التغيير الديموغرافي في منطقة #عفرين# (رؤية قانونية)
المحامي حسين نعسو
مجلة الحوار- السنة 25- العدد /72/ -2018
نبذة تاريخية عن منطقة عفرين
عفرين تلك المدينة السورية التي تقع في أقصى شمال غرب سورية والتي تتميز بخصوصيتها الكوردية تاريخيا» حيث يشكل الكورد نسبة 95% من سكانها إلى جانب نسبة ضئيلة جداً من العرب الذين استقدموا إلي المنطقة في مراحل سابقة سوف نأتي إلى ذكرها لاحقا.
عفرين كمنطقة كوردية تتألف من سبع نواحي و 366 قرية ومزرعة إضافة إلى عفرين المركز ( شيه – جنديرس –معبطلي – راجو – بلبل –شران –شيراوا ) ويبلغ عدد سكانها وفقاً لآخر إحصاءات الحكومة السورية لعام 2010 حوالي /523/ ألف نسمة ووصل العدد بعد الأزمة السورية إلي حوالي المليون نتيجة لجوء عدد كبير من المواطنين السوريين من بقية المحافظات السورية هرباً من جحيم الحرب في مدنهم وطلباً للأمن والامان حيث وجدوا في عفرين ضالتهم لما كانت تتمتع بنسبة كبيرة جداً من الأمن والأمان مقارنة ببقية المدن السورية حيث احتضنهم الكورد في عفرين وتقاسموا معهم رغيف الخبز حتى أصبحت عفرين مدينة للتعايش الأخوي بين مختلف مكونات الشعب السوري العرقية والدينية.
وعفرين كمنطقة جغرافية تقع على سلسلة جبلية بمحاذاة الحدود السورية التركية حيث تبلغ مساحتها حوالي 2000 كم مربع و كانت تتبع تاريخياً لمملكة «الالاخ» التي تأسست قبل حوالي 2700 سنة في (سهل العمق) و تؤكد عدداً من المراجع التاريخية ككتاب (الشرق الأدنى القريب – أنطوان مورتكارت) بان قوم «مملكة «الآلاخ» كانوا من «الهوريين» , و «الهوريون» هم من الشعوب الجبلية و يعتبرون من أسلاف الكرد حيث يجمع المؤرخون بأنهم الطبقة الأولى من الشعب الكردي الحالي .
و يضيف الدكتور «محمد عبدو علي» أن «مملكة الالاخ» استمرت إلى العام 1500 قبل الميلاد عندما غزاها (الحثيون) , حيث حكمها(الحثيون) حوالي 300 عام و الذين سقط حكمهم على يد (الهكسوس) في العام 1200 قبل الميلاد تقريبا , و هنا يؤكد عالم الاثار ليونارد وولي _ صاحب حفريات الالاخ في كتابه ((آلالاخ – المملكة المنسية)) أن العنصر السكاني السائد في الالاخ كانوا من الهوريين.
جبل الأكراد/كرداغ كانت منطقة تتمتع بإدارة ذاتية في عهد الامبراطورية العثمانية ,Çiyayêkurmênc (عفرين الحالية)، حيث كانت هذه المنطقة لواءً ( سنجق) كوردياً مستقلاً تابعاً ل كلس التي كانت تخضع حسب نظام السناجقة ( الألوية) الكلاسيكي لسيادة وسلطة حلب، وكانت تسمى رسمياً بإقليم الأكراد، وكانت مصدراً مهما بالنسبة للعثمانيين لتزويدهم بالعسكر والجنود في حملات التجنيد التي كانت تصل إلى قرابة ألف رجل أحياناً.
وكانت عائلة جان بولات الكُردية (جنبلاط) تحكم كلس لعدة أجيال قبل أن يصٌبح علي جانبولات حاكماً لحلب، لكنه قام في سنة 1607م، بثورة ضد الدولة العثمانية انتهت بهروبه إلى لبنان، فيما احتفظ لواء (سنجق) «كلس» بأهميته كمصدر منتظم لتزويد الدولة بالعساكر حتى أواخر القرن 18، وتم تمثيل أكراد كلس لدى السلطات العثمانية كما باقي الاتحادات القبلية من قبل قائد محلي.
