#فؤاد حمه خورشيد#
هناك فرق بين المزاج السياسي الشخصي للفرد ، والتوجه السياسي للحزب ، والسلوك السياسي للدولة . فليس كل ما يخطر ببال السياسي تنفذه الدولة ، ولا كل ما يريد ويطمح اليه الحزب يمكن ان تطبقه الدولة بسلاسة ، لأن الدولة هي الاخرى كائن سياسي يعيش في بيئة دولية جيوبولتيكية لها قيودها ، وشروطها ، ونظامها محددة لنشاطها الدولي متمثلة بالمجتمع الدولي ، أي الامم المتحدة ، ومجلسها ، ونظامها، وقراراتها .
وعلى ضوء ماتقدم فإن الدولة ذات السيادة، تتصرف بعلاقاتها في البيئة الدولية وتتحرك وفقا لنظام هذه البيئة ،وشروطها ،وقوانينها ، سواء كانت تلك العلاقة مع دول جوارها الجغرافي القريب ، أو مع الدول القارية البعيدة عنها ، على ان يكون تحركها منسجما مع ظروفها ، وامكاناتها ، وقدراتها ( الطبيعية، والبشرية ، والاقتصادية ، والتكنولوجية ) التي تحدد سلوكها الستراتيجي مع دول محيطها الجيوبوليتيكي القريبة والبعيدة على حد سواء . وينطبق هذا الحال على الاقاليم الفدرالية ، او الكونفدرالية ضمن الدولة ذات السيادة ، بالحدود التي يرسمها لها دستور بلدانها .
وجيوبولتيكيا يجب على الدولة ، وهي تصوغ سياستها الخارجية ، أن لا تدرس امكاناتها الذاتية وحسب ، بل عليها ان تدرس ايضا البيئة السياسية والعسكرية الخارجية ( للدول) المحيطة بها ، أوالتي تتعامل معها عند تحديد ستراتيجيتها الخاصة بعلاقاتها الدولية ( ). ان معرفة الدولة بواقع حالها الجغرافي والبشري والاقتصادي ، فضلا عن معرفتها بالبيئة الدولية هو الذي سيحدد سلوكها السياسي مع عالمها الخارجي ، فالسلوك السياسي لأي بلد هو انعكاس لتاريخ ذلك البلد ،وان تاريخ البلد في جزء كبير منه هو نتاج وضعه الجغرافي ( )، شريطة اخذ العبر من اخطاء الماضي .
إن الجيوبوليتيكس هو إسلوب منطقي لتحليل تأثير الجغرافية على السياسة ، والسياسة الخارجية ، والعلاقات الدولية معا ، وهذا التعريف الموجز يثيرالمزيد من الشروحات والتوضيحات . فالسياسة الدولية وعلاقاتها ، لا تتوقف على تحركات وعلاقات الدول ذات السيادة فوق المسرح الدولي فقط ، بل هناك عناصر وقوى تتحرك ، ويتم التعامل معها في خظم تلك العلاقات ، رغم كونها ليست دولة ، ولا تتمتع بسيادة كالتي تتمتع بها الدولة كالمنظمات ، والشركات ، والاحزاب ، ومناطق الإدارة الذاتية، والقوميات، وحركات التحرر، واثنيات ليس لها دولة ، سواء أكان ذلك التعامل سريا أو علنيا .
لواعتبرنا ان العلاقات الدولية هي لعبة ، فإن ممارسوا هذه اللعبة هم اللاعبون، واللاعبون في العلاقات الدولية هم الدول . وكل دولة تحاول في هذه اللعبة ان تفوز بشيئين : اولا : الحفاظ على بقاء وسلامة نظامها . وثانيا : ان تكسب المزيد من عناصر القوة والرفاهية وفقا لستراتيجيتها مع بقية اللاعبين .
والشئ المهم في العلاقات الدولية في النهاية هو الجيوبوليتيكس ، فاذا كان اللاعبون ( الدول) يلعبون فما هي طبيعة اللوحة ، او الخارطة ، او مسرح العمليات الذي يلعبون عليه لعبتهم ، او المسرح الجغرافي للعبة ، أي بعبارة ادق الاقليم الجيوبوليتيكي للعبة ؟ .
