الحاجة إلى البحث عن بدائل على الصعيد الكردي والسوري
صلاح كرداغي*
بعد ما يُقارب العشر سنوات من الحرب السورية الشعواء، والتي أحدثت تغيرات بنيوية في الواقع السوري بشكلٍ مأساوي منذ بداياتها، شعباً وأرضاً واقتصاداً وبنى تحتية.
بدأًت تل السنوات بفرض عسكرة الثورة عن بكرة أبيها، تَدَخُل معظم دول العالم واستخباراتها، انفلات أمني مُفرط، انتشار الفكر الإسلامي الراديكالي المُتطرف أكثر من ذي قبل، تَشَكُل مناطق نفوذ مُعسكرة، تَشَكُل الإدارة الذاتية كأمر واقع في المناطق الكُردية الثلاث…الخ، أدت هذه المُتغيرات التي رافقت تسعير آلة الحرب الدموية من طرفي النظام والمعارضة ضد الشعب السوري، إلى هجرة ونزوح أبنائه بمختلف الشرائح الاجتماعية خارج وداخل البلاد، مع تبلور الموقف العدواني التركي المُباشر والرافض لأي مشروع كُردي سوري، بحجة تهديد أمنها القومي.
النتيجة – آنذاك- بدأ الرئيس التركي وجيشه، بعد تمويل وتدريب ودعم ميليشيات راديكالية جهادية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وغيرها، وفي ظل صمتٍ مخزي لقوى إقليمية ودولية، بعمليات غزو واحتلال لمناطق سورية عديدة، بُغية العودة إلى نسج خيوط الحُلم العثماني- الطوراني التوسعي! إلى جانب دعمه المُستمر والكامل لتنظيمي داعش وجبهة النصرة ولواحقهما وأخواتهما!
فَبَدأت تركيا بعمليةٍ تحت اسم «درع الفرات» (2016-2017م) واحتلت مناطق جرابلس وإعزاز والباب، دون عناء يُذكر، لتستغل تربتها الخصبة من الفكر الراديكالي المؤيدة والمساعدة له، وتجعلها بمثابة خنجر في خاصرة الإدارة الذاتية وقواتها. ثم استغلت اتفاقات آستانه- سوتشي (كانون الثاني 2017- كانون الأول 2019) حول مناطق خفض التصعيد/التوتر التي نسجها مع روسيا وإيران ضمن صفقاتٍ متبادلة، لتمرير مخططاتها ضد الكُرد، حيث استماتت في احتلال منطقة عفرين الكُردية الخالصة بداية 2018 بعمليةٍ سُميت «غصن الزيتون» والتي كانت الأكثر عدوانيةً ودمويةً، وإذ استفادت من مُجمل السياسات الخاطئة للقوى المتواجدة على الأرض، واتخذت بعضها ذرائع لشن عدوانها!
وثم استغلت أنقرة القرار المُفاجئ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية من منطقة شرق الفرات، وبدأت بعملية «نبع السلام» في تشرين الأول 2019م لاجتياح منطقتي رأس العين وتل أبيض، بحجة بناء منطقةٍ آمنة!
في حقيقة الأمر إن جنون العظمة والغرور لدى أردوغان وعصاباته الفاشية والحقد الكامن في نفوسهم، مرده ضرب الكُرد وإحداث تغيير ديمغرافي في مناطقهم، والسيطرة على الشمال السوري بأية طريقة كانت، لاستخدامها كورقة ضغط ومُساومة في صراعها مع القوى الفاعلة على الساحة السورية وفي مفاوضات الحل السياسي للأزمة السورية.
من ناحية أُخرى، تم ارتكاب أفظع وأبشع الجرائم بحق الكُرد وجغرافية مناطقهم ولا يزال، بهدف إنهاء وجودهم، لسنا بوارد تفاصيلها هنا؛ ولكنها فرضت على الكُرد السوريين الحاجة إلى التقارب فيما بينهم، وتحت ضغوط ومصالح الكبار على الساحة السورية المُدمِرة، وباهتمام بالغ، بُدء بالحوار الكُردي- الكردي منذ سنة، بين جهتين مُتناقضتين، تلبية لمبادرة مظلوم عبدي القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية وبضغطٍ أمريكي، تلاه ترحيب كُردي عام، بعد الإعلان عن الوصول إلى رؤيةٍ سياسية، وذلك لتثبيت التوازن بين الطرفين المُتباعدين أصلاً، بُغية حل النزاع بينهما على تقاسم السلطة والمال والإدارة! إلا أن التباطؤ والتلكؤ في التقدم، أَفقد الآمال في التوصل إلى حل كُردي مُبشر بعد المسيرة الخاطئة لطرفي الحوار التي لم يُكتب لها النجاح حتى اللحظة! يقيناً أُرجع أسبابه إلى تضارب أجندات ومصالح الأطراف المُسيطرة على الطرفين المُتحاورين (أحزاب الوحدة الوطنية الكردية وأحزاب المجلس الوطني الكُردي)، وقد يُرجع المرء المُتتبع لهذا المشهد الغامض بأنه مؤشرٌ لأسئلة مشروعة منها «سبب عدم تشكيل لجنة موسعة قبل البدء في الحوارات، عدم وجود إعلام شفاف صادق لآلية سير الحوار، الاتهامات المُتبادلة لقياديي الطرفين…الخ».
