هشام المدفعي
نشأت في أسرة عراقية بغدادية عريقة، لقبت بأسرة المدفعي، اذ كان جدي ومن بعده والدي من ضباط صنف المدفعية في الجيش العثماني في الهزيع الاخير من العهد العثماني في العراق. وكنت أعرف ان جدي من أصول كردية، وان زوجته من أصول عربية، غير اني لم ادرك في نشأتي فوارق بين تلك الاصول التي يعج بها المجتمع العراقي منذ قرون طويلة.
كما لم اجد في أسرتي من يتحدث عن ذلك إلاّ في لحظات قصيرة وبصورة عرضية ليس الا، فقد كان الانتماء الى الموطن هو الغالب على جميع الانتماءات الاخرى، فلا حديث عن عنصر او طائفة او مذهب الا لماما، ثم عرفنا تلك الامور بعد توسع المعرفة الذاتية. اما ما قيل عن انقسام واضح وحاد في المجتمع العراقي، فليس موجودا إلا في أذهان من تاجر بهذه الفوارق وجعلها معابر الوصول لأهداف سياسية او شخصية.
واود ان اؤكد ان تاريخ العراق الحديث، وقد ادركنا منه بعض مراحله الاخيرة، لم يعرف حزبا اوكتلة اوحركة سياسية رفعت شعارات خاصة بمذهب محدد الا في السنين الاخيرة، بعد ما ارتفع نجم مايسمى بالإسلام السياسي، وبدعم غير خاف من دول جوار العراق. ولم نعرف من الاحزاب الا ماهو عراقي، ولم نعرف احزاب الطوائف التي مزقت البلاد وشتتت العباد ! لقد عشنا وترعرعنا في مجتمع متعدد القوميات والمذاهب والنزعات، وذلك من طبيعة الاشياء في بلد شهد حضارات متعددة على مدى تاريخه الطويل، وشهد من عهود الاحتلال الاجنبي في القرون المتأخرةفترات طويلة، ولعل في بقاء مقدسات ومعالم القوميات والمذاهب جنبا الى جنب في مدن العراق الكبيرة على مدى التاريخ، الدليل الثابت على ما أذكره في هذه المقدمة. ولم يكن هذا الامر محصورا بأسرٍ محددة، بل كان الغالب في معظم أسر المدن الرئيسة في العراق، لقد كانت عملية المصاهرة بين مكونات العراق الاجتماعية، ظاهرة اصيلة وثابتة، جديرة بالتنويه والاعجاب، لم يستطع ملوك الطائفية المقيتة والقومية المتعصبة، الطارئون على المجتمع العراقي، تشويه هذه الحقيقة الرائعة.
يعود جدي علي اغا الى اصول كردية، فهو من قبيلة دزئي الشهيرة في اربيل وانحائها،وقيل انها نزحت من قرية (دزئي) في كردستان ايران قبل قرون. بعد ان نقل لأسباب عسكرية، استقر ضابط المدفعية علي محمد اغا دزئي في بغداد، في محلة الفضل، وتكونت له علاقات طيبة مع اهالي المنطقة، ولاسيما اسرة احد الضباط من اولاد الحاج حبيب العزي الذي ينتمي الى عشائر عربية عريقة, فتزوج ابنته (بزمي عالم)، وولدت له اربعة اولاد وبنت واحدة، كان اكبرهم محمد امين زكي، محمد صالح علي، ثم حسن علي، زكي علي، وامينة التي تزوجت من محمود رامز، الشخصية السياسية المعروفة.
كان والدي (حسن فهمي) الابن الثالث لعلي اغا، وكانت ولادته في الوثائق الرسمية في 13-04- 1885 ، ونشأ في محلة الفضل، وهي من أعرق المحلات البغدادية آنذاكو تحمل كافة سجايا المجتمع البغدادي وتقاليده المتوارثة في جميع مناحي الحياة وصورها. وتوفاه الله في سنة 17-11-1946.
