#عوني الداوودي#
عاشت شرائح من المجتمع العراقي خلال الأيام القليلة المنصرمة أجواء متوترة بعض الشئ على أثر مطالبة ممثلي الشعب الكوردي داخل مجلس الحكم الأنتقالي العراقي للأتفاق على صيغة ونوعية الفدرالية المتفق عليها في مؤتمرات المعارضة العراقية سابقاً في، صلاح دين، ولندن، والناصرية، وإعادة ترسيم الحدود الجغرافية والإدارية لأقليم كوردستان العراق إلى سابق عهدها، بعد التشويه الذي لحق به جراء سياسة التطهير العرقي لنظام صدام البائد لا سيما ما يتعلق بمحافظة كركوك التي سلخت منها أقضية ونواحي مهمة وربطها بمحافظات عراقية أخرى بغية تقليل نفوس الكورد في المحافظة، وجاء ت المطالبة متزامنة مع مظاهرات شارك فيها عشرات الألوف من أبناء الشعب الكوردستاني للمطلب ذاته، وتصاعدت صيحات الأستنكار من بعض الفصائل العراقية الصغيرة بدوافع عنصرية وتحامل غير مبرر أتجاه الكورد، ومن بعض الكتاب هنا وهناك في محاولة منهم لتشويه الحقائق التاريخية والجغرافية واللعب بالكلمات والألفاض لتسويق أفكاراً غير صحيحة لذهن القارئ والمواطن العراقي البسيط الذي تفتح وعيه وشب في مدارس صدام وتحت ضغط نفسي وقاسي لإعلامه الذي كان يُِِصرف عليه بسخاء مبالغ فيه، حول تاريخ العراق وجغرافيته، وفي أجواء مشحونة بالشعارات الثورية الصدامية، والعروبة والوطن العربي الكبير وعودة الفرع للأصل وتحرير جزر طنب الصغرى والكبرى وابو موسى وتحرير فلسطين وتوزيع الثروة وغيرها من الشعارات التي كان صدام يجيد توضيفها لخدمة مصالحه الشخصية وديمومة حكمه الذي حكم فيه العراق بالحديد والنار، وممارسة سياسة الأرض المحروقة في أقليم كوردستان وفي الجنوب العراقي وخاصة في مناطق الأهوار. اليوم وبعد أن تخلصنا من هذا المجرم الظالم والمستبد، لا أبالغ حين أقول، لو لا التدخل الخارجي وعلى رأسه القوة الأمريكية لبقي صدام وأولاده وأحفاده يحكموننا بنفس الأسلوب على مدى عشرات السنين اللاحقة .
بأعتقادي أن السبب الرئيسي وراء هذه الحملة الظالمة التي يشنها بعض الكتاب القوميين المتعصبين من القوميات الغير كوردية لمواجهة المطالب الكوردية تنبع في جوهرها من الحقد والكراهية أتجاه الكوردي كأنسان أولاً، وهناك من يردد كالببغاء مقولات هذا وذاك ببلاهة وسذاجة واضحة للعيان، ويأتي بعضها الآخر من عدم فهم الخصوصية الكوردية وجهل مطبق لتاريخ المنطقة وخاصة لتاريخ الشعب الكوردي ومناطق سكناه التاريخية، من الممكن ايجاد العذر لهذا الصنف الأخير، لا سيما وكما ذكرت بأن الحكومات التي تتقاسم كوردستان دأبت على تشويه شخصية الأنسان الكوردي وتاريخ المنطقة خلال الثمانون عاماً المنصرمة ضمن منهج مدروس ومتكامل وعن سبق أصرار وتعمد، ما دفع بالعالم الأجتماعي التركي أسماعيل بشكجي الذي قضى أكثر من نصف عمره في السجون التركية لمناصرته القضية الكوردية وكشف زيف الإدعاءات التركية الرسمية، بالقول: يجب إعادة كتابة تاريخ المنطقة من جديد لأنه مزيف ومشوه. كتبتها الحكومات التي تحتل كوردستان في عملية تزوير كبرى للتاريخ . لا أريد الدخول هنا في تفاصيل تاريخ الكورد في المنطقة التي تدعى بكوردستان، ذلك أن جل المؤرخين والأكاديميين المنصفين سواء في المنطقة أو في البلدان المتحضرة والمتطورة تعرف ذلك جيداً، وهناك مئات الكتب والمؤلفات القيمة وبأكثر اللغات الحية في العالم بحثت وكتبت وألفت في هذا الجانب الذي حاولت تلك الحكومات تشويهها والتعتيم عليها ضمن سياساتها العنصرية والشوفينية، التي من الممكن بعد إلقاء نظرة فاحة عليها أن يقال بحقها سياسة أستعمارية ، ذلك أن جميع الممارسات التي مورست في كوردستان، من فرض التخلف والجهل وعدم الأهتمام بمناطق الكورد وعدم افساح