سفانة هزاع الطائي
صدرت الارادة الملكية في 19-10- 1922 التي حدد بموجبها يوم 24-10- 1922 موعداً للشروع بالانتخابات، وفقاً للنظام المؤقت لانتخاب المجلس التاسيسي الصادر في 4-03- 1922،
ولكن لم تكن تبدأ الانتخابات حتى واجهت معارضة شديدة من قبل الحركة الوطنية التي قررت مقاطعة انتخابات المجلس التأسيسي الذي سيصادق على المعاهدة. فقد قدم قادة الحركة الوطنية مذكرة الى الحكومة اعلنوا فيها شروطهم للدخول في الانتخابات منها إلغاء الادارة العرفية، واطلاق حرية المطبوعات والاجتماعات وسحب المستشارين البريطانيين من الالوية الى بغداد، واعادة المنفيين السياسيين، والسماح بتأليف الجمعيات السياسية ولما لم تستجب الحكومة لمطالب الحركة الوطنية. قررت الاخيرة مقاطعة الانتخابات في اغلب انحاء العراق، كما أصدر بعض علماء الدين الفتاوي بتحريم المشاركة في الانتخابات.
لم تقتصر الدعوة لمقاطعة الانتخابات في الموصل على المسلمين وحدهم، فقد ظهرت اعلانات موجهة الى المسيحيين تخبرهم بأن رجال الدين المسيحيين وجهوا ابناء طائفتهم لمقاطعة الانتخابات ومؤازرة المسلمين في ذلك ((تمسكاً بالجامعة الوطنية وحفظاً للمصالح المشتركة و تأييداً للحقيقة الواضحة والحق الصريح واستبقاء للتآلف القديم والتوادد المستقيم)). ولقد كان للهيئة التفتيشية صورة لهذا الاعلان الذي وجد ملصقاً على باب بلدية الموصل مع قرارها الذي ارسله المتصرف الى وزارة الداخلية كان رد فعل السلطات البريطانية المحتلة إزاء هذه الفتاوي عنيفاً، اذ قامت باعتقال ونفي علماء الدين.
ومن الجدير بالذكر ان السلطات البريطانية لم تكن واثقة من نجاح إجراءاتها في الموصل فقد كانت تتخوف من نجاح انصار الحزب الوطني في الموصل، الذي بدأ نشاطه يزداد ويتسع في الانتخابات منذ ايلول 1923، ليس من مركز المدينة فقط بل في جميع الاقضية والنواحي التابعة للموصل ايضاً، اذ ظهرت دلائل تشير الى احتمال سيطرة هذا الحزب بشكل كبير على قوائم الناخبين الثانويين، لذلك لجأت السلطات المحتلة الى اتهام الوطنيين بالميول التركية، لعزلهم وتوجيه ضربة للحركة الوطنية.ومن الوطنيين الذين اتهمهم المفتش الاداري بميولهم التركية كل من مصطفى الصابونجي وسعيد الحاج ثابت.
قررت وزارة الداخلية اجراء الانتخابات في 25-02- 1924، وقد بذلت السلطة جهوداً كبيرة لفوز مرشحيها في الانتخابات، اذ انها تدخلت في الانتخابات بصورة مباشرة لتحقيق ما تهدف اليه. وعندما بدأت الانتخابات في لواء الموصل، نشطت المعارضة ضدها، اذ كانت مدينة الموصل مركز اللواء الوحيد من ألوية العراق التي حدثت فيها معارضة انتخابية أدت الى الصدام مع السلطة، وكان قائد هذه المعارضة سعيد الحاج ثابت عضو الهيئة التفتيشية، الذي كان له نشاطاًُ ملحوظاً بهذا الشأن، وخاصة بعد ان أبعد مصطفى الصابونجي الى بغداد، على اثر نقل متصرف اللواء رشيد خوجة وقد اتخذت المعارضة في الموصل في مرحلة انتخاب اعضاء المجلس التأسيسي، موقف الدعوة الى مقاطعة الانتخابات ويظهر ان هذا الموقف اتخذ بعد ان تدخلت السلطة في الموصل للتأثير على الانتخابات وجعلها تسير لصالح مؤيدي المعاهدة في انتخابات الناخبين الثانويين.
عندما اقترب الموعد المحدد لأجراء الانتخابات، شعرت السلطة الحكومية في الموصل ان سعيد الحاج ثابت وابراهيم عطار باشي وغيرهما، قد بادروا بالدعوة وبصورة سرية لمقاطعة الانتخابات، ففي مساء يوم 23 -02- 1924، عقد اجتماع في (جامع قضيب البان) في الموصل، حضره جمع من الاهالي، اذ قرروا فيه مقاطعة الانتخابات، كما وزعت في الوقت نفسه منشورات في بيوت بعض الناخبين الثانويين، والصقت في انحاء المدينة، وكانت هذه المنشورات تدعو الى مقاطعة الانتخابات وتهاجم الملك فيصل والبريطانيين.
