د. سفانة هزاع الطائي
لقد كان لثورة العشرين دور كبير في حمل المحتلين الانكليز على تغيير اسلوب حكمهم واشعارهم بعجزهم عن حكم العراق عن طريق الوصاية المباشرة ومنطق الادارة العسكرية الصارمة فحاولوا من جديد اخفاء ذلك تحت غطاء الصبغة المدنية، وعليه فقد اعلنت الحكومة البريطانية عن عزمها على اقامة حكومة وطنية في العراق، تضمن استقلالها عصبة الامم وتشرف بريطانيا عليها بالوكالة عن عصبة الامم، وحددت مسؤولياتها بإدارة البلاد وحفظ الامن الداخلي والخارجي.
في هذه الفترة تألف وفد من اعيان الموصل وتجارها قوامه (43) ڕجلاً و ذلك لغرض عرض مطاليب اهالي الموصل لدى الحاكم السياسي الكولونيل نولدر، فاجتمعوا به في الساعة السادسة بعد ظهر يوم 6 آب 1920، إذ القى ڕشيد افندي العمري كلمة في هذا الاجتماع تضمنت المطاليب الوطنية ومما جاء فيها: ((ان حضرات اعضاء الوفد قد حضروا ليعرضوا على سعادتكم مطالب الاهلين بشأن تشييد حكومة وطنية وفقاً لتصريح حكومة جلالة الملك ومنح حرية المطبوعات والكلام وتأمين الحريات الشخصية وصلاحية اعضاء اللجنة الانتخابية)). وقد أجاب الحاكم السياسي بخطاب تلاه سكرتيره أنيس الصيداوي جاء فيه:
((… إني مقتنع تماماً بإخلاصكم وصفاء مقاصدكم وكنت أكون اشد ارتياحاً لو سلكتم غير السبيل الذي سلكتموه.. فقد كان من الافضل اما ان تستشيروني أولاً لكي يكون موقفكم قانونياً ومعترفاً به من جانب الحكومة أو أن تنتظروا ڕيثما يتم المشروع الذي هو الان تحت النظر (يقصد مشروع اقامة مجلس تأسيسي)..)). وكان لهذا الخطاب وقع حسن في نفوس الاهالي.
في الاول من تشرين الاول 1920 وصل برسي كوكس الى بغداد، ليكون اول مندوب سامي بريطاني في العراق، وأخذ على عاتقه إطفاء نار الثورة، وتكوين حكومة وطنية مؤقتة في العراق تكون خاضعة لأوامره ومراقبته، كما أخذ يدرس مختلف الاساليب لمعرفة الحكم الذي يجدر بالحكومة البريطانية ان تقيمه في العراق. وكان طالب النقيب مع اعضاء لجنة الانتخابات العراقية من جملة المستقبلين، وقد القى جميل صدقي الزهاوي، عضو لجنة الانتخابات العراقية، كلمة ڕحب فيها بالمندوب السامي. وقد ڕد برسي كوكس بكلمة مقتضبة ذكر فيها انه جاء لتأليف ((حكومة مستقلة تحت سيادة انكلترا)).
وصل برسي كوكس الى الموصل في 16 تشرين الاول 1920، واجتمع مع وجهاء الموصل، وأكد خلال الاجتماع على ان مهمته هي تشكيل (حكومة وطنية مؤقتة) في العراق، بأشراف الحكومة البريطانية. وفي 26 تشرين الاول نشرت الصحف ذلك بمنشور عام من المندوب السامي الى الشعب العراقي.
وفي 25 من تشرين الاول 1920، تشكلت الوزارة بعد ان قام المندوب السامي (برسي كوكس) باقناع نقيب اشراف بغداد (عبد الرحمن الكيلاني) بتولي ڕئاسة الحكومة، وتعيين مستشاراً بريطانياً مع كل وزير ورغم شكلية هذه الحكومة والظروف التي احاطت بتأليفها، يمكن القول انها تعد اول حكومة عراقية وطنية في تاريخ العراق الحديث.
