الكُرد: إرادة وتصميم وعزيمة صلبة
غاندي برزنجي*
لقد أصبح واضحا لكلّ من يمتلك البصر والبصيرة حجم وهول ما تعرض ويتعرض له شعبنا الكردي في سوريا ابتداءً من المجازر التي ارتكبها تنظيم داعش الارهابي في كوباني وما ما أفرزه العدوان التركي ومرتزقته من الفصائل الراديكاليّة التابعة للائتلاف السوري المعارض من مآسي على عفرين، وانتهاءً برأس العين وبقية مناطق الجزيرة أو ما تسمى بمناطق شرق الفرات.
وبسبب تعقّد الوضع السوري وتدخل قوى إقليميّة ودوليّة ووفقاً لمصالح كل منها أصبحت سوريا ملعباً للاعبين كبار يمتلكون وحدهم ولا غير سواهم مفاتيح الحلّ، والنتيجة الآن: قطبا الصراع – روسيا وأمريكا – يديران اللعبة، وهما من يمكنهما اتخاذ قرار وقف الحرب أو استمرارها.
يبدو أنّ القوى السياسيّة الكرديّة وتحديداً (مجلس سوريا الديمقراطية «مسد») أراد الدخول إلى ملعب الكبار وحاول الاستفادة من ورقة محاربة الارهاب في التحالف مع القوى الكبرى متوقعاً أن تكون تلك القوى إلى جانب الكُرد في رسم مستقبلهم، غير متناسين طبعاً أنه لا يمكن الوثوق تماماً بأمريكا أو روسيا، إلّا أنّه لم يكن أمامهم إلّا الخوض في هذه اللعبة، لأنّ خطر داعش كان يُهدد كل المنطقة، وكان لابدّ من التصدي له ومنعه من الاقتراب من مناطق الإدارة الذاتيّة، فخاضت قوات سوريا الديمقراطيّة معارك ضارية ضد التنظيم الإرهابي وبدعم ومساندة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتّحدة الأمريكيّة حتى القضاء عليه وإعلان النصر في آخر معاقله في منطقة الباغوز .
إنّ حجم التعاطف الكبير الذي أبدته حكومات وشعوب معظم دول العالم مع قوات سوريا الديمقراطيّة، وتبني شعار أنّ تلك القوات قد حاربت نيابةً عن العالم كله، كان إشارةً إيجابيّة لمجلس سوريا الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية، إلّا أنّ الأمر لم يرق لتركيا التي ترى في تلك القوات تهديداً مباشراً لأمنها القومي، وكل ما قضّ مضجعها منذ الإعلان عن الإدارة الذاتيّة هو كيفية القضاء على المشروع الكُردي خشية من تمدده باتجاهها.
كما كانت للأزمة السياسيّة والاقتصاديّة التي تعيشها تركيا نتيجة تفرّد أردوغان بالسلطة وما أفرزت من اعتقالات في صفوف المعارضة وما إلى ذلك دوراً في البدء بهجوم بربري من الجيش التركي ومرتزقته ممن يسمون ب (الجيش الوطني السوري).
لقد كانت لسياسة ترامب وإدارته دوراً سلبياً قبل وأثناء العدوان، وعلى الرغم من مواقف أوربا وكندا والدول العربية الايجابية تجاه الكُرد، إلا أنهم لا يستطيعون التحرك عمليّا دون الدعم الأمريكي، وهذا ما يجعل الأمور لا تصبّ في صالح الكُرد والمنطقة، إلا إذا غيّرت إدارة ترامب من موقفها نتيجة ضغط الكونغرس الأمريكي وعبر قيادات مؤثرة من الحزبين الرئيسيين.
إنّ حجم التعاطف سواءً على مستوى الحكومات والبرلمانات أو على المستوى الشعبي كان كبيراً ولازال، وربما لأول مرة في تاريخ الشعب الكُردي يحظى الكُرد بهذا التأييد، وخاصةً في دول أوربا، وبدا ذلك واضحاً من خلال مواقف حكوماتها وبرلماناتها ومشاركة شعوبها في المظاهرات والاحتجاجات وفي نشاطات أخرى.
لقد كان للغزو التركي لمناطق شمال شرق سوريا – على الرغم من مأساويته – نتائج إيجابيّة أيضاً، فالقضيّة الكُردية في سوريا أصبحت قيد النقاش الدولي، كما أنّ الغزو التركي عمل على تقليص الهوّة بين الكُرد على اختلاف انتماءاتهم السياسيّة.
من جانب آخر، لم تستفد غالبية القوى السياسيّة الكُرديّة ولم تأخذ العبر من تجربة عفرين المريرة واستمر الصراع بينها، فمن جهة استمر حزب الاتّحاد الديمقراطي في تعنته وعدم قبول الآخر المختلف معه، ومن جهة أخرى لم يقطع المجلس الكُردي علاقاته مع الائتلاف السوري والذي يعتبر المظلة السياسيّة لمجموعات المرتزقة التابعة لتركيا.
