السيدة الثانية فهي هيلين كروليش فتاة جيكية الأصل، تزوّجها الشهيد قاسملو في بداية الخمسينيات، وأصبحت رفيقة دربه ونضاله، و قد أطلق عليها الراحل جلال الطالباني الاسم الكُردي ( نسرين) حيث خاطبها قائلاً: (سيكون اسمك نسرين، ونسرين اسم وردة بيضاء توجد في الجبال، وأنتِ وجهك أبيض وقادمة إلينا من الجبال ) – من كتاب لهيلين نفسها ص- 207، وقد واجهت هيلين صعوبات جمة في بداية حياتها من اليتم والفقر، وغير ذلك من الصعوبات التي لم تستطع أن تمنعها من إنهاء دراستها الجامعية، وفي إحدى الاحتفالات الجامعية تعرّفت على شاب سياسي محنّك، ذكي يجيد أكثر من لغة لدرجة وبإتقان حتى أنها لم تكتشف، من لكنته، بأنه كُردي ومن بلد شرقي..
وأصبحت فيما بعد شريكة حياته التي أحبّته منذ لحظة تعارفهما، وبعد أن أدركت أنّ زوجها قد قاده القدر ليقود نضال شعبه من أجل التحرر والديمقراطية والسلم والمساواة في وجه واحدة من أسوأ السلطات في العالم، أحبّت هي أيضاً قضية شعب شريك حياتها، وخاضت غمار النضال السياسي إلى جانب رفاق حزبه، وتحمّلت مخاطر الحياة السياسية السرِّية معه وفي غيابه.. أجل: لقد عرفت في أوساط الشعب الكُردي بالسيدة نسرين قاسملو ، وكانت فعلاً أنموذجاً للزوجة الوفية إن لعائلتها أو قضية الشعب الكُردي ..
أنجبت بنتين هما هيوا و أوات، وشاركت الشهيد في نضاله وغادرت إيران قبل الشهيد إلى السليمانية ومن ثم بغداد ومنها سراً إلى دمشق، فتشيكوسلوفاكيا الشيوعية سابقاً بواسطة جواز سفر أخرجه لها أصدقاء الدكتور في النجف بواسطة أصدقاء للدكتور باسم مديحة كاظم .
لقد كانت نسرين هذه الوردة البيضاء الناصعة تعرف الكثير من الخفايا في حياة زوجها، وتدرك بقوة بأنه مشروع شهادة حتمي من أجل قضية شعبه، وكانت على اطّلاعٍ كبير بخفايا ودسائس حكم الشاه، وكمثالٍ عما حدث من قيام ما يسمّى بالثورة الإسلامية الخمينية، حينما وضع اليسار الكُردستاني ممثلاً بحركة «كوملا» المنشقّة عن الحزب الديمقراطي الكُردستاني يده مع بقية الأحزاب اليسارية في إيران للانقلاب على الشاه والإتيان بنظام الخميني تعويلاً على أمل أن يحقّق لهم بعضٍ من تطلعاتهم في الحكم الذاتي مثل كلّ القوميات غير الفارسية في إيران.
وهو ما حدث عكسه حيث لا بل ومنع الرموز الكُردية مثل قاسملو من المشاركة في صياغة دستور البلاد الجديد، وفوق ذلك استخدمت إيران الخمينية أكرادها كوقود في حربها الطويلة مع العراق، وبعيد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، استخدمت يدها الآثمة في اغتيال قاسلمو الذي كان يمثّل لأكراد إيران رمزاً كبيراً من رموزهم المثقفة والمحترمة مع اثنين من رفاقه، حينما أمطرتهم بوابل من الرصاص، وهم جالسون على طاولة المفاوضات في فيينا، الأمر الذي أحدث صدمةً في العالم الحرّ بأسره، وأثبت بالتالي أنّ نظام الخميني نظام غدّار، لا يؤتمن جانبه ولا يؤخذ بوعوده وتعهداته.
وقد قيل إنّ نظام الخميني كان يشعر دائما بخطورة قاسملو ؛لأنّ فكرة إحياء «جمهورية مهاباد» كانت مستقرة في ضميره دوماً ، خصوصاً وأنه قام بمحاولةٍ من أجل هذا الهدف في عام 1978 حينما قاد نحو عشرين ألفاً من قوات البيشمركة، تمكّن بها من السيطرة على ثماني مدن وعشرين بلدة كُردية ..
بقلم: لیلی قمر. [1]