وبعد العام 1607 بقي الأكراد قاطنين لمناطقهم، والدليل على ذلك أن جميع الأسماء الجغرافية في منطقة «عفرين» من تسميات الأودية والجبال والقرى وغيرها هي أسماء كردية صرفة إلا بعض الاستثناءات الآرامية التي احتفظ بها الكرد من الأزمنة القديمة وربما يعتبر هذا دليلا قويا آخر على أن كرد منطقة عفرين لم يغادروا مناطق شمالي غربي حلب منذ أقدم الأزمنة.
أما اسم المنطقة المتعارف عليه بين الأهالي فهو وفقا ل» صلاح سينو» المجاز في الآثار كان «جيايي كورمينج» و أثناء الفترة العثمانية تم ترجمة الاسم بشكل حرفي إلى اللغة التركية و سميت ب»كرداغ» أي «جبل الكرد».
و أثناء فترة الجمهورية السورية كانت تسمى ب»جبل الكرد»، أما الاسم الحالي «عفرين» ووفقا للمجاز بالآثار الأستاذ صلاح سينو فان أقدم ذكر له جاء في وثيقة اشورية من عهد الملك اشور ناصر بك الثاني والمؤرخة في العام 876 ق. م حيث ذكرت المنطقة تحت اسم,,آباري,, وهو اسم النهر وذلك أثناء هجومهم على مملكة ,,آناكي,, الواقعة في سهل ,,باطان,, أي سهل ,, الجومة,, الحالي المتواجد في منطقة عفرين وكانت عاصمتها ,,كيناوا,,
فقد أنشأت المدينة الحديثة نسبيا عام 1925 م على يد الفرنسيين أثناء حكمهم لسوريا وغدت المدينة المنشاة حديثا مركزا إداريا لمنطقة «جيايه كورمينج».
ويقول المؤرخ «روزاد علي» أن الأمر الملفت للانتباه، انه لا توجد أي أثار إسلامية قديمة في منطقة «عفرين»، حيث أن أقدم المساجد التي بنيت في منطقة «عفرين» تعود إلى حوالي مائة عام.
مؤكدا أن ما يشير إلى عراقة الوجود الكردي المدني في عفرين، وجود دور قديمة في المنطقة يعود عمرها إلى حوالي 400 سنة، إضافة لمؤشرات ورموز كثيرة موجودة منفردة أو ضمن الآثار البيزنطية القديمة تشير إلى جذور قديمة للعنصر الكردي وأسلافه في منطقة عفرين الحالية وجبل الكرد عموما في قسميه. الشمالي في تركيا، والجنوبي في سوريا (منطقة عفرين) الحالية
هذا بالرغم من حملات التعريب العديدة التي استهدفت المنطقة من قبل الأنظمة المتعاقبة على سدة الحكم في سوريا وخاصة بعد استيلاء حزب البعث على السلطة في سوريا في الثامن من آذار لعام 1963 والتي اتخذت أشكالاً وأوجه متعددة بغية إحداث تغيير ديموغرافي فيها بقيت المنطقة محافظة على طابعها وخصوصيتها الكوردية الصرفة
التغيير الديموغرافي في عفرين:
للحديث عن التغيير الديموغرافي الذي أقدم على إحداثه دولة الاحتلال (تركيا) ومرتزقتها من الفصائل العسكرية في منطقة عفرين لابد بداية من الانعراج على البعض من المصطلحات والمفاهيم القانونية وتعريفها وكذلك التوصيف القانوني لجريمة التغيير الديموغرافي وفقاً للقانون الدولي وتسليط الضوء على إجراءات ومراحل التغيير الديمغرافي التي عاصرتها منطقة عفرين خلال الحقبة الماضية من حكم الأنظمة المتعاقبة على سوريا
– مفهوم أو تعريف التغيير الديموغرافي: هو ذاك التحول الذي يطرأ على البنيان والقوام السكاني لرقعة جغرافية ناجماً عن فعل أو أفعال إرادية من قبل جهة ما تجاه أفراد أو مجموعات تفقد إرادتها في ذلك التحول.
يتضح من خلال التعريف أعلاه بان التغيير الديمغرافي لا يمكن له أن يتم إلا إذا سبقه فعل إجرائي آخر من شانه التمهيد لذلك من قبيل نقل جماعة أو مجموعة سكانية من مكان ما والإتيان بجماعة او مجموعة سكانية أخرى لتحل محلها، وهذا الفعل أو الإجراء يسمى ب التهجير أو النقل القسري.