المجال للتعليم وفقدان المستشفيات والمستوصفات وعدم بناء المشاريع وسوق أبناء هذه المنطقة إلى حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل وفرض الضرائب والنظرة الإستعلائية وغيرها من الأساليب وممارسة العنف المفرط ضد أبناء الشعب الكوردي في الرد على مطاليبه العادلة ، تنطبق بما لا يترك الشك بأنها ممارسات أستعمارية ، وخاصة في كوردستان الشمالية كوردستان تركيا ما جعل المواطن الكوردي العيش في حالة خوف وقلق وشك دائم من كل ما يصدر من تلك الحكومات والحركات السياسية القومية في البلدان التي تتقاسم كوردستان، مصحوبة بردة فعل قوية ومتطرفة في بعض الأحيان، وصحيح أن وضع الكورد في العراق لغاية بداية الستينات كان أفضل حالاً عن باقي أجزاء كوردستان المقسمة، لكن هذا يعود إلى ظروف أنشاء الدولة العراقية الحديثة من قبل المستعمر الإنكليزي والإلحاق المشروط لكوردستان الجنوبية التي تسمى اليوم بكوردستان العراق من قبل عصبة الأمم المتحدة وبموافقة الحكومة الملكية في ممارسة الشعب الكوردي لكافة حقوقه القومية، وصحيح أن اتفاقية 11 آذار التاريخي عام 1970 بين الحركة التحررية الكوردية وحكومة البعث كانت خطوة جديدة وجيدة في الأتجاه الصحيح لتطبيع الوضع وإعادة الثقة بين الطرفين، لكن سرعان ما أنكشف زيف الإدعاء البعثي لحل القضية الكوردية حلاً سلمياً عادلاً عندما أرسلت مجموعة من المخابرات العراقية متسربلة بزي رجال الدين لأغتيال الزعيم الوطني الراحل ملا مصطفى البرزاني، ومن ثم المباشرة بتعريب مدينة كركوك حتى قبل أنقضاء الفترة المحددة لإعلان البيان بعد أربعة سنوات، بالرغم من أعتراف الحكومة العراقية آنذاك في اعتماد أحصائية عام 1957 معياراً للتفاوض حول كركوك وخلال الاربعة سنوات ما بين أعوام 1970 و1974 كانت كركوك تدار حتى لو كان ذلك بشكل دعائي من قبل الطرفين الكوردي والحكومي وكان المواطنين الكركوكيين وكل زائر يرى تجوال الأنضباط العسكري العراقي برفقة البيشمركة في شوارع كركوك، أما بالنسبة لبعض الاطراف التركمانية التي تقول بأن غالبية سكان كركوك من التركمان حسب أحصاء عام 1957 وبعضهم تصل به درجة التطرف إلى الإعلان عن أن 80 % أو 90 % من سكان كركوك هم من التركمان. نوجه لهم السؤال التالي وهو. لماذا التخوف أذن من أعتماد هذه الأحصايئة في المفاوضات التي تعتبر من الأحصائيات المعترف بها دولياً وكذلك لباقي الحركات والأطراف السياسية؟. فالحقوق التاريخية الكوردية في مناطق سكناهم ومنها كركوك مؤرشفة ومثبتة وهناك مئات الوثائق العراقية والبريطانية والعثمانية بهذا الشأن، مدونة في الكثير من الكتب التاريخية، ويحتفظ الأرشيف الكوردي بقسم كبير جداً من تلك الوثائق محفوظة ومصونة، فلذلك عندما يطالب الكورد بحقهم التاريخي في المناطق الكوردستانية التي مورست بحقها سياسة التطهير العرقي وخاصة كركوك هي ليست من أجل النفط كما يحاول البعض تسويقها وترسيخها في نفوس البعض، بل تأتي هذه المطالب بأحقية الكورد بذلك من منطلق تاريخي جغرافي قوي يستند عليه السياسيين والمثقفين الكورد، ولو كان أعداء الشعب الكوردي يتحصنون بوثائق وحجج قوية ودامغة لما ترددوا لحظة واحدة بإحالة القضية إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن لأستصدار قرار دولي بشأنها، وليسدل الستار على هذا الفصل المحزن والمثير للجدل من تاريخ العراق، وللجم الكورد بقرارات دولية ليست لهم طاقة بمقارعتها، لكنها ولضعف حجتها بذلك نراها استخدمت أسلوباً واحداً فقط، وهو أسلوب العنف والتنكيل والقلع وأجتثاث الكورد من هذه المدينة، ضمن سياسة التطهير العرقي، ما جعل أحد الباحثين تصوير عروبة صدام أشبه بالصهيونية.
