توفيق التميمي
بداية الوعي السياسي في فكر #عزيز محمد#
كانت عام1940-1941م البدايات الأولى لنشاطه السياسي في نفس المدة تلك كانت هناك مجموعة من الشبيبة المتحمسة تشجعه وتدفعه نحو معترك الحياة السياسية لاسيما ما يعانيه الكرد من ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية سيئة والتي ولدت ردود فعل لك الشباب الكردي الذي بدأ يحول الانتفاض على واقعه المرير،
ومن بين من تأثر بهم عزيز محمد هو المعلم والأديب الصحفي(عز الدين فيضي)، فهو يشير الى دور استاذه المؤثر في نقل صورة عن الأدب والسياسة بنفس الوقت لكون الكتابات باللغة الكردية كانت في سنوات شبابنا قليلة جداً. فهو يشير الى انه في عام 1940م، اخذونا نحن في الصفوف (4-5-6) كجولة في سفرة مدرسية خارج مدينة أربيل، كان الوقت يومها ربيعاً،والعشب يصل حد الساق، يبدو ان المناسبة كانت (نوروز)، إذ قام الاستاذ عز الدين فيضي بإلقاء كلمة قصيرة، حرضنا فيها وألهب حماسنا وقتها فشعرنا بأننا كبرنا أكثر وغمر قلوبنا حب الوطن والشعب،كان لذلك اليوم طعمه الخاص في حياته إذ اصبح بالنسبة له الخطوة الاولى التي وضعته تدريجياً على طريق النضال في مراحله المختلفة، والتي لكل منها ذوق وطعم خاص. وفي بواكير حياته السياسية انتمى الى صفوف جمعية (هيوا)والتي تعني (الأمل) في آيار 1941 وأصبح عضواً فيها،وكانت مراسيم نيل العضوية في(هيوا)كان لها طعم خاص في حياته لكونها تثير في النفس الارتياح والاعتزاز كنا وقتها جسورين متحدين، على الرغم من ان معارفنا آنذاك محدودة.
وفي هيوا بدأ يتغلغل بالأفكار التقدمية التي طرحها حزب (هيوا) ثم أنضم لصفوف حزب شورش(الثورة)والتي بدأت تطرح المفاهيم الماركسية كرد فعل على تردي الأوضاع العامة في المنطقة ككل.
وفي ظروف الحرب العالمية الثانية وتحديداً عندما شنت ألمانيا في عام 1941م، هجومها على الاتحاد السوفيتي، الا ان الهجوم الالماني على الاتحاد السوفيتي كان قد غير مجرى الحرب وأعطاها محتوى آخر، لاسيما بعد معارك ستالينغراد والانتصارات الاخرى التي حققها السوفيت فتغيرت الأجواء العامة في العراق، فمرت نسائم الحرية والديمقراطية النسبية كون الاتحاد السوفيتي اصبح مع جبهة الحلفاء (والتي تضم في صفوفها بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي ومن ثم دخول الولايات المتحدة الأمريكية) هذه الاحداث ألهبت حماس المئات بل الآلاف من الشبيبة اليافعة، وانتشرت الافكار الحرة تحت تأثير هذا الوضع العالمي الجديد.
وفي السياق نفسه لم يقتصر نشاط عزيز محمد على انتمائه لجمعية(هيوا) اذ في عام 1942م أصبح عضواً في جمعية الشعب التي كانت تصدر صحيفة لها باسم بليسة(الشرارة) وتعد نفسها ماركسية.
بعد ذلك مررت بمرحلتين أخرتين أولهما أنعقاد المؤتمر الأول للحزب الشيوعي العراقي في اوائل 1945م وصلت الى المرحلة التي كانت يجب ان اصلها،بعد أقرار برنامج الحزب الشيوعي الذي بدوره يؤمن حقوق الشعب العراقي بالحرية والإخاء والمساواة والتي كانا نفتقر لتلك البرامج التي تضمن حقوق الفئات الدنيا من المجتمع العراقي.