اكمل الابتدائية والثانوية الرشديةببغداد، ثم دخل مدرسة صنف المدفعية في اسطنبول وتخرج فيها ضابطا مدفعيا، واشترك في معارك الحرب العالمية الاولى، ومنها معركة (جناق قلعة) الشهيرة التي انتصر فيها العثمانيون على الاسطول البريطاني، وقد اصيب بجرح في هذه المعركة، بقيت آثاره في ظهره الى النهاية. وقبل انتهاء الحرب انخرط مع عدد كبير من الضباط العراقيين في الثورة العربية التي قادها شريف مكة الحسين بن علي.والتحق بجيش الحكومة العربية في دمشق بقيادة الامير فيصل بن الحسين.
وبعد القضاء على تلك الحكومة من قبل الجيش الفرنسي بقيادة (غورو) عاد الى العراق مع صديقه الضابط جميل المدفعيعن طريق تلعفر، وانضم الى الجيش العراقي الناشئ، ونسبا الى سلك الشرطة وعين مديرا لشرطة قضاء سامراء ثم مديرا لشرطة الديوانية فكركوك (1927)، ونقل الى بغداد مديرا لمدرسة الشرطة ثم مديرا لشرطة البادية ومدير الحركات في الشرطة العامة، حتى عين عام 1937 مديرا عاما
للشرطة.
وفي عام (1925)، تزوج والدي من ابنة الشيخ نوري اسماعيل الشيرواني (1866 1942)، وهو من كبار علماء الدين في بغداد، نزح من مدينة شيروان مازن وهي مدينة صغيرة تقع قريبا من قضاء (ميركه سور) في راوندوز التابعة لأربيل. وكان مع شقيقه الشيخ طه الشيرواني من اشهر علماء الدين ومدرسيها في بغداد، وقد تخرج على أيديهما عدد كبير من الاسماء البارزة في المجتمع.
وفي السنوات التالية عين متصرفا لعدد من الألوية (المحافظات) العراقية، وهيالرمادي والحله والديوانية وبغداد وكركوك التي توفي فيها في تشرين الثاني 1946. اذكر هذه الوظائف المرموقة هنا، لأن أسرته منذ زواجه في منتصف العشرينات كانت تصاحبه في تنقلاته وتقيم معه، وكان ذلك من التقاليد القديمة لموظفي الدولة، ولعلها ظلت الى يومنا، وفيها تتعرف اسر الموظفين على اوضاع البلاد وتقاليد الناس المختلفة، وتتوطد صلاتهم فيما بينهم. وكثير من الأسر استقرت بعيدا عن مناطقها الاولى واصبحت تعرف بمناطق استقرارها الاخير. تعرفنا على الكثير من الزملاء والاصدقاء في انحاء العراق مما ساعدنا كثيرا على تفهم طباع مجتمعنا شمالا وجنوبا، تعرفنا على المجتمعات المحلية بطباعها وتقاليدها ولهجاتها وشخصياتها وشيوخها وأحوالها الاخرى، منذ الثلاثينات في القرن العشرين... هكذا اراد والدي ان ننشأ ونعيش.. وهكذا اردنا ان نعشق الارض التي عشنا عليها نحن وأسلافنا.
توفي والدي بتاريخ 17-11-1946 عندما كان في سيارته قرب مدينة كفري عائداً من مهمة رسمية في بغداد للقاء رئيس الوزراء ووزير الداخلية، إذ اصيب فجأة بانفجار دموي في الرأس، ولم يتمكن من الوصول الى المستشفى في كركوك لإنقاذه.
افتخر الآن بذكر نبذة عن اخوتي الذين، على مختلف اختصاصاتهم، قد خدموا المجتمع العراقي وبرزوا في اختصاصاتهم وربوا أجيالاً وكان كل منهم من قيادات المجتمع في اختصاصه.