فالمعرفة الجيدة لخصائص الاقليم الجيوبوليتيكي لبلدان كل اللاعبين تمكن المحللين الستراتيجيين من تقديم تنبؤات حول كيفية تصرف الدولة في المستقبل بناء على القيود او المحفزات الجغرافية. وهذا يعني جيوبولتيكيا ان على الدولة ان تلعب لعبتها مع الدول الاخرى ، وفقا لقواعد ومحددات جغرافيتها ، عند ذاك يكون بامكانها ان تتخذ قرارات ، وتعقد اتفاقات ومعاهدات تضمن بقائها وتعزز قوتها وصداقتها مع الاخرين وفقا لامكاناتها وقدراتها ومصالحها ووضعها الجغرافي . والجغرافيا هنا لا تعني فقط الموقع الجغرافي والمقومات الطبيعية والسكانية والاقتصادية للدولة ، وانما تعني ايضا درجة انسجام السكان (افرادا واحزابا)مع ادارة وقيادة الدولة وتنفيذ مصالحها القومية العليا، وتماشيها مع توجيهاتها وتطبيق ستراتيجيتها ، وخلوها من مراكز القوى الداخلية المعرقلة لرسم علاقاتها مع الدول الاخرى ، كالرتل الخامس ، والتكوينات السكانية الداخلية الناقمة . وينطبق هذا الوضع على اللاعبين كبيرهم وصغيرهم على حد سواء .
ويرتبط السلوك السياسي لاقليم كوردستان ، بناء على ما تقدم ، بهذه المعايير الجيوبوليتيكية ، رغم كونه اقليما فدراليا داخل دولة ، وليس دولة مستقلة ، وغير ذي سيادة ، بل يتبع لدولة تحتكر تلك السيادة . فالنظام الدولي لا يتعامل إلا مع ما يتوافق ومصالح الدول صاحبة السيادة مهما بلغت مشاكلها الداخلية من تعقيد ، وتبعا لذلك فإن اية ممارسة خارجية ، أو داخلية لحكومة الاقليم ، لا ترضاها أو ترفضها حكومة المركز الفدرالية، ستقابل بترحاب وتاييد من دول الجوار الجغرافي ، المتهيبة من الاقليم الكوردي الفدرالي ،وستتحرك الدول الاخرى وفق ذلك ايضا حفاضا على مصالحها في تلك الدول ، رغم كل ما يتمتع به الاقليم وقيادته من احترام وعلاقات طيبة معهم ، كما حدث بعد اجراء الاستفتاء العام في الافليم في 25-07- 2017 ، والذي افرز على ضوء ماتقدم ، وبعد 21 يوما بعد الاستفتاء ، مؤامرة 16 تشرين الاول .
جيوبولتيكيا يواجه الاقليم في سياسته الخارجية اربع عقبات أساسية هي : 1- المخاطر الداخلية . 2- تهديدات دول الطوق الخارجي . 3- طبيعة العلاقة مع بغداد . 4- المجتمع الدولي ( الأمم المتحدة ومجلسها ).
1- تتمثل التهديدات الداخلية بالخطأ الستراتيجي الذي اتخذته القيادات الكوردية سابقا ،وذلك بتقسيم الاقليم الى ادارتين شمالية (دهوك واربيل) للحزب الديمقراطي الكوردستاني ، وجنوبية( السليمانية وكه رميان) تتبع لقيادة الاتحاد الوطني الكوردستاني سابقا كنتيجة لحل ازمة الاقتتال الداخلي . وقد جر هذا التقسيم الى وجود قوتين متنافستين تنظيميا وعسكريا الى حد ما ، سواء على صعيد الانتخابات ، او على صعيد القرارات الستراتيجية والمصيرية كما جرى في حالة الاستفتاء في 25-09-2017 ، وفي 16-10-2017 من تمرد لنصف قوات البيشمه ركة وعصيانها لاوامر حكومة الاقليم ، والتي ادت الى انسحاب ادارة الاقليم عن حوالي 40% من مناطق