بان راوي الحميداوي
هناك عوامل عدیدة لنشأة المدن سواء كانت اقتصادیة أو اجتماعیة أو عسكریة إلا أن العامل الإداري كان السبب الرئیسي لبناء مدینة السلیمانیة، فقد أقام محمود باشا بابان قصرا للإدارة والحكم عام 1782 م في قریة ملكندي فكان القصر أول دار رسمیة شيدت في المنطقة ، وصار النواة الأولى لبناء مدینة السلیمانیة الحالیة ، فقد تمیزت مدن العراق أبان حكم الممالیك في العراق بازدیاد أهمیة القصور الرسمیة التي غدت أهم مؤسسات الدولة على الإطلاق .
لقد كان موقع قلعة جوالان عاصمة امارة البابانیة المنزوي بين الجبال وضیق مساحتها وقربها من الحدود الفارسیة ، جعلها معرضة باستمرار للاعتداءات الفارسیة ، فأراد إبراهیم باشا بن أحمد باشا بابان الذي تولى منصب الإمارة عام 1783 م الابتعاد عن هجما تهم ببناء السلیمانیة .
ویرى بعض الباحثين أن هناك تفسيرا نفسیا هواالتشاؤم من قلعة جوالان التي أكتوت بنار الغارات المستمرة والصراعات التي مرت علیها ، فضلا عن التفاؤل بالمدینة الجدیدة .ویقال إن إبراهیم باشا كان مولعا بریاضة الصید .وبما أن قلعة جوالان لا تلائم ذلك الضرب من التسلیة بسبب وقوعها في وادي صخري ، لذلك أراد إبراهیم باشا أن تكون عاصمته الجدیدة واسعة لتسهل علیه مهمة الصید ، فضلا عن رغبته في الشهرة كغيره من الزعماء . بینما قال آخر إن إبراهیم باشا قد ترعرع منذ نعومه أظفاره في بغداد التي شاهد فیها معالم المدنیة والحضارة ، لذلك لم یستطع العیش في بلدة متأخرة مثل قلعة جوالان خاصة بعد تسلمه زمام الحكم .
وبعد استقرار إبراهیم باشا في حكم الإمارة البابانیة، شرع في بناء عدد من الدور السكنیة وجامع وحمام وسوق في المدینة ، ثم تبعه الأهالي في البناء ، وعندما أكتمل بناء المدینة في عام 1784 م نقل إلیها إبراهیم باشا مركز إمارته من قلعة جوالان وقد تحول معه التجار ورجال الدین وتوسعت المدینة في عهده حتى صارت تضاهي بغداد ، إلا إن المدینة لم ترق في أعين بعض الأكراد الذین یعیشون عیشة البداوة آنذاك ، مما یعني فقدان إبراهیم باشا لمودتهم ومناصرتهم ، لتفضیله السكن في المدن.
عد بناء مدینة السلیمانیة من أهم الإحداث التي شهد ها عهد الوالي المملوكي – سلیمان باشا الكبير ( 1780 1802 م ) ذلك لأن حالة العراق أبان عهد الممالیك لم تتحسن ، وعا ش العراق الكثير النكبات والكوارث ، وقد اقتصرت أعمال الحكام الممالیك على ترمیم المساجد والجوامع والبنايات الاخرى .
أختلف الباحثون في أصل تسمیة السلیمانیة فهناك من قال إن العمال الذین كانوا يحفرون أسس المدینة عثروا على خاتم ثمين ونفیس علیه أسم سلیمان ، فسماها إبراهیم باشا بأسم السلیمانیة تیمنا بأسم النبي سلیمان ( ع ) الذي أمتلك الخاتم السحري . ورأى اخرون ان المدينة بناها محمود باشا بابان بأمر من والي بغداد سلیمان باشا الكبير في عام 1782 م فجاءت تسمیتها نسبة إلیه . وقیل إن محمود باشا بن خالد بابان قد بنى قصر الحكم عام 1782 م بأمر من سلیمان باشا الجلیلي حاكم الموصل ، وان إبراهیم باشا الذي أكمل بناء السلیمانیة قد سماها باسم سلیمان باشا الجلیلي ، إلا أن هذا الرأي بعید عن الواقع على اعتبار أن إبراهیم باشا هو الذي بنى السلیمانیة ولیس غيره ، فضلا عن أن الإمارة البابانیة تتلقى الأوامر من الباب العالي عن طریق والي بغداد فقط ، كما أعتقد آخر إن محمود باشا بابان الذي كان متولیا الإمارة بين عامي1873 1778 ومعاصرا للشاه فتح علي في بلاد فارس الذي رزق طفل أسماه سلیمان ، فسمى محمود باشا بابان القلعة التي بناها بأسم ابن الشاه المذكور . وذهب آخر إلى أن سلیمان باشا بابان أبن خالد بن تیمور بابان هو الذي وضع أسس مدینة السلیمانیة وسماها بأسمه 0 وأكد آخرون أن إبرا هیم باشا بابان قد سمى المدینة با سم والي بغداد المملوكي سلیمان باشا الكبير ، فقد أبرق إبراهیم باشا بعد انتقاله إلى السلیمانیة ، إلى والي بغداد المملوكي سلیمان باشا الكبير يخبره بانجاز بناء المدینة وأنه أطلق علیها تسمیة السلیمانیة تیمنا باسمه ، فقد كان هذا الوالي مصدر عون لإبراهیم باشا في تولیه منصب الإمارة ، بینما رأى آخرون أن إبراهیم باشا قد سمى المدینة بأسم جده الأكبر سلیمان با شا بابان أو بأسم ابنه سلیمان بك ، ویبدو أن اقرب الآراء هو الجمع بين الرأیين الأخيرین لأسباب عائلیة ودبلوماسیة ، أي الجمع بين أسم جده وأسم سلیمان باشا والي بغداد من أجل كسب دعمه وتأییده والبقاء في إمارته أطول مدة ممكنة .
كان سنجق السلیمانیة تابع إداریا لإیالة شهرزور التي أُعید تشكلیها في عام 1849 م ، وكان من بين أسباب ذلك هو بعد سنجقي السلیمانیة وراوندوز عن بغداد ، وصعوبة تأمين الأمن والنظام فیها ، والعمل على تنمیة المنطقة . وكانت التقسیمات الإداریة لهذه الإیالة عام 1849 م ، مؤلفة من سناجق كوي سنجق ،كركوك ، السلیمانیة ، وكان من الأقضیة كان الأخير تابع إداریا یضم عددا أبرزها قضاء السلیمانیة (المركز) ، قضا ء كرد خبر ، قره جوالان فضلا عن عدد كبير من النواحي الملحقة بهذه الاقضیة .
عن بحث ( التقسيمات الادارية لسنجق السليمانية في العهد العثماني ).[1]