د. قحطان ألمدفعي: تخرج في جامعة ويلز كمهندس معماري وتزوج سيدة يونانية (للي) عندما كان موفداً الى مؤسسة دوكسيادس في أثينااكمل دراسة الدكتوراه بعد 35 سنة من التجارب المعمارية التي وضعته في مقدمة رواد العمارة.
يعتبر قحطان في المجتمع العراقي حالياً (وانا اعتبره بعد ان عملنا سوية في مكتبنا لسنوات
طويلة) اقول اعتبره من افضل المعماريين الرواد
العراقيين المجددين في العمارة , كما ان ما لدى قحطان من موهبة فنية في الرسوم التشكيلية والشعر والدراسات الفلسفية قد وضعته مع اوائل المفكرين العراقيينالمعاصرين.
د. سهام المدفعي تخرج في كلية الصيدلة في بغداد واكمل دراساته في جامعة يركلي – كاليفورنيا وتزوج من السيدة ابنة عمنا وداد صالح زكي وحصل على البكالوريوس في الهندسة الصناعية وشهادة الماستر في اختصاصه وشهادة الدكتوراه في الصناعات الكيمياوية من جامعة مانشستر في انكلترا. سهام المدفعي عمل في جامعة بغداد ويعتبر من اوائل من حصل على لقب استاذ جامعة بغداد . عمل كذلك كمدير عام في
البحث العلمي وله العديد من الاختراعات المسجلة باسمه كما عمل لعدد من السنوات خبيراً أقدم في منظمة (الأسكوا) في الامم المتحدة.
العميد عصام المدفعي ذو موهبة واضحة في الرسم والتخطيط , حصل على شهادة دبلوم في التصاميم الداخلية من لندن وتزوج من السيدة هناء هاشم الآلوسي , واثناء خدمته العسكرية في دورات الاحتياط ارتبط بالعديد من القيادات العسكرية بسبب اعماله المتميزة فتقرر ضمه الى وزارة الدفاع. خدم كضابط الى ان تقاعد وهوبرتبة عميد. وضع العديد من التصاميم الداخلية للمنشآت العسكرية وقصور الرئاسة. عصام كان الاول في التصاميم الداخلية في العراق وابدع الى درجة مرموقة في كل مراحل عمله.
ميادة المدفعي وهي السيدة الموهوبة التي تخرجت في كلية اللغات فرع اللغة الانكليزية في بغداد وتزوجت من الفنان سعد شاكر وهو الخزاف الاول في العراق والذي أبدع في تطوير فن الخزف.ميادة كسيدة موهوبة انجبت من سعد شاكركلاً من الفنان الموسيقار زياد و الفنان التشكيلي دلير.
#إلهام المدفعي# الفنان المبدع والذي عزف الاغاني العراقية التراثية على الآلات الموسيقية الغربية وبذلك نقل الاغاني التراثية من المفاهيم الموسيقية التراثية القديمة الى مفاهيم الشباب والشيوخ في القرن العشرين. تزوج الهام من السيدة هالة ابنة المحامي والسياسي المعروف سعاد العمري وبذلك دخل الى نَسَب
عائلتين هما العمرية والسويدية.برز الهام في نشاطاته الرياضية خلال شبابه وتمرد على مفهوم دراساته الجامعية حيث ركز وهو في اول شبابه على ممارسة الموسيقى وعلى تكوين فرقة موسيقية في محلة نجيب باشا في بغداد. ابدع خلال عمله مع مجموعته في البصرة وثم انتقل الىالكويت ولندن ونقل معه مفاهيم الاغاني العراقية التراثية على الآلات الغربية. خلال فترات عمله كوّن علاقات موسيقية مع العديد من عازفي القيثارة العالميين وعزف في مختلف المناسبات في انحاء العالم واشتهر في عمان بشكل متميز وفي لبنان بشكل كبير كذلك. اعتبرته محطة الاذاعة البريطانية من اكبر واشهر عازفي الاغاني التراثية العراقية.
عن مذكرات هشام المدفعي.[1]