مفهوم أو تعريف التهجير أو النقل القسري: يعرّف التهجير القسري بأنه «ممارسة ممنهجة تنفذها حكومات أو قوى شبه عسكرية أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعات عرقية أو دينية أو مذهبية بهدف إخلاء أراض معينة وإحلال مجاميع سكانية أخرى بدلا عنها».
ويكون التهجير القسري إما مباشرا أي ترحيل السكان من مناطق سكناهم بالقوة، أو غير مباشر، عن طريق دفع الناس إلى الرحيل والهجرة، باستخدام وسائل الضغط والترهيب والاضطهاد. وهو يندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
ووفق ما ورد في نظام روما الإنساني ل المحكمة الجنائية الدولية، ,لعام 1998 في المواد ( 8,7,6) فإن «إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين يشكل جريمة ضد الإنسانية».
كما أن المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والبروتوكولان الملحقان بها لعام 1977 حظرت النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص، أو نفيهم من مناطق سكناهم إلى أراض أخرى تحت طائلة ارتكاب جرائم حرب، إلا في حال أن يكون هذا في صالحهم بهدف تجنيبهم مخاطر النزاعات المسلحة.
والتهجير القسري غالباً يأتي كنتيجة لنزاعات داخلية مسلحة أو صراعات ذات طابع ديني أو عرقي أو مذهبي أو عشائري، ويتم بإرادة أحد أطراف النزاع عندما يمتلك القوة اللازمة لإزاحة الأطراف التي تنتمي لمكونات أخرى، وهذا الطرف يرى أن مصلحته الآنية أو المستقبلية تكمن في تهجير الطرف الآخر، ويحصل التهجير في حالة وجود طرف يهدد مجموعة سكانية مختلفة بالانتماء الديني أو المذهبي أو العرقي بعدم البقاء في مدينة أو منطقة أو بلد ما.
إن عملية التهجير القسري وعمليات الإبادة الجماعية يتطابق مع ما نصت عليه المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة «اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية» التي أقرتها الأمم المتحد في 9 كانون الأول/ديسمبر عام 1948 وأصبحت سارية المفعول في 12 كانون الثاني/يناير عام 1951، والتي تعتبر الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية بمثابة إبادة جماعية:
أ – قتل أعضاء من الجماعة.
ب – إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
ج – إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً.
د – فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
ﮪ – نقل أطفال من الجماعة عنوة، إلى جماعة أخرى.
ولقد تعاملت محاكم دولية عديدة منذ محاكمات نورمبرغ مع التهجير القسري للسكان المدنيين باعتباره جريمة ضد الإنسانية. على سبيل المثال، في قضية “نيكوليتش” عام 1995، حكمت المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة أنه يمكن اعتبار التهجير القسري انتهاكاً جسيماً لاتفاقيات جنيف وجريمة ضد الإنسانية في الوقت نفسه
– تعريف او مفهوم الإبادة الجماعية: هي الجرائم المرتكبة بسبق نيّة وترصد بغرض التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو قومية أو دينية إمّا من خلال قتل أفرادها، أو إلحاق ضرر جسدي أو نفسي جسيم بحقهم، أو إخضاعهم عمداً لظروف عيش قاهرة، أو فرض تدابير تحول دون تكاثرهم، أو من خلال نقل أطفال الجماعة عنوةً إلى جماعة أخرى.
– تعريف أو مفهوم الاستيطان: عملية إسكان واسعة في أرض دون رضى أصحابها، بغرض تغيير التركيبة الديموغرافية للرقعة الجغرافية المستهدفة.
مراحل التغيير الديموغرافي في منطقة عفرين
1-مرحلة الوحدة بين مصر وسوريا:
حيث صدر القانون رقم 161 لعام 1958 باسم قانون الإصلاح الزراعي وبموجبه تم استملاك آلاف الهكتارات من الأراضي من ملاكي منطقة عفرين من الإقطاعيين وتم توزيعها على عائلات عربية تم استقدامها من مناطق سورية أخرى حيث تم إنشاء مستوطنات لهم على ضفاف نهر عفرين في الحدود الإدارية لمنطقة جنديرس.
2- مرحلة حكم البعث ابتداءً من 1963
حيث تم اتباع سياسة الإهمال المتعمد للمنطقة من قبل سلطات البعث من قبيل الامتناع عن بناء المصانع والمعامل وإقامة المشاريع الاقتصادية والصحية والخدمية فيها بغية الدفع بسكانها لمغادرتها بحثاً لهم عن لقمة العيش في المدن السورية الكبرى كدمشق وحلب (نقل مشفى عفرين إلى إعزاز مثالاً).