أما بالنسبة لهؤلاء الذين رفعوا عقيرتهم مستنكرين المطالب الكوردية، فنحن على علم وإدراك وقبل سقوط رئيس عصابة العوجة بأن ما كان يطلق عليهم بالمعارضة العراقية سابقاً، ينقسمون إلى قسمين: فالأول وهم الأحزاب والقوى الفاعلة ذات القواعد العريضة والمعروفة بقوة تنظيمها وعلى رأسها الحزب الشيوعي العراقي، كانوا يدركون ويتفهمون المعنى والأثر السلبي التي تتركها سياسة التطهير العرقي بحق الكورد أرضاً وشعباً فكانوا يساندون المطالب المشروعة للشعب الكوردي، ومن منطلق الحرص على وحدة العراق وعدم تفتيت نسيج المجتمع العراقي، وبذلك اثبتوا درجات عالية من نكران الذات والحرص على بناء العراق المسالم القوي والمتحضر ليكون قدوة للآخرين بحكم الأمتداد التاريخي والحضاري والتنوع الاثني والديني والمذهبي لهذا البلد، ولا تخلوا أدبياتهم من فضح ونشر تلك الجرائم. أما القسم الآخر فلم يكونوا يختلفون في التوجهات والمنهج عن النظام المقبور بما يتعلق بالفدرالية وكركوك وخانقين وسنجار ومخمور وديبكة وغيرها، فكانت أدبياتهم تؤكد فقط على الحكم الذاتي للكورد بدون أي تحديد أو دراسة حقيقة لهذا المطلب وعدم الخوض في التفاصيل، بل كانت أجاباتهم تدل على المماطلة والتسويف والمتمثلة بالتأجيل، وتأجيل الخوض في هذه الأمور لحين سقوط صدام. وبالنسبة للأحزاب الكوردية ومن خلال تجاربها المريرة مع الحكومات العراقية السابقة ووعودهها، وبمجرد استلامها السلطة كانت تنقلب وتنكث بالوعود والعهود التي قطعتها للقيادات الكوردية، لا يمكنها الأطمئنان شفوياً لأي وعد أو عهد، لأن مثل هذه المسائل هي ليست شخصية بل يعلق عليها مصير شعب قدم مئات الالوف من الضحايا من أجل هذه الحقوق، وها نرى اليوم بأن بعض أعضاء مجلس الحكم يحاولون الألتفاف على المطلب الكوردي المتفق عليه سابقاً، بإيجاد صيغة فدرالية جديدة بأسم فدرالية المحافظات وفصل كركوك وبعض الاقضية والنواحي المهمة عن جسد الأقليم وربطها بتكريت، وعدم الموافقة والمماطلة في إعادة الاقضية والنواحي التي سلخت عن كركوك إلى وضعها الطبيعي قبل ممارسة سياسة التعريب، ما يدعو المرء للتشكيك في مصداقية تلك الأحزاب وعدم الركون إلى وعودها الشفوية، وما يدعو للعجب والدهشة أيضاً هو خطاب بعض الأحزاب التركمانية التي لا تترك مناسبة إلا وتذكر بأن قضاء طوز خزرماتوا وكفري ذات أغلبية تركمانية تصل إلى 90 % . فأذا كان ذلك صحيحاً أليس من المنطق والحكمة السياسية بأن تطالب هذه الأحزاب أو الشخصيات أيضاً مثلهم مثل الكورد بإعادة تلك الاقضية إلى الحدود الإدارية لمحافظة كركوك كسابق عهدها كي تخدم قضيتهم والواقع السكاني التركماني في كركوك عند أجراء الأحصاء العام، وهناك نقطة يحاول بعض المهووسين بإطلاق الشائعات حول ما يتعلق بالواقع السكاني لكركوك، وهي بأختصار أن الكورد جلبوا أكراداً من إيران وسوريا وتركيا إلى كركوك وتزويدهم بالهويات من أجل زيادة العنصر الكوردي في المدينة، حقيقية ينتاب الواحد منا الشعور بالشفقة والرثاء على هؤلاء المساكين الذين فشلوا حتى في إطلاق الشائعات، وزيادة للعلم حول الواقع السكاني لكركوك نقول بأنه وصل عدد المرحلين والمهجرين الكورد من كركوك إلى أكثر من ثلاثمائة ألف إنسان وهذا العدد مثبت