إلّا أنّ جماهير ومؤيدي أحزاب الحركة كانوا أفضل حالاً من قياداتها ولو نسبياً، حيث شاركوا جنباً إلى جنب، وخاصة في بلدان المهجر بكثافة قلّ نظيرها في الاحتجاجات والمسيرات والتي لم تتوقف حتى تاريخ اليوم.
لقد وقف حزب الوحدة الديمقراطي الكُردي في سوريا (يكيتي) كحزب سياسي إلى جانب القوات العسكريّة في وحدات حماية الشعب والمرأة ثم مع قوات سوريا الديمقراطية، كما كان عضواً مؤسساً في مجلس سوريا الديمقراطية، وشارك في الإدارة الذاتيّة من خلال عدد من ممثليه، واعتبر منذ البداية أنّ الإدارة الذاتيّة تجربة جيدة وحلاً لحالة الفوضى والفلتان التي قد تحدث نتيجة الفراغ الذي شكّله غياب مؤسسات الدولة هناك.
كان هناك بالفعل تباين في المواقف السياسية بين الوحدة والاتحاد الديمقراطي PYD، فحزب الوحدة غير راضٍ عن العديد من سلوكيّات وتصرفات بعض التنظيمات التابعة للاتحاد الديمقراطي، لكنّه لم يعتبر الاتّحاد الديمقراطي خصماً أو عدوّاً له، بل ينظر له كحزب كُردي سوري شقيق يمكن التحاور والعمل معه.
لقد كان حزب الوحدة (قبل استبعاده) عضواً مؤسساً للمجلس الوطني الكُردي أيضاً، لكنه عارض بقاءه في صفوف الائتلاف واعتبر أنّ الائتلاف يدار من قبل شخصيات تتبنى فكر الإخوان المسلمين.
طالب الوحدة المجلس أكثر من مرة بالانسحاب من الائتلاف، لكنه في نفس الوقت قام بعدة مبادرات، كان آخرها منذ أيام ودعا طرفي الصراع السياسي – المجلس و حركة المجتمع الديمقراطي تف دم – للجلوس إلى طاولة الحوار للوصول إلى حل الخلافات والتوصل إلى مرجعيّة كرديّة سوريّة بعيدة عن تأثير المحاور الكردستانيّة، إلا أنّ تلك المبادرات فشلت بسبب الخلافات العميقة بينهما.
خلال غزو عفرين والغزو الأخير لتركيا حضر حزب الوحدة عشرات اللقاءات والمؤتمرات وطرق أبواب وزارات خارجية وبرلمانات دول أوربا وأمريكا وروسيا وبعض الدول العربيّة، عدا عن المئات من المظاهرات والاحتجاجات التي إمّا قام بها أو شارك فيها .
تمّ تسليم رسالة إلى اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوربي في لوكسمبورغ وإلى قمة الاتحاد الاوربي في بروكسل وعلى الرغم من عدم قبول الجهات الأمنية في بلجيكا إلا أن رفاق الوحدة وبعد إصرار استطاعوا الدخول وتسليم الرسالة.
قام الوحدة وضمن امكاناته بتقديم الدعم المالي لبعض العائلات الفقيرة والمتضررة في كل من عفرين وسري كانييه.
وفي الداخل عمل الحزب من خلال رفاقه بالمشاركة في تقديم الدعم الانساني والإغاثي، وهناك تنسيق ضمن إطار (مسد) لتخفيف آثار العدوان واستمرار التواصل مع جميع القوى ذات التأثير للوصول إلى حلول تُعيد السلام لسوريا وتضمن حقوق شعبنا الكُردي المشروعة .
إنّ الأصوات المنتقدة للآليات والمواقف والسياسات التي تنتهجها أحزاب الحركة الكُرديّة في سوريا هي أصوات محقّة وعلى الحركة الكُرديّة القيام بمراجعة نقديّة والتحلي بروح وطنيّة والمبادرة بإطلاق حوار كُردي – كُردي وصولاً لمرجعيّة سياسيّة سوريّة تُساهم في الدفاع عن حقوق الشعب الكُردي في سوريا وتثبيتها دستوريّا .
إنّ العجز وجلد الذات والقبول بالواقع لن يخدم سوى أعداء الكُرد وإنّ قوّة العزيمة والتصميم والإرادة القويّة والعمل الجماعي – أحزاباً ومنظمات وأفراد- ضمانة لنيل حقوقنا ورسم مستقبل شعبنا الذي يستحق الحياة بسلام على أرضه التاريخيّة.
[1]