أعتقد أن تعثر هذا الحوار يعود إلى عدة أسباب منها:
1- الصراع على المُحاصصة الحزبية في الحكم والإدارة والواردات المالية… الخ.
2- انعكاسات السيطرة التامة لمُحاور كُردستانية وإقليمية على طرفي الحوار، انطلاقاً من مصالحها وارتباطاتها الإقليمية والدولية! وليس من قبيل الحرص على المصلحة الكُردية السورية وضرورة استقلال سياساتها وعلاقاتها المتوازنة مع مُختلف الأطراف.
3- عدم جدية أطراف متصارعة على سوريا، التحالف الدولي لمحاربة داعش في سوريا وروسيا الاتحادية، في إنجاح الحوارات.
أمام هذا الواقع الكُردي الذي لا يُحسد منه ولا عليه، والفترة الطويلة من التريث والمُناقرة المُزيفة في الحوار، يُعطي الحق للتفكير والإقرار بأنها فترة تَشَوُه خلقي، قد تُولد شخصية كُردية سورية غير ناضجة سياسياً، خاصةً بعد تغيير بعض الأحداث المُهمة، من استعادة النظام السيطرة على جغرافية سورية واسعة وفشل النظام والمعارضة الإخوانية بخصوص اللجنة الدستورية ومفاوضات جنيف، ودخول السياسة الأمريكية لمرحلة جديدة مع تسلم إدارة جو بايدن، إذ هناك تفاؤل كردي نسبي مُهتم بتغيُّر الاستراتيجية الأمريكية نحو القضية الكُردية في سوريا وكذلك مواقفها المُباشرة والغير المُباشرة من السياسة التركية المُعادية للكُرد في سوريا، بشكلٍ يصب في مصلحة الكُرد كحليف يحتاج للمساعدة.
إلا أنه بالرغم من حجم الخلافات الكُردية الفكرية والبُنيوية المعروفة سلفاً وتمسك كل طرف بأجنداته وعلى أنه يمتلك الحقيقة الكاملة، فلا بد من إيجاد بديل جدي من أجل التقارب دون إقصاء وتشكيل مرجعية كردية سورية مستقلة من مُؤثرات الأجندات الخارجية وفق آليات جديدة تخدم كُرد سوريا، وتحث بالتوجه نحو نموذج فاعل في إدارة الكوارث المُفتعلة بحق الكُرد في سوريا، للتوصل إلى حقوقٍ قومية دستورية وفق الخيارات المتاحة في سوريا ديمقراطية مُستقبلاً.
أما تسوية الصراع السوري، فيتطلب البحث عن المزيد من البدائل من أجل استحقاقات العملية السياسية برمتها وإحداث فجوة تغيير حقيقي لتنفيذ القرار الدولي 2254 بسلاسة قانونية وسياسية تخدم الحل السوري وإنهاء الحرب اللعينة، فلا بد من تشكيل هياكل مُعارضة سورية شاملة بديلة للائتلاف السوري- الإخواني القابع في إسطنبول وأخواتها، وإلغاء اللجنة الدستورية المُهرجة ومفاعليها القانونية والسياسية، واستبدال المبعوث الأممي لسوريا بشخصية جادة وذات صلاحيات حقيقية، والبحث عن آلية جديدة لإدارة الأزمة الكُردية بعيداً عن الأجندات الإقليمية؛ ومن المُهم البحث عن آليات دولية وإقليمية تُنهي عنف جائحة النظام العسكرية التي قلّما يجد المرء مثيلة لها في عصرنا الحالي، والالتفات إلى الاعتناء بمعالجة معاناة الشعب السوري بكل مكوناته وتنمية مداركه التي شوهتها أوبئة العصر السوري نظاماً ومعارضةً.[1]