لدى لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ولدينا قوائم لكافة هؤلاء ولكل إنسان كوردي مرحل، مدون فيه أسمه الثلاثي زائد أسم الأم، ومسقط رأسه وأعني في أي محلة في كركوك وعدد أفراد العائلة وتاريخ الترحيل، ومن حسن الصدف أن الوثائق المكتشفة في أجهزة الأمن والمخابرات فيها الكثير من هذه الحقائق وتتطابق مع الوثائق الموجودة لدى اللجان التي كلفت بتدوين وتوثيق تلك الجرائم، فالكورد ليسوا بحاجة إلى إستقدام أي نفر من المحافظات الكوردستانية الأخرى إلى كركوك، ناهيك عن عدم إمكانية تزوير تاريخي على المستوى الدولي الذي يحاسب عليه القانون أشد الحساب من يقوم بمثل هذه الأفعال الصبيانية، على الرغم من أستحالة إمكانية تطبيقها، فأي عقل جاهل وبسيط هذا الذي يحاول أثبات حقوقه التاريخية بهذا الشكل البائس ؟ !!! أقولها بصدق بأن الكورد ليسوا بحاجة إلى أي عمل غير قانوني لإثبات حقيقة كركوك الكوردستانية ويكفي عودة المرحلين والمهجرين إلى مناطق سكناهم الاصلية، والذين لا يزال أكثر من نصفهم يعيشون في مخيمات بائسة على أطراف مدن السليمانية وأربيل ما جعلهم أن يكفروا باليوم الذي ولدوا فيه في كركوك. أرجع إلى موضوع الأحزاب العراقية وأعضاء مجلس الحكم الإنتقالي .... من سيضمن لنا بأن هذه الأحزاب في حالة أستلامها السلطة رسمياً سوف لا تتحالف مع الدول المجاورة لضرب الكورد ثانية والعودة إلى نقطة الصفر، وكما قيل سابقاً لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين لكن نحن الكورد لدغنا من ذات الجحر مرات ومرات حتى باتت مقولة الأنسان الكوردي الساذج في السياسة على شفاه الكثير ومحل تندر، ويقول المثل الشعبي الكوردي في مثل هذه الأحوال إن خدعتني مرة لينتقم منك الله ، وإن خدعتني ثانية لينتقم مني الله فالأصرار الكوردي على كشف الأوراق ومناقشتها بشفافية وعلى الملاء وفي هذا الوقت بالذات يأتي من القلق والخوف من المجهول، والشارع الكوردي يعيش هذه الحالة مند أكثر من أثنتي عشرة عاماً وهو يضغط بأستمرار على السياسيين والأحزاب الكوردستانية في هذا الأتجاه، ناهيك عن التهديدات التركية التي تصل أسماعنا بين الحين والآخر، والإجتماعات الدورية الثلاثية بين كل من تركيا وإيران وسوريا وعلى مستوى وزراء الخارجية على مدى الأعوام الماضية دون أن يخفوا الاسباب الكامنة وراء هذه الجلسات السرية منها والعلنية التي تتداول شأن شمال العراق !! . ويدرك الكورد أيضاً بأن الأمريكان تخلصوا من صدام ليس من أجل سواد عيون الشعب العراقي، بل من أجل مصالحهم المستقبلية البعيدة المدى، وما جرى ويجري في العراق من تحالفات عراقية أمريكية وفي أقليم كوردستان لا ترقى إلى تحالفات أستراتيجية بل هو توافق مصالح في الوقت الحاضر، ولا نعرف ما الذي سيحصل غداً، وكذلك ندرك بأن أمريكا لا تفرط بعلاقاتها الأستراتيجية مع تركيا وبعض الدول العربية وحتى مع إيران المستقبلية إرضاء للكورد فهذه العوامل كلها تجعل الكوردي سياسياً كان أم أبن الشارع البسيط يستعجل الأمورد لضمان حقوقه التي سلبت منه، ومشكلة كركوك هي من أكبر المشاكل التي واجهت الثورة الكوردية في جميع المفاوضات مع الحكومات العراقية السابقة وخاصة مع حكومة البعث في زمن حكم