أحمد قطمة*
صادف خلال الأيام القليلة المنصرمة حادثة اختطاف مجموعة من الشبان الكُرد الأيزيديين في قرية باصوفان، التي تعتبر واحدة من قرابة 22 قرية في عفرين (من مجموع 360 قرية)، تحتوي على أتباع تلك الديانة الكُردية القديمة إن بشكل كامل أو مُناصفة مع أقرانهم من باقي الديانات، وهي حادثة لا تبدو غريبة ولا جديدة، بل أن توقف مثل تلك العمليات سيكون مبعث تساؤل، لكون الاحتلال لا يحمل في أجنداته إلا تهجير سكان عفرين الأصليين الكُرد قسراً وإبادتهم، أياً كانت انتماءاتهم الدينية، رغم أن الأيزيديين والعلويين في عفرين، عليهم غضب مضاعف، فهم كرد أولاً، وكفار ثانياً، في تصور المليشيات الإخوانية السورية التي تسمي نفسها ب»الجيش الوطني السوري»، علماً أن التسمية مُعاكسة تماماً لواقع تلك المليشيات، التي أضحت المعلومة عن كونها ثلة من المرتزقة والعملاء المستأجرين للقتل، إن في سوريا أو في ليبيا وأرمينيا، وربما غداً في كشمير واليونان وقبرص وغيرها، ليست إلا حقيقةً جلية راسخة ولا تحتاج النقاش فيها، يدركها حتى أشد المتشدقين بالتنظير لما سمي يوماً ب»ثورة»، (إلا ما أعمى الحقد والنفاق على بصيرتهم، وهم كثر في صفوف المعارضة السورية)، فمتزعمو تلك المليشيات لا يخجلون من عمالتهم لأنقرة، ويصرحون علانية أنهم مرتزقة وجاهزون للقتال حيث أمر سلطانهم العثماني، أينما أراد.
وبالعودة إلى عفرين، وفي زخم المحاولات البائسة التي يبديها أهالي عفرين، ومثقفوها ونخبها، في محاولة تعرية الاحتلال، وتبيان حقيقته للعالم أجمع، سُمعت أصوات تتحدث بلغة تبدو منطقية في ظهرها، لكن خبيثة في مضمونها، من حيث تلاعبها بالمفردات، وجهدها المستتر باسم الدفاع عن أبناء الديانة الأيزيدية لتبييض صورة المحتل التركي، وإظهاره وكأنه يسعى جهده لإصلاح الأوضاع في عفرين، بجانب الإحياء المُبطن بإن المليشيات الإخوانية يمكن التعاطي معها، وأنه بالمقدور التوصل إلى حلول معها، لإبقاء من بقي في عفرين على أرضه، من خلال العلاقات التي تجمع بعض الأطراف الكُردية ومنها أيزيدية مع الائتلاف الإخواني.
تلك المحاولات هي حكماً لا تخدم الكُرد في عفرين، وضمنهم الأيزيديون والعلويون وغيرهم، ولن تجلب لأي عفريني أي خير، بل أن جلّ ما قد تحققه، هو رفع المظلمة عن أشخاص بعينهم، من خلال التواصل مع الأطراف المنضوية ضمن الائتلاف الإخواني، وبالتالي هي شرعنة للائتلاف ووجوده في عفرين، ومحاولة لتبييض صورته القاتمة السوداء، التي لن يغسل عارها إلا حرقها من أساسها، فبعض الأوساخ الآسنة لا تتطهر بالماء، بل لا تنفع إلا النار لكيّها، بجانب منح الأشخاص المتبوأين لدفة القيادة في تلك التنظيمات بعض «السطوة المؤقتة» من قبل أنقرة، والتباهي بها أمام أهالي عفرين المستعطفين تحت نير الاحتلال، رغم أنه ليس بمقدورهم أن يقولوا «لا»، لا للائتلاف الإخواني، ولا لأنقرة، فالطرفان لن ينفع معهما إلا التزلف، للاستحواذ على رضى «نصر الحريري»، دُمية الإخوان التي تحركها أنقرة كيفما تشاء.
ردّ هؤلاء المنضوين ضمن الائتلاف، يكون عادة من خلال الادعاء بأنهم يفعلون ما يستطيعون بغية مساعدة الأهالي الكُرد في عفرين، وهي ذريعة رغم أنها قد تبدو منطقية، لكنها في حقيقة الأمر، ليس إلا سعياً حميداً تشكرهم عليه أنقرة، وقول حق يُراد به باطل، وضحك على عقول البسطاء، ممن لا ينتبهون جيداً لما يجري تمريره من بين السطور، من خلال وصف الاحتلال بأنه «اجتياح»، أو عبر إقحام النظام السوري في معترك كل بيان تصدره تلك الجهات، في إطار مساعيها للحصول على شهادة «الثورية» من الائتلاف الإخواني، الذي لا يشرف أي عاقل أو ذي كرامة أن يستحصل أي شهادة منه، حتى ولو كانت شهادة قيادة سيارة.
سيكون بمقدور الأطراف الموالية للائتلاف الإخواني وربيبتهم أنقرة، إيجاد مسوغات ومبررات لأفعالهم المُشرعنة للاحتلال، والدفاع عن بياناتهم الجوفاء، لكنهم حكماً لن يتمتعوا بأي قيمة إلا مرحلياً، وقد سبقهم في مساعهم تلك لنيل رضى السلطان العثماني آخرون، انتهت بهم الحال في غياهب السجون عقب احتلال عفرين وأدائهم مهامهم في التبرير للغزو، أو الفرار إلى إحدى الدول الأوروبية، ليخسروا بذلك رضى سلطانهم الذي لن يرضى عنهم إلا بتجردهم الكامل من كُرديتهم وانتمائهم الديني، مع تقمص دور المدافع عن تلك القيمتين بطبيعة الحال… كما سيخسرون بكل تأكيد أي قيمة كانوا يحظون بها لدى أبناء ملتهم، حتى لو قال لهم العفرينيون في الداخل «طيباً لكم عملكم»، لكنهم حكماً يلعنون الاحتلال وأذنابه في قلوبهم المحترقة، على أبناء قراهم المُهجرين في أصقاع المعمورة، أو على مرمى حجر من أشجار زيتونهم، في شيراوا والشهباء.
كما سيبقون مُتشدقين بأن الطرف الآخر المُتمثل بالكُرد في مجلس سوريا الديمقراطية وقسد والأحزاب الكردية والسورية التي ترفض الاحتلال والائتلاف الإخواني، لا يمتلكون الحل، رغم أن الأخير بسيط للغاية، وهو اثنان لا ثالث لهما، فإما مواجهة الاحتلال بتعريته سياسياً وإعلامياً وأخلاقياً وعلى كل مستوى، أو الصمت كأضعف الإيمان، فالصمت حتى أنفع من تبييض صورة الاحتلال، ومنحه صك حسن السلوك![1]