مؤتمر القاهرة:
انعقد المؤتمر في 12 آذار عام 1921 برئاسة ونستون تشرشل وزير المستعمرات البريطانية وحضره من العراق برسي كوكس المندوب السامي البريطاني، وايلمرهالدين القائد العام للجيش البريطاني في العراق، والميجر جنرال اتكنسون مستشار وزارة الاشغال العراقية واللفتننت كولونيل سليتر مستشار وزارة المالية، والمس بيل السكرتيرة الشرقية لدار الاعتماد البريطاني في بغداد، وحضره من الوزراء العراقيين جعفر العسكري وزير الدفاع وساسون حسقيل وزير المالية، وقد درس المؤتمر طريقة حفظ الامن في العراق دون تكليف بريطانيا مصاريف باهضة، وايجاد مرشح لعرش العراق. وكان من جملة القرارات التي اتخذها هذا المؤتمر، ترشيح الامير فيصل بن الحسين ملكاً على العراق. نظراً للمؤهلات التي جعلت منه الرجل المرغوب فيه لدى العراقيين.
3- موقف الموصليين من اختيار فيصل ملكاً على العراق:
في 29 حزيران عام 1921 وصل الامير فيصل الى بغداد فاستقبل فيها بحفاوة وتكريم. وفي الموصل سارع وجهاء المدينة وكبار وجوه البلد الى عقد اجتماع في مقر البلدية في 22 حزيران عام 1921، أسفر عن تشكيل وفد كبير لاستقبال الامير فيصل.
في 11 تموز 1920 قرر مجلس الوزراء تنصيب فيصل ملكاً على العراق (على ان تكون حكومته دستورية نيابية ديمقراطية مقيدة بالقانون)، ولما تبلغ كوكس هذا القرار ڕأي ان يجري استفتاء عام للنظر في درجة انطباق هذا القرار على ڕغائب الشعب العراقي، وبعد اجراء الاستفتاء أسفرت نتيجة الاستفتاء العام عن 97% لصالح الملك فيصل.
عبر الموصليون عن غبطتهم ورضاهم لهذا الاختيار، فأقاموا الاحتفالات الواسعة، ڕددوا خلالها الاناشيد الحماسية ومنها: ((فليحى الملك فيصل، فليحى العراق، فليحى الاستقلال)) وامتزجت لديهم خلال هذه الفعاليات المشاعر الوطنية والقومية. كما أرسل الموصليون برقيات تؤيد تنصيب فيصل ملكاً على العراق. وعلى الرغم من ذلك فقد ظهرت ثلاثة اتجاهات، الاول منها يؤيد ترشيح فيصل لعرش العراق، وكان وراءه جمعية العهد، والثاني كان يدعو لانتخاب احد العراقيين، في حين كان الثالث يفضل الرجوع الى ڕأي الشعب عن طريق انتخاب جمعية تأسيسية تأخذ على عاتقها البت بالامر.
اما السلطات البريطانية فكانت تميل الى جانب ترشيح فيصل، لأن مصالحها وقتئذ اقتضت ان يكون فيصل المرشح المفضل، لا سيما ان المشاورين البريطانيين والموظفين الحكوميين قد أشرفوا على عملية الاستفتاء، كما ان جريدة (الموصل) الموالية للسلطات البريطانية قد بادرت ايضاً الى تأييد ترشيح فيصل ليكون ملكاً على العراق. نشرت جريدة الموصل وقائع اجراء الاستفتاء في الموصل، وقالت ان اللجنة المكلفة بتسجيل الاراء بدأت اعمالها في 26 تموز 1921 (وقامت بتوزيع المضابط على اهالي المحلات)، اما نتائج التصويت في الموصل فكانت كما يلي: بلغ عدد المضابط المؤيدة لفيصل 68 مضبطة ولم تعط في الموصل مضبطة ضده.
وفي 23 آب عام 1921 توج فيصل ملكاً على العراق. ومنذ ذلك الوقت أخذ فيصل يعمل من اجل ان تكون العلاقات بين العراق وبريطانيا علاقة تعاهدية بدلاً من الانتداب، اذ انه كان يصرح دائماً ضد هذه الكلمة.
اما بريطانيا، فقد سعت الى سياسة مفادها ان مركز العراق ينبغي ((الا يحدده شكل الانتداب المعتاد بل صيغة المعاهدة)) التي تضمن مصالحها الاساسية ومن خلالها يتحدد هيكل النظام السياسي العراقي الجديد. و على ضوء ذلك دخلت الحكومة العراقية في مفاوضات مباشرة مع بريطانيا للوصول الى عقد معاهدة تحدد شكل العلاقة بين الجانبين.
عن ڕسالة: الموصل في سنوات الانتداب البريطاني.[1]