– القانون رقم 41 لعام 2004 وتعديلاته المرسوم 49 لعام 2008 المتعلق بضرورة الحصول على الترخيص القانوني في المناطق الحدودية.
إذ تم بموجبها فرضت السلطات الحاكمة على كل من يرغب بنقل ملكية عقار على اسمه في منطقة عفرين بضرورة الحصول على الترخيص القانوني من وزارة الداخلية الأمر الذي كان يخضع لإجراءات أمنية صارمة غالبا ما كنت تنتهي بالرفض فيما إذا كان الجهة طالبة الترخيص من القومية الكوردية بينما كان الأمر على العكس تماما لو كانت الجهة المشترية للعقار هي من العرب الوافدين والمستوطنين في المنطقة حيث يتم الترخيص لهم مباشرة كنوع من التشجيع لهم للقدوم الى عفرين والتوطين فيها وذلك بهدف احداث تغيير ديموغرافي في المنطقة.
عمليات التحديد والتحرير
حيث وبموجب عمليات المسح الجغرافي والتحديد والتحرير التي بدأت في منطقة عفرين بعد عام الألفين للميلاد تم الاستيلاء على ألاف العقارات الزراعية العائدة للمواطنين الكورد في منطقة عفرين وتسجيلها باسم أملاك الدولة بحجة ملاصقتها للأراضي الحراجية أو لكونها تحتوي على أراض حراجية أو بحجة عائدية ملكيتها للدولة.
مرحلة ما بعد الأزمة السورية عام 2011
حيث وبسبب الحرب الطاحنة التي عصفت بالبلاد ترك الآلاف من المواطنين السوريين لمنازلهم وديارهم في المدن التي كانت تشهد أحداثاً دامية بين النظام والمعارضة المسلحة حيث استقر الحال بأكثر من 300 ألف مواطن عربي من مختلف المحافظات السورية في منطقة عفرين التي كانت تشهد استقراراً أمنياً في ظل حكم الادارة الذاتية الديمقراطية حيث وجدوا ضالتهم في الأمن والأمان هناك ودفع بالبعض منهم الى الاستقرار فيها وفتح مشاريع اقتصادية لهم مما أثر سلباٍ على نسبة التوزع السكاني في المنطقة ما بين الكورد والعرب.
3- مرحلة حكم الاحتلال التركي
التي بدأت مع إعلان العدوان التركي على منطقة عفرين في 20-01-2018 تحت مسمى (غصن الزيتون) والذي انتهى باجتياح واحتلال منطقة عفرين في 18-03-2018 بعد مقاومة بطولية ومشرفة خاضتها وحدات حماية الشعب والمرأة دامت ما يقارب الشهرين، حيث تعتبر هذه المرحلة من اخطر المراحل التي شهدتها منطقة عفرين عبر التاريخ من حيث استهدافها الممنهج لتغيير ديموغرافيتها السكانية القومية حيث عمد الاحتلال التركي ومن خلال أدواته من الفصائل العسكرية العربية المرتزقة التابعة للائتلاف السوري الى استهداف الوجود الكوردي التاريخي في منطقة عفرين بغية إحداث تغيير ديموغرافي فيها من خلال تهجير سكانها الكورد الأصليين من خلال قصف قراهم بالدبابات والمدافع وتدميرها وإطلاق العنان للفصائل المرتزقة بارتكاب ابشع الجرائم بحق البشر والشجر والحجر في منطقة عفرين من قتل واعتقال واختطاف واغتصاب وسلب ونهب وطلب للفدية وحرق للأشجار والغابات وقطع للأشجار المثمرة بغية القضاء على سبل الحياة والعيش في المنطقة لإكراه وإجبار سكانها على التهجير القسري والمغادرة والذي تزامن مع استقدام دولة الاحتلال لآلاف المسلحين مع عوائلهم الذين رفضوا عمليات التسوية مع النظام في كل من ريفي دمشق وحمص وتم توطينهم في منازل المدنيين الكورد المهجرين قسراً والذين يقارب أعدادهم من 300 ألف مواطن موزعين في مخيمات اللجوء في مناطق الشهباء وقرى شيراوا وحلب وكوباني والجزيرة حيث يمنع الاحتلال التركي عودتهم الى ديارهم إضافة إلى المخاطر المحدقة بحياة الآلاف منهم والتي تحول دون عودتهم نتيجة إدراج أسمائهم على قوائم المطلوبين من قبل الاحتلال لكونهم من أنصار وموظفي الإدارة الذاتية ومن ذوي عائلات المقاتلين الكورد والشهداء.
