التحوّل الفكري الثاني ورد القائد أوجلان على داروين
البقاء ليس للأقوى بل للمجتمعية 2
أحمد بيرهات
عندما نَعي قوة الطرح الفكري والتطبيق العملي لأفكار وبراديغما القائد أوجلان لدى المنظومة التي تتبنّى الأوجلانية في كل مناطق تواجدها، فلن نستغرب من الصمت الدولي تجاه حالة العزلة المطبّقة في امرالي من قبل تركيا وحلف الناتو ومنظمتها السرية غلاديو وعدم الاكتفاء بذلك بل القيام بين الفينة والأخرى بتسريب أخبار حول تدهور الحالة الصحية أو إشعال حريق في الجزيرة، وبذلك يتم التلاعب بمشاعر وأحاسيس أنصار حركة حرية كردستان وكل محبي هذا القائد المؤثر في المنطقة والعالم، والذي باتت تُدرّس أفكاره في جامعة اكسفورد وغوتنبرغ العريقتين كعلم اجتماع حديث ومطوّر وغيره من المدارس المختصة بالعلوم الإنسانية وبات بكل جدارة أحد أبرز الرموز الفكرية والثورية لدى غالبية القوى التي تنادي بالديمقراطية وتبحث عن حلول ثورية في العالم من أمريكا اللاتينية وأفريقيا مُنعشاً بذلك الثقافة الثورية التي ألهمت العالم قاطبةً عبر رموز كخوسي مارتي وغيفارا وكاسترو وتشافيز ومانديلا وغيرهم..
براديغما القائد أوجلان التي ظهرت بشكلٍ أوضح في مرحلة إمرالي سوف تحطم في النهاية مخططات الغلاديو المطبقة في حجرة إمرالي بكل تأكيد بفعل المقاومة التي يبديها مقاتلي الحرية “الكريلا” في جبال كردستان وأطرافها وفي الأرياف في مواجهة هجمات الجيش التركي المستمرة وخاصةً منذ نيسان2022، والتي مُنيت استراتيجيته بهزيمة نكراء وهذا يعني هزيمة الدولة القوموية الفاشية لأردوغان وحليفه باخجلي وانتصار للمشروع الديمقراطي للقائد أوجلان بعد تجاوزه لمفهوم الدولة القوموية التي نجحت في القرن التاسع عشر وأصبحت تجربة خاضتها معظم حركات الشعوب التوّاقة للحرية ولم تتوصل إلى تحقيق العدالة الاجتماعية بالرغم من انتصار ثوراتها، فالدولة القوموية لن تكون حل لمشاكل القرن الواحد والعشرين في الشرق الأوسط كونها موطن الديانات والشعوب المتداخلة.
الرد الثوري مستمر من خلال العمليات الاستشهادية والنوعية مثلما قامت بها الفدائيات من قوات حماية الشعب HPG في أيلول 2022 في قلب مدينة مرسين التركية وهذا ما يشكّل دعم ومساندة للمقاومة الكبيرة في إمرالي والوفاء والحفاظ على الثوابت ومشاركة كل فئات الشعب والتحامه مع توجيهات حركة حرية كردستان بما يتم تسميته ماوياً وأوجلانياً بحرب الشعبية الثورية كفكر مطوّر لحرب طويلة الأمد والتي كانت أسلوباً لحركات تحرر الشعوب التي تتبنى النظرية الماركسية في منتصف القرن العشرين.
لابد من النظر إلى القائد أوجلان كحالة ذهنية مجتمعية تمثل الشعوب عبر أفكاره التي تُركز على الجانب السياسي والأخلاقي والبيئي بخصوصية المرأة الحرة والشبيبة الثورية بأسلوب ومفاهيم الحداثة الديمقراطية، يعد ذلك مسؤولية كونيّة وإنسانية يقع على عاتق حركة حرية كردستان توسيعها وطرد الجانب الدوغمائي منها وإبراز الدور العلمي والفلسفي فيها.
هناك عدة خطوات هامة أرى أنها ستمهّد لحرية القائد أوجلان:
-العمل على إزالة حزب العمال الكردستاني PKK من قائمة ولوائح المنظمات الإرهابية الأوروبية، ويبدأ التواصل المباشر مع القائد أوجلان كونه رمزاً لهذا الحزب.
– العمل الحقوقي عبر إعداد تقارير عن الانتهاكات في سجن إمرالي بحق القائد أوجلان ورفعها إلى المنظمات الحقوقية الدولية وفي مقدمتها منظمة CPT ومنظمة العفو الدولية ومنظمات حقوقية أخرى.
