جبل الكورد أحد المواطن الأصلية لكثير من الأصناف البرية في خطر!!!.
المهندس الزراعي حنيف رشيد*
يعتبر جبل الكورد إحدى المواطن الأصلية لكثير من الأشجار والشجيرات والأعشاب البرية، ولا زالت موجودة بشكلها البري حتى وقتنا هذا. بالإضافة إلى الحيوانات البرية الخاصة بتلك البيئة، حيث يطلق تعبير «المجتمع النباتي» على تجمع من كل تلك النباتات والحيوانات المتكيفة منذ آلاف السنيين في ظروف مناخية محددة، والذي يحمل مورثات مخزونة تظهر في حال تعرض النباتات والحيوانات لظروف قاسية، كالجفاف وارتفاع درجات الحرارة، أي يعتبر مخزون غني جداً لمورثات تلك النباتات والحيوانات في حال حدوث أي تغيير للظروف المناخية.
المجتمع النباتي السائد في منطقة عفرين يسمى مجتمع السنديان العادي وصنبور البروتيا، يرافقه مجموعة مهمة جداً من الأشجار ذي المخزون الوراثي والتي يستخدم من قبل المزارعين حتى الآن كأصول نباتية للأشجار المزروعة، وعلى رأسها شجرة الزيتون البري والأجاص البري واللوز والزعرور(أصل التفاح), البطم كأصل للفستق الحلبي والكرز البري… الخ، كذلك لكثير من النباتات العطرية، مثل الزعتر البري والشاي البري. ويعتبر سهل العمق الموطن الأصلي لأحد أهم أصناف القمح، وهو القمح العمقي، الذي يستخدم برغله في الكبب المختلفة، ويتميز عن بقية أصناف الأقماح بزيادة نسبة الألياف فيها, كما يعتبر جبل الكورد أحد المواطن الأصلية لكثير من النباتات البقولية مثل البيقية والجلبان والعدس والحمص، وأغلب أصولها البرية لا زالت منتشرة في جبل الكورد، وأنتجت للبشرية أصناف مهمة تدخل في غذاء البشر، مثل الحمص الكوردي والعدس الكوردي، ذي الحبة كبيرة الحجم .
هذا التنوع البيولوجي الكبير في منطقة عفرين تشكل عبر آلاف السنيين، وهو يحمل مخزون وراثي كبير الذي لا يظهر إلا إذا تعرض لظروف بيئية مغايرة لبيئة جبل الكورد المتوسطية، ومن هنا تكمن أهمية بيئة عفرين وضرورة الحفاظ عليها.
إن النباتات البرية أمنت المواد الاولية للزراعات المتنوعة، مما أتاح للإنسان الانتقال إلى مرحلة أرقى من أنماط العيش عبر التاريخ .
كذلك تعتبر النباتات البرية مصدراً مهماً لعلماء التحسين الوراثي في تطوير وتحسين الأنواع والأصناف، لتتماشى مع التغيرات البيئية المستمرة ولتحسين الانتاج، وبالتالي استمرارية الجنس البشري من خلال تأمين استمرارية مصدر غذائه.
أهم موقع يحوي مجموعة أشجار برية مهمة، هو جبل هاوار الذي لا يزال يحوي عدد كبير من الأشجار البرية المهمة للتحسين الوراثي، وأهمها الزيتون البري الذي يتواجد منه العشرات من الأصناف البرية، وكل صنف يعتبر مشروع لصنف جديد إن تمت فيه عملية الانتخاب .
كان هناك تشديد كبير من قبل الدولة السورية قبل عام 2011 في حماية وتطوير الغابات في #عفرين#، من خلال مصلحة الحراج التابعة لمديرية زراعة حلب، عن طريق مخافرها الحراجية التي كانت منتشرة في المناطق الجبلية، واستطاعت أن تضبط عمليات التدهور البيئي والحدّ من الاحتطاب، إلا أن عملية الاحتلال التي تعرضت لها المنطقة من قبل تركيا، والذي بدأ بالعدوان في 20 كانون الأول وانتهى بالسيطرة الكاملة بتاريخ 18 اذار من عام 2018 ، برفقة مجموعات مرتزقة من مجاهدي القاعدة وأخواتها، التي عملت ولا تزال تعمل على تخريب هذا المخزون الوراثي المهم لجبل الكورد، حيث افتعلت مجموعة حرائق تحت بصر القوات التركية، في مواقع مختلفة مهمة من جبل الكورد، أسوأ تلك الحرائق طالت موقع جبل هاوار, جبال سارسين وشديا، وموقع حج حسنا وغيره، إضافةً إلى التحطيب المستمرّ لأشجار الغابات الطبيعية والمرزوعة، وتطاولت أياديهم المجرمة الى مجموعة أشجار معمرة نادرة منتشرة حول المزارات، وأغلبها من السنديان العادي والرومي التي تتجاوز أعمار بعضها /200/ سنة .
إن سكوت المجتمع الدولي عن احتلال منطقة عفرين وغض الطرف عن ممارسة مرتزقتها بحق البشر والشجر والحجر، تجعل المنطقة عرضةً لخطر كبير، من الناحية البشرية والبيئية، لذلك لابد للمجتمع الدولي ومنظمات حماة البيئة من القيام بدورها في وضع حدٍّ لتخريب بيئة عفرين الغنية بالأصول الوراثية لكثير من الأشجار والشجيرات.[1]