حيث بلغ نسبة المستوطنين العرب في منطقة عفرين ما يقارب من 30-40% من مجموع السكان في المدينة عفرين وقراها وفي البعض من القرى الى أكثر من 90% مثل روتان التابعة لناحية معبطلي ودرويش التابعة لراجو وبعرافا التابعة لشرا.
بالتأكيد لا نملك إحصائية دقيقة عن المستوطنين وأعدادهم وخريطة انتشارهم في قرى منطقة عفرين نظرا للمخاطر التي تستهدف الجهات التي تقوم بتوثيق ذلك ولعدم سماح الاحتلال بوجود أجهزة إعلام وصحافة دولية في عفرين بغية التستر على جرائمه وانتهاكاته اليومية بحق سكان عفرين ولكن سوف نقوم هنا بسرد عينة وأمثلة من القرى التي طالها عمليات التعريب والتتريك والتغيير الديمغرافي وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
– في بداية يونيو / حزيران، وضمن استمرار عمليات التغيير الديمغرافي التي تجري برعاية واشراف تركي مباشر في عفرين، وطّن جيش الاحتلال التركي 40 عائلة أخرى للمرتزقة في قرية كاخرا بناحية موباتا في عفرين.
حيث أفاد مصدر موثوق من قرية كاخرة في ناحية موباتا بأن جيش الاحتلال التركي ومرتزقته، وطّنوا 40 عائلة أخرى للمرتزقة من الغوطة الشرقية في القرية.
وأشار المصدر أنه تم إسكانهم في منازل بعض الأهالي الذين خرجوا قسراً من القرية بعد عدوان جيش الاحتلال التركي على عفرين وهم (مصطفى سليمان، قاز قلي سليمان، أحمد جيروا، ديان إيمو، محمد وقاص، فهيم وقاص، حنيف عزت رشيد، صادق عزت رشيد، جوان صادق رشيد، محمد محمد شيخ خليل، فريد حسو، رشدي حسو، صلاح ايمو). ومنازل عدد من العائلات الأخرى.
– في منتصف يونيو / حزيران، منعت عائلات مستوطنة قادمة مع الجهاديين السوريين المرافقين لقوات الاحتلال التركي في عفرين، السكان الكُرد الأصليين في قرية «ميدانكي» التابعة لناحية «شران» من العودة إلى ديارهم.
وقال مصدر محلي أن الحجة في عملية المنع تلك، هي أن من يسمون أنفسهم «عوائل الشهداء»، والمقصود بهم عوائل قتلى الجهاديين السوريين، قد قطنوا في منازل العائلات الكُردية ضمن القرية.
وذكر مصدر آخر، أن نساء العائلات المستوطنة القادمة من أرياف دمشق، تسيء إلى النساء الكُرد، ويوجهن لهن عبارات نابية، كما يقلن: «شو عم تعملوا بيناتنا».
ووفقاً للمصدر، فإن قرابة 100 عائلة كُردية من السكان الأصليين فقط تمكنوا من العودة، من مجموع عدد عوائل القرية الأساسي البالغ قرابة 700 عائلة، فيما يستوطن في القرية مجموعة كبيرة من عوائل جهاديي «فيلق شآم»
– وفي الثامن و العشرين من يونيو / حزيران، خرج مستوطنو الغوطة الشرقية وحمص في عفرين شمال سوريا، في تظاهرة احتجاجية أمس الجمعة، على خلفية دعوة ما يسمى بالمجلس المحلي المشكل من قبل تركيا لإخراج المستوطنين من منازل سكان عفرين وإعادتها لأصحابها.
وقال ناشطون إن المستوطنين من الغوطة الشرقية وريف حمص تظاهروا وسط ناحية معبطلي بعد ظهر الجمعة، ورفعوا شعارات تندد بقرار إخراجهم من الناحية وتسليم المنازل التي استولوا عليها لأصحابها ورددوا «ما رح نطلع ما رح نطلع»، مطالبين بتأمين منازل لهم.
– وتتواجد مئات العوائل المستوطنة على اقل تقدير في ناحية معبطلي، إذ تقيم تلك العائلات في منازل الأهالي الكُرد المهجرين قسراً إلى ريف حلب الشمالي (مقاطعة الشهباء) بعد الاستيلاء على منازلهم وسرقة محتوياتها، بحجة أنها منازل عائدة لعائلات مقاتلي وحدات حماية الشعب أو مقربين من الإدارة الذاتية سابقاً.
