#فؤاد حمه خورشيد#
المرأة في أي مجتمع هي نصفه ، وهي كذلك التي تنتج النصف الأخر . اعباؤها لا تقل عن اعباء الرجل اليومية والحياتية ، بل قد تفوقها في بعض المجتمعات والحضارات ، ولعل المرأة الكوردية هي واحدة من هذه النساء ، فلأن الكوردي في بيئته الفلاحية مضطر للعمل اليومي الشاق ضمن بيئته الجغرافية القاسية، فهو بحاجة ماسة إلى عون كل أفراد أسرته، وبخاصة زوجته، ومن هنا برزت وحدة وتماسك الأسرة الكوردية، ومن خلالها بروز دور المرأة في الأسرة والمجتمع الكوردي كأحد أقطاب التربية والتوجيه والإدارة المنزلية والاجتماعية. وهذا ما عرفه الرحالة والكتاب الذين زاروا كوردستان في القرن التاسع عشر الذين أشادوا بدور المرأة وحريتها في الحياة الاجتماعية الكوردية. يقول فردريك ملنجن (عام 1870): من بين الكورد تبرز المرأة الكوردية لتعمل كل شيء، فهي تهيئ الوجبات، وتهتم بالأنعام، وتحلب القطيع. وهي الوحيدة المتخصصة بالنسيج وحياكة الصوف والسجاد والفرش والخيام وبقية أنواع الأنسجة التي تتباهى بها البلاد، كما رأيت نساء تسوس الخيول، ويسرجن الخيول لأزواجهن، ومن خصالهن الرفيعة مشاطرة الرجال في الثبات والقرار ومسؤوليات وواجبات القبيلة، وكان عليها أن تستقبل، في حالة غياب زوجها عن البيت، الضيوف من دون أن تبدي ذلك الاستحياء المزيف الذي تبديه نساء الأقوام الأخرى المجاورة للكورد. ونتيجة لهذا الطبع الواضح والصريح، والحياة الحرة الطليقة كما يقول (سون) أصبحت اللغة الكوردية، تبعاً لذلك، تخلو من كلمة دالة على (بغي prostitute) لأنها كلمة غريبة لا تتوفر إلا في الحواضر.
أما مقام المرأة الكوردية في المجتمع الكوردي فقد قيمه الرحالة البريطاني ريج عام 1820 بقوله : ( إن مقام النساء في كوردستان هو أفضل بكثير من مقام النساء في تركيا وإيران وأعنى بذلك أن أزواجهن يعاملونهن على قدم المساواة ، إنهن يسخرن من خضوع النساء التركيات خضوع العبيد ويحتقرنهن)
أما مكانتها المرموقة في المجتمع فقد أشارت إليها العديد من المصادر بما خلاصته: أن المرأة الكوردية تتمتع بشكل واضح بحرية أكثر من نساء الشعوب المجاورة للكورد كالفرس والعرب والترك. فهي لا تعرف الحجاب بل وتمتاز المرأة الريفية منهن بقدرة بدنية عالية تمكنها من الإتيان بأعمال ثقيلة ، وهي في كل طبقات المجتمع تتمتع باحترام فائق ويستمع لكلامها ، فهي قد تتبوأ قيادة القبيلة‘ وتتولى قيادتها بنجاح وكذلك بالنسبة للنساء الحضريات في مجالات التعلم والإدارة.
ولما كانت الظروف الطبيعية تضطر الرجل لآن يبقى معظم ساعات النهار في حقوله الجبلية أو في الوديان النائية بعيدا عن المنزل, فقد أوقع ذلك على الزوجة أعباء مسؤولية الاقتصاد المنزلي, فضلا عن تربية الأطفال, كل ذلك منحها ثقة الرجل المطلقة في تحمل مسؤولية البيت أثناء ساعات غيابه الطويلة, فخلق ذلك لها مكانة مرموقة ومتميزة ,ليس في قلب زوجها وحسب ,بل نالت احترام وطاعة كل أفراد أسرتها.
يشير هوراتيو الى دور المرأة المحترم في الأسرة الكوردية من خلال مراقبته لسلوك إحدى الأسر الكوردية التي استأجر عندها غرفة للإقامة عام 1840 قائلا:- (كانت العائلة الكوردية التي تسكن الغرفة في الجانب الآخر من البيت تتبادل الحديث الشيق طوال المساء , وقد بدا لي ، من ذلك الحديث ، المكانة السامية للنساء الكورديات داخل أسرهن، مقارنة بمكانتها في العائلات التركية والفارسية ، والتي مثلت لدي, في الحقيقة ، إحدى ظواهر الشرق النادرة التي ذكرتني بالعالم الغربي، واعني بذلك وبشكل خاص ، حريتهن وتصرفهن العائلي غير المتكلف في تبادلهن الحديث مع أزواجهن بشكل متساو وأحيانا بكبرياء سلطوي . وكان يبدو لي على الدوام وجود ثقة متبادلة وتعاطف كامل بين أهل الدار في المجتمع الكوردي أكثر مما عند جيرانهم المحيطين بهم . ولما حان وقت سفري قدمت أجور الخدمة لصاحب الدار لكنه سلم النقود في الحال لزوجته ، ففي مثل هذا السلوك الراقي الذي لمسته, فأن الزوجة كانت تمثل, عند ذلك الرجل , أمين صندوق لتلك الأسرة الكوردية ).
والمرأة الكردية ، ان سمح لها ، فهي أيضا مقاتلة من طراز خاص وغير هيابة وملهمة للروح الحماسية لأخيها الرجل في المعارك.وان مشاركتها في القتال ليست بظاهرة غريبة في التاريخ الكوردي . ففي عهد الحكومة الزندية الكوردية في إيران (1750-1794 ) سمحت هذه الحكومة الكوردية للنساء الكورديات بالانخراط في القتال مع أزواجهن ضد الهجمات التي كانت تتعرض لها دولتهم من قبل الأفغان, بغية زيادة عدد المقاتلين. وقد استمر دور النساء في هذا المجال حتى بين صفوف الحركة القومية الكوردية حتى الوقت الحاضر واثبتن جدارة وكفاءة متميزة .
مما تقدم يمكن القول في هذا المجال ، صحيح ان المرأة الكوردية هي الأخرى تشكل نصف المجتمع الكوردي ، لكنها في نفس الوقت هي التي تنجب النصف الآخر وتربيه ، وبذلك تكون المرأة الكوردية في واقع حال المجتمع الكوردي وتطوره إحدى دعائم ذلك المجتمع حتى في أوقات الأزمات والحروب ، ففي الوقت الذي يخوض فيه زوجها، أو أبوها، أو أخوها القتال لصد العدوان، تكون هي الأخرى قد اتخذت من الكهوف، أو المنعطفات الجبلية ، أو الحفر الكبيرة بيتا لها ولأبنائها متحملة مسؤولية شؤونهم جميعا لتضمن بذلك المعنويات العالية للرجل في ساحات الوغى ولتضمن له الاطمئنان على سلامة أهله وعرضه لحين انفراج الأزمة بالنصر , أو بالانسحاب من ذلك الموقع إلى مواقع جبلية أكثر أمنا ومنعة . وبذلك تصبح معاناتها، في الأزمات القومية، لا تقل عن معانات أخيها ألرجل . وبذلك فهي الأخرى مناضلة واجهت الأزمات بطريقتها الخاصة، وبتحديها ،وبصمودها الذي لا يقل جدارة عما يمتاز به الرجل الكوردي في هذا المجال .[1]