صدام. ولم يكن أي خلاف أو إشكال على المناطق الحالية التي يتمتع الكورد بحكمهم الذاتي فيها، وكان صدام على أستعداد بأن يشكل دولة كوردية بناء على توصية مدير المخابرات العراقية الأسبق والذي قتله صدام لاحقاً الدكتور فاضل البراك، وكان المشروع يتضمن إعلان دولة كوردية بمساعدة الحكومة العراقية بدون كركوك وخانقين وسنجار أي الشريط الذي مارس النظام سياسة التعريب فيه والتي تقدر بأكثر من ثلاثين ألف كيلومتراً مربعاً، بأعتبار أن هذه الدولة الفتية الصغيرة والمحاصرة، لا تستطيع الصمود والدفاع عن نفسها ضد دول الجوار بدون حماية الدولة العراقية وعلى أن تكون هذه الدولة الكوردية ساحة لعب وضغط من قبل الحكومة العراقية ضد دول الجوار لكن الرفض الكوردي وظروف الحرب العراقية الإيرانية جعلت أن يصرف صدام النظر عن هذه الخطة الجهنمية .
ونقول إلى الذين يروجون فكرة خاطئة عن تمسك الكورد بكركوك هو من أجل النفط، بأن المطالب الكوردية بكركوك كانت حتى قبل إكتشاف النفط عام 1927 ، طالب الكورد في مؤتمر الصلح المنعقد بعد أنتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1919 في باريس برئاسة الجنرال شريف باشا، وكان الوفد يضم ايضاً ممثلي الشعب الأرمني بأنشاء دولة كوردية واحدة تتشكل من جميع الأراضي الكوردستانية حيث لم تكن هناك ما يعرف اليوم بكوردستان العراق أو تركيا، إيران، سوريا، وكانت كركوك ضمن هذه الدولة التي طالبوا بها، وما أنفك الشيخ محمد الحفيد ملك كوردستان بعد إعلان مملكته عام 1919 وعاصمتها السليمانية من المطالبة بكركوك لكن الإنكليز يوم ذاك كانوا الحكام الفعليين للعراق ولم يستجيبوا للطلب، دون أن يعلم أحداً بأن بريطانيا كانت قد شمت رائحة النفط في هذه المنطقة وقد خططت ومهددت كل الطرق للأستيلاء على هذه الثروة، وبما أنها الدولة المنتدبة على العراق عملت المستحيل ضد انشاء كيان كوردي مستقل ليس هذا وحسب بل دخلت في صراع دبلوماسي طويل ضد المطالب التركية بأحقيتها للولاية، وجعلت بريطانيا من التصويت الذي أجرته عصبة الأمم في الولاية التي أضهرت الواقع السكاني وغلبة القومية الكوردية في هذه المنطقة حجتها الرسمية لنسف المحاولات التركية، وكما ذكرت، بما أنها الدولة المنتدبة على العراق فستكون كوردستان الجنوبية أوتماتيكياً ضمن الدولة التي أعتبرتها من أملاكها، وكان الكورد لوحدهم في هذه المعركة الغير متكافئة ضد الجبهتين التركية والبريطانية ووقعوا ضحية مساومات الدول الكبرى والنفط، دون العلم بما يخبئه لهم القدر، حيث سيلعب النفط على مدى العقود اللاحقة دوره الأكبر اجراماً ضد التطلعات الكوردية في الحكم الذاتي أو أنشاء كيانهم المستقل، وعلى القوميين العرب الذين يروجون فكرة عدم أحقية الكورد بكركوك ويوصمون الكورد بالعمالة للإنكليز أن ينحنوا أجلالاً للمستعمر البريطاني الذي منحهم كركوك، ومن ثم أكتشاف النفط واستخراجه ليكون وبالاً على الشعب الكوردي، ولو لا النفط المتواجد في هذه البقعة لكانت اليوم هناك دولة كوردية بجانب الدولة العراقية وبدون اي حساسية، لكن نعل الله المستعمر الإنكليزي الذي كان يخطط لمائة سنة مقبلة، وها نجدهم اليوم يدخلون العراق من ذات البوابة التي دخلوها عام 1917 من البصرة . [1]