بعد هذه المقدمة والنبذة التاريخية عن منطقة عفرين ومراحل التغيير الديموغرافي فيها وتسليط الضوء على المواد القانونية التي تتناول جريمة التغيير الديموغرافي والتوصيف القانوني لها وفقا للقانون الدولي الإنساني.
أخيراً نستطيع القول بان أهمية عفرين التاريخية كمنطقة كوردية صرفة وموقعها الجيوسياسي وإدارتها الذاتية التي كانت تدار من قبل سكانها الكورد الأصليين كانت الهدف الرئيسي للعدوان التركي عليها وليس كما حاولت تركيا التسويق لها بأنها تستهدف محاربة الإرهاب لحماية امنها القومي.
فقد كان الهدف الأول من الاجتياح التركي هو القضاء على مكتسبات الكورد ومنجزاتهم في عفرين وإحداث تغيير ديموغرافي سكاني قومي فيها من خلال تهجير سكانها الأصليين من الكورد واستقدام عوائل عربية وتركمانية إليها من ريفي دمشق وحمص والمعروفة بولائها وتبعيتها لتركيا.
حيث عمدت تركيا كدولة احتلال إلى إطلاق العنان لمرتزقتها من الفصائل العسكرية المسلحة التابعة للائتلاف الوطني السوري بارتكاب كل الموبقات والجرائم بحق المدنيين الكورد من قتل وخطف واعتقال وطلب للفدية واغتصاب وانتهاك للأعراض وقطع وحرق للغابات والاشجار بغية القضاء على سبل الحياة والمعيشة في المنطقة وإكراه وإجبار من تبقى من الكورد لمغادرة ديارهم وتهجيرهم لمنطقة عفرين وهذا ما يتطابق تماماً مع صريح نص المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية التي وقعتها الأمم المتحدة في 09-12-1948 خاصة الفقرة الثالثة منها والتي تنص على (إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً). وكذلك فإن منع الاحتلال التركي ومرتزقته السكان الكورد المهجرين قسراً بفعل العدوان التركي وقصف قراهم والموزعين في مخيمات اللجوء في مناطق الشهباء من العودة إلي ديارهم ووضع العراقيل أمام عودتهم والمخاطر المحدقة التي تستهدف الآلاف منهم في حال عودتهم لكونهم مطلوبين من قبل دولة الاحتلال بسبب صلاتهم بالإدارة الذاتية السابقة وانتمائهم الى عوائل القوات الكوردية وشهداء مقاومة عفرين فانه يشكل جريمة التهجير القسري بدلالة المادة (49) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام م1949 والتي ترتقي الى مصاف الجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
حيث أن هناك ألاف الجرائم والانتهاكات التي ترتكب بمنطقة عفرين بحق المدنيين الآمنين من قبل سلطات الاحتلال التركي بشكل يومي والتي تتسرب إلى وسائل الإعلام المختلفة عبر جهود نشطاء محليين يقومون بالتوثيق بالرغم من مخاطر ذلك على حياتهم نظرا بسبب فرض الاحتلال حظراً على دخول وسائل الإعلام إلى المنطقة بغية التعتيم والتستر على الجرائم التي ترتكبها قواته.
كل تلك الجرائم تندرج تحت يافطة وبنود جرائم الإبادة الجماعية وجرائم حرب والتي يتوجب على المجتمع الدولي القيام بواجبه الأخلاقي من خلال تحويل ملف الجرائم التي يرتكبه الاحتلال التركي في منطقة عفرين إلي محكمة الجنايات الدولي بغية محاكمة ومعاقبة الجناة على غرار محاكم نورمبرغ ويوغسلافيا السابقة ( قضية نيكوليتش 1995) بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية نظراً للانتهاك الجسيم لتلك الجرائم لاتفاقية جينيف الرابعة 1949م حتى تأخذ العدالة مجراها وتعاد الثقة بالهيئات الدولية كمجلس الامن وتحظى بالمصداقية لدى شعوب العالم.
————-
المصادر:
– القانون الدولي الإنساني.
– مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
– جبل الكرد- الدكتور محمد عبدو علي.
– تقارير إعلامية للإعلامي احمد قطمة وموقع ادار برس.[1]