؤلاء جاهزة اذاً؟؟.ان هؤلاء لا يستطيعون تجاهل ماقدمه أرسطو من أسس ودراسة استقرائية ، ومع ذلك ، فان هذه القضية يتناسونها تماماً ..
في تناولي ل(مم وزين ) أنطلقت من فهمي لعصر الخاني ، لا هذا العصر ولربما أكون متعرضاً لخطل هنا ..،..أو هناك ..، رغم ان رؤى وتذوق الناقد لا يمكن تغييبهما .. قط .. ، مع انني واحد ممن يحتكمون للنص لا غيره ...
أما فيما يتعلق باستاذنا د. محمد سعيد رمضان البوطي ..، فقد أكون مختلفاً معه في وجهة النظر ، ولكنه
- للحقيقة العلمية قد قدم ترجمة أدبية ..، لا دراسة ، ومعروف ان الترجمة عملية ابداعية ، وعملية اعادة صياغة ، فهو لم يقم بترجمة سطرية ، وهذه هي طريقة الرجل ..
انا في مقدمة كتابي عن الخاني قدمت صورة عن رقصة العشق دون ان انسى اموراً في غاية الأهمية بيد ان د. البوطي تحاشى مثل تلك المقدمة في كتابه ، وأراد أن يقول : ان هناك قصة» عشق « عند الأكراد ...واذا علمت بان الكاتب الكردي الشهير شاكر فتاح ترجم مم وزين عن ترجمة البوطي ...، لدرجة ان هذه الترجمة الأخيرة قد فقدت صلتها بالنقد الأصلي ...، فانك ستدرك أنذاك أهمية ترجمة البوطي ..، رغم انه قد تحاشى جوانب نراها هامة في النص الأصلي ...
الدكتور البوطي ، فقيه ومتصوف ، وعالم أكثر منا ، وكنت أتصور انه سيعطي عملاً أكثر أهمية ، ولكن رغبته كان في ان يصوغ « مم وزين « كقصة عاشقين وبلغة بديعة ، أما أنا فكما ذكرت قدمت دراسة عن القصة- وعندي ترجمة جاهزة ل ( مم وزين ) بالعربية وستصدر عن المنتدى العراقي في باريس وبمقدمة جديدة أيضاً. وبرأيي ان كل من ترجم « مم وزين « له اسلوب خاص ، ولعمله نكهته الخاصة ولا سيما وان القصة قد صيغت صياغة شعرية كلاسيكية ، وان لكل واحد اجتهاداته وآراؤه وشرح هذا البيت أو ذاك .
* من خلال قرائتنا للشعر الكلاسبكي الكردي ، نجد اشكاليات كثيرة في فهم وشرح بعض الأبيات الشعرية ..الام تعزون ذلك ؟.
* نالي أكثر كلاسيكييتنا اشكالية ، فقد تفهم هذا البيت بهذا الشكل أو غيره ، بل قد يؤديك الشاعر .. ويضعك أمام منزلق حيث تكثر التأويلات يقول :
(هه رجوكه وجو باري كه وارسوور سويرتي
جيتي جوششي كرياني منه خوين نه ريزاوه
خوي نه رزاوه
خوينه رزاوه ...)
كل جدول ونهر ..أحمر .. مالح
هو موضع جيشان بكائي ولم ينسكب دم
والاختلاف يكمن في ترجمة : ( ولم ينسكب دم ) فهناك قراءات كثيرة منها : ( لم ينسكب ملح .. هو دمٌ ذرف..).[1]