كما قامت العناصر الوطنية بمظاهرة سلمية احتجوا فيها على تدخل الحكومة في الانتخابات فما كان منها الا ان اعتقلت سعيد الحاج ثابت ومكي الشربتي صاحب جريدة (الجزيرة) بضعة ايام، ثم افرجت عنهم ولكن وزارة الداخلية دعت سعيد الحاج ثابت بناء على اقتراح محافظ الموصل الى بغداد ومنعته من العودة الى الموصل، كما عقد اجتماع في ضواحي المدينة في 24-02- 1924 لمعارضة الانتخابات، ورفعت مذكرات احتجاجية الى الملك والمندوب السامي، وقد اعتقلت السلطة ستة اشخاص، وتمكنت من الانتهاء من عملية الانتخابات في 25 شباط 1924 بعد قمع الحركة الوطنية بالقوة ونفي عدد من زعمائها وعلماء الدين الى خارج العراق.
وتم افتتاح المجلس التأسيسي بجلسته الاولى في 27-03- 1924. وكان من بين مهامه مناقشة بنود المعاهدة ثم تصديقها، وقد كان لنواب الموصل اثر واضح في مناقشات المجلس بخصوص المعاهدة ففي الجلسة الثالثة التي عقدت في 31 -03-1924 قدم عبد المحسن السعدون (رئيس المجلس) الى النواب مذكرة حكومة جعفر العسكري المتضمنة عرض المعاهدة على المجلس لأجل تصديقها في اقرب وقت ممكن، توضح المذكرة الدوافع التي تحتم على المجلس ابرام المعاهدة، وهي: استقلال العراق، وتمكين بريطانيا من ادخال العراق عصبة الامم دولة ذات سيادة، وحسم مسألة الحدود مع تركيا التي يتوقف عليها مستقبل العراق. ان المذكرة لم ترضِ نواب الموصل، حيث وجه أمجد العمري (نائب الموصل) انتقاده لها لخلوها من أي شيء يتعلق (بعائدية الموصل) حيث تحدث قائلاً: ((.. كنت اود ان ترد في تقرير رئيس الوزراء مادة عن الموصل، لأن الموصل هي راس العراق ولا عراق بلا الموصل، ولا اعني الموصل المدينة نفسها بل واقضيتها الستة مع السليمانية وكركوك واربيل وملحقاتها فأنها يجب ان تبقى عراقية.. لأن اهل الموصل كافة اجتهدوا كثيراً واشتركوا في كل شيء لخدمة الامة.. ولهذا أرجو ان يكون للموصل حظاً في المذكرات في هذا المجلس وتعطي لها اهمية، اذ هي في الشمال وهي اقرب جهة للاتراك)). أيد آصف وفائي آل قاسم آغا والشيخ عجيل الياور اقوال امجد العمري، وحتى جعفر العسكري (رئيس الوزراء) نفسه ايد حديث العمري.
استمر اعضاء المجلس بعقد الجلسات دون الوصول الى اتفاق نهائي بخصوص ابرام المعاهدة حتى بلغ الامر ذروته في 10 -06- 1924، عندما هدد المندوب السامي البريطاني (هنري دوبس)، بحل المجلس في حالة رفضه التصديق على المعاهدة، وابلغ هذا الطلب الى الملك فيصل الذي اهتم بدعوة النواب الى الاجتماع والمصادقة على المعاهدة قبل منتصف الليلة المذكورة وهو الموعد المحدد للانذار البريطاني، وبالفعل عقد المجلس جلسة طارئة ليلة 10 / 11 -06- 1924.
وقدم في هذه الجلسة تقريرين، الاول قدمه ياسين الهاشمي ورفاقه الموقعين عليه وهم (23) نائباً، وبينهم نواب الموصل (آصف وفائي آغا وداؤد الجلبي وعبد الغني النقيب)، طالبوا فيه بالدخول فوراً في المفاوضات للحصول على التعديلات، وأخذ ضمان عن حق العراق في ولاية الموصل جميعها، وصوت الى جانب تقرير الهاشمي (24) نائباً، ووقف ضده (43) نائباً من مجموع النواب الحاضرين البالغ عددهم (68) نائباً وواحد (مستنكف) عن التصويت، لذلك اعتبر التقرير مرفوضاً، اما التقرير الثاني فقد قدمه جعفر العسكري، طالب فيه بتصديق المعاهدة، وتصبح لاغية لا حكم لها اذا لم تحافظ حكومة بريطانيا على حقوق العراق في ولاية الموصل بأجمعها، وقد وقف الى جانب هذا التقرير الاكثرية من النواب، ومن بينهم نواب الموصل (علي جودت الايوبي، واحمد الفخري، وعجيل الياور). وعند التصويت، صوت الى جانب التقرير (37) عضو وعارضه (24) عضواً، واستنكف (8) عن التصويت من مجموع (69) عضواً حضروا الجلسة الاخيرة، ونتيجة لذلك اعتبر تقرير جعفر العسكري مقبولاً. وهكذا وافق مجلس النواب على المعاهدة لمدة اقصاها اربع سنوات.
عن رسالة ( الموصل في سنوات الانتداب البريطاني1920-1932).[1]