انتماؤه لصفوف الحزب الشيوعي العراقي
وفي ربيع عام 1948م وبعد وثبة كانون الثاني 1948، التي حدثت نقلة نوعية في حياته السياسية حيث يشير لذلك”بدأت أفكاري بحكم عملي تتقرب من الحزب الشيوعي وهو ما دفعني لاحتراف العمل الحزبي في صفوف ذلك الحزب الذي يدافع عن حقوق العمال والفلاحين والطبقات الكادحة”. وبالرغم من بدايته وانتمائه لصفوف الحزب الشيوعي فانه كان لا يجيد غير اللغة الكردية،أما بالنسبة للعربية فقد تعلمها عن طريق الدراسة في صفوف الحزب الشيوعي فهو يصف طريقة تعلمه للقراءة والكتابة كان السجن”مدرستي الأولى في تعلمها”وبان الحزب الشيوعي قضى على”أميتة”كما يصف ذلك،هذا وقد تعلم أيضاً القليل من الروسية. فبعد ترشيحه لعضوية الحزب الشيوعي العراقي أصبح مسؤولاً لفرع أربيل عوضاً عن مسؤولها نافع يونس بعد أن أصبح مسؤولاً للألوية الشمالية وانتقل بدوره الى كركوك وبدأ عزيز محمد كسلفه من المسؤولين ببث مبادئ حزبه الشيوعي مستغلاً المناسبات الوطنية كعيد نورزو وغيرها من المناسبات حيث يبدؤون بحشد العمال واستقدام الفلاحين من القرى كشحد جماهيري واسع. وبالرغم من مسؤوليته كمسؤول لفرع اربيل حيث يشير بذلك بعد انتمائي لصفوف الحزب الشيوعي العراقي سرعان ما وجه له دعوة من بغداد مركز الحزب يدعوه للحضور فوراً بسبب الأوضاع التي مر بها الحزب الشيوعي العراقي من انتكاسة بعد اعتقال قادته(فهد-حازم-صارم)،وتبوء اللجان الحزبية غير المفوضة من قبل مؤتمر حزبي وكان هدف اللجان حسب وصفه غايتها تسيير دفة الحزب في ظروفه الحرجة فبعد وفاة الشيوعي مجيد ملا خليفة أحد الكوادر الحزبية في بغداد الذي اسكن في احد الدور الحزبية للتمويه عن أعين السلطات الأمنية أصبح من الضروري مجيء عائلة للمطبعة،مما حدا بمالك سيف مسؤول اللجنة المركزية الأولى من السفر الى كركوك ومن ثم الطلب من عزيز محمد مسؤول اربيل ان يذهب مع والدته الى بغداد لهذا الغرض،فبدوره أصطحب عزيز محمد معه والدته الى بغداد وسكن الدار الأولى الواقعة في محلة القاطرخانة حيث توجد مطبعة الحزب الشيوعي في تلك الدار،فيشير عزيز محمد ان والدته كثيراً ما كانت تبكي وتندب حظنا وعن المجهول الذي ينتظرنا.
وبالرغم من خوف والدة عزيز محمد على مصيرهم المجهول فكانت بدورها تستلم النشرات الحزبية وما يرد الى المركز من رسائل كما اشارات لذلك الكادر الشيوعي زكية الملا خليفة في أفادتها أمام التحقيقات الجنائية بقولها”كنت أطرق الباب وأسلم البيان الى امرأة كردية لا اعرف اسمها ولكني أستطيع تشخيصها وكان يحضر أبنها وأسمه(عبدالله).
ولكن نشاطه الحزبي يبدو انه لم يستمر طويلاً في ظل الملاحقات الأمنية والسقوط المدوي لبعض قادة الحزب في ايدي رجال الأمن ليبدوا بالأسترسال عن مكامن وخفايا تنظيمات الحزب الشيوعي والتي سببت بدورها نكسة للحزب بعد اعتقال قادة الثلاث في عام 1947 فاعتقل عزيز محمد كغيره من الشيوعيين في احد كمائن الأمن وذلك في 12 /10 /1948 مع اعضاء اللجنة المركزية الأولى جماعة مالك سيف-يهودا صديق في احد الدور الحزبية التي تقع في منطقة الهيتاويين ومع والدته والتي قبض عليها ومصادرة مبلغ من المال من صندوق امتعتها ويشير عزيز محمد ان والدته جمعت هذا الملبغ من بيع بعض امتعة البيت ومواشي كانت لها في القرية ومن ادخار راتبه في السابق عندما كان مستخدماً. وبعدها انتقل دار عزيز محمد بمعية والدته الى دار تقع في محلة الهيتاويين بعد نقل المطبعة اليه وسكن معه يهودا صديق وجاسم حمودي و أضأفة لدوره في في العمل الطباعي كان يقوم بالأتصال مع باقي اعضاء المنظمات الحزبية كونه وجه غير معروف لدى السلطات الأمنية في بغداد.
وبعد اعتقاله أحيل الى المجلس العرفي العسكري الأول والذي تشكل في 12/ 2 /1949 من الرئيس عبدالله رفعت النعساني وعضوية الحاكمين خليل زكي مردان وعبدالكافي المتولي والمقدم محمد عبدالقادر والرئيس الأول أحمد داود وأحيل وفق المادة الأولى من ذيل قانون العقوبات البغدادي رقم(51)لسنة 1938 بعد ثبوت التهمة التي وجهها اليه المجلس العرفي العسكري الأول بأنه من منظمي الخلايا بعد أعترافات الشهود ومن بينهم مالك سيف ويهودا صديق، وان اعمله ينطبق على نص الفقرة (5/ب)بدلالة الفقرة الثانية م المادة الأولى من قانون العقوبات البغدادي رقم (51)لسنة 1938.
وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة خمسة عشر سنه وفقاً وقرر وضعه تحت مراقبة الشرطة لمدة خمس سنوات بعد انقضاء مدة سجنه وفقاً للمادة (78)من قانون العقوبات البغدادي.
لتبدأ صفحة جديدة من حياته ولكن هذه المرة في سجن نقرة السلمان الصحراوي بعد أنتقال أغلب السجناء الشيوعيين والتي تسميهم الحكومة بالخطرين للسجن االصحراوي ليكون بعيداً عن أي أتصال مع التنظيم في الخارج كما حدث لجماعة يوسف سلمان يوسف(فهد) واعادة صلة التنظيم مع الخارج.
حيث يشير لفترة السجن بانها كانت من مراحل حياة الشيوعيين التي قضوا اغلب حياتهم في السجون او مطاردين من قبل الأمن سبب افكارهم التي يحملونها فبدأنا كشيوعيين من اعادة تنظيم انفسنا في داخل السجن وفق النهج الذي سار عليه اغلب الشيوعيين من تكوين الخلايا الحزبية وحلقات الدرس وشرح مفاهيم الماركسية-اللينينة بشكل اوسع لوجود اغلب الكوادر المثقفة في السجن،إضافة الى تقسيم العمل داخل السجن بين الفرن وتنظيف القواويش فكما ذكرت كانت مرحلة السجن فترة تعلم بشكل اوسع وفيما يخص مطالعاتي،ومثلما ذكرت،اني تعلمت العربية عن طريق القراءة في السجن. قرأت كل ما وقع بين يدي،لاسيما الروايات والقصص ومواضيع أبية أخرى. فضلاً عن مجموعة من الكتب السياسية المتنوعة،ولكوني قد تعلمت السياسة بالعربية لذلك لا تجدني ميالاً لقراءة الكتب السياسية باللغة الكردية ما يعقد المسألة اكثر عندما تكون هذه النتاجات قد ترجمت الى اللغة الكردية من لغات أخرى.
حادثة سجن الكوت 1954
نقل عزيز محمد بعد الحكم عليه الى سجن بغداد المركزي ومن ثم الى سجن نقرة السلمان الصحراوي وبعد مناشدات الأهالي بضرورة بضرورة نقل ابنائهم الى أماكن قريبة بسبب صعوبة الوصل الى سجن نقرة السلمان نقل عزيز محمد الى سجن الكوت المركزي في 1953 في الوقت الذي تفجرت فيه الحوادث في حزيران 1953 بين السجناء الشيوعيين وإدارة السجن حول رداءة الأحوال داخل السجن والتي ادت الى سقوط عدد من الجرحى فان الوضع في سجن الكوت لا يختلف كثيراً عن سجن بغداد وهو المعاملة السيئة التي عومل بها السجناء الشيوعيين كونهم سجناء سياسيين فقدم مجموعة من السجناء الى ادارة السجن عريضة تطالب بتحسين معاملتهم وعلى اثرها وصلت محكمة خاصة من بغداد في 27 -07- 1953 والتي بدورها وجهت تهماً للشيوعيين بقراءة الأناشيد الثورية الممنوعة بدلاً من السماع لشكواهم وكان من ضمنهم عزيز محمد التي قرأ أسمه باسم مسعود محمد في تلك الدعوة.
لم تكتفي ادارة السجن كما يذكر عزيز محمد بالتهديد بحق السجناء بل بدأت بقطع ماء الشرب والطعام والكهرباء في صيف تموز اللاهب مما دفعنا الى حفر بئر للماء الذي عمل السجناء جميعاً على شقه ولكن محاولاتنا باءت بالفشل لملوحة مياه البئر وفي ظل تلك المواجهة فان ادارة السجن حاولت التخفيف من مواجهتها معنا بسبب موجة الاستنكار التي عمت بعد احداث سجن بغداد ولكن السجناء اصروا على اضرابهم وعدم التعاون مع ادارة السجن ولكنها سرعان ما تغيرت من موقفها بالرغم من مطالبة الشيوعيين فك الحصار بعد الاعياء الشديد الذي اصاب الشيوعيين من قلة الطعام والماء واستمر الأمر حتى 02-07 1953 عندما قامت ادارة السجن بتفتيش السجن بحجة البحث عن اسلحة وبعد عملية التفتيش طلبت ادارة السجن اسماء عدد من الشيوعيين لنقلهم الى سجن اخر وكان عزيز محمد من ضمن تلك القائمة ونتيجة رفض ذلك القرار بدأت قوات الشرطة بالهجوم على السجناء الشيوعيين وهم عزل عن الدفاع عن انفسهم ونتج عن ذلك مقتل عدد من الشيوعيين وإصابة العديد منهم جرحى ومن ثم نقلنا الى سجن بعقوبة المركزي.[1]