-تعريف الشعوب عبر المنظمات والنقابات والاتحادات العالمية على القضية التي يحملها القائد أوجلان بتجميع التواقيع ونشر أفكاره عبر طباعة كتبه ورسائله وإقامة الندوات والمؤتمرات حول مشروعه الفكري (مشروع الأمة الديمقراطية) حتى مقالنا هذا يدخل في خانة الهدف المذكور أعلاه.
استكمالاً لما يتم من نشاطات وفعاليات منذ 2016 من الحملة الدولية من قبل نقابات العمال البريطانية (والأوروبية) والتي يُقدّر عدد أعضائها باثني عشر مليون عضو وتبنتها منظومة المجتمعات الكردستانية وهي مستمرة حتى الآن ولابد من الاستمرار بذلك وبوتيرة أعلى.
وفي الأساس حركة حرية كردستان تُعوّل على الشعوب والمؤسسات والحركات الإنسانية والتي تؤمن بالديمقراطية ومُتطلعة على أفكار وسيرة القائد أوجلان كونهم يرون في فكره حريتهم.
فهنا تظهر أهمية الإفراج عن القائد أوجلان كونه يمثل قضية شعب اتخذ من معرفة كينونته هدفاً سامياً وعاد مجدداً لريادة إحياء الحضارة الديمقراطية بعدما كانت رائدة في حضارة ميزوبوتاميا.
فانهيار قلعة إنكار وإمحاء الشعب الكردي في تركيا ستُجبر الدول الأخرى المحتلة لكردستان على خطو الخطوات نحو الحل مُرغمةً، يعني مركز حل القضية الكردية هو كسر السياسات التركية وهذا مُلاحظ بشكلٍ أكثر وضوحاً في الصراع الدائر الآن في سوريا.
فديالكتيك المرحلة يفرض حاجة تركيا إلى ديغول وكلارك (تركي) الذين ساهموا في إحلال السلام في الجزائر وجنوب إفريقيا وليس لهتلر تركي كما يتمثل الآن بالشخص الإخواني والفاشي أردوغان.
ووفق هذه المعطيات:
نحن بحاجة إلى أشكال خلّاقة أكثر للمقاومة والعمل النضالي الدؤوب، وممارسة السياسة والدبلوماسية بشكلٍ راقي عبر الأحزاب الوطنية والديمقراطية الفعّالة وطرقْ الأبواب الدولية والرسمية والحقوقية الفاعلة للتعريف بقضايانا بشكلٍ عام و”دعوة القرن” للقائد أوجلان بشكلٍ خاص.
الكُرد وكل شعوب المنطقة الأحرار مدعوون لتصعيد النضال لإنهاء سياسة العزلة والتجريد وإسقاط حكومة MHP وAKP وإجراء محاكمة تاريخية لذهنيتهم الفاشية.
إن إبراز كاريزما القائد أوجلان وتحقيق حريته ضرورة قصوى لهندسة منطقة الشرق الأوسط، فبراديغماه باتت تمثل قطب الشعوب في مواجهة قطب الحداثة الرأسمالية.
فالقائد أوجلان يؤكد في كل أطروحاته وأفكاره على عدم التخلي عن القيم والأخلاق الإنسانية والعمل والنضال على كل الصعد الفكرية والعملية لإعادة ما تم سلبه من مهد الحضارة الإنسانية في جغرافية ميزوبوتاميا (مُلك كل الشعوب التي عاشت خلال آلاف السنين) والتي أعطت ووزعت كل قيم الطبيعة الأولى والثانية وفق خاصية وفلسفة الإنسان المركز خدمة للإنسانية جمعاء.
إن الدفاع عن القائد أوجلان والمطالبة بحريته مسؤولية كل الأحرار والمؤمنين بقضايا الإنسان وكرامته كل من له علاقة بالحفاظ على البيئة والطبيعة، وأن القائد أوجلان يمثل طراز حدثاوي وعصراني من العقلانية والواقعية الثورية في كل طروحاته ضد الحداثة الرأسمالية ومقوماتها:
هناك حقيقة لا يختلف عليها كل من قرأ ودرس التاريخ وهو:
إن كل مرحلة لها فلاسفتها وحكمائها ولا نزيد عن هذه الحقيقة شيئاً عندما نقول أنّ الذهنية التي عمل عليها القائد أوجلان وبناها لا يمكن التعبير عنها بمقال كهذا أو بحث أو كتاب أو أي حلقة نقاشية أو كلام ونقاش حول أسباب ومعاني العزلة ونتائجها فقط.
فالقائد أوجلان حرٌ بالرغم من وجوده في سجن إمرالي فحريته وخروجه من هناك قاب قوسين أو أدنى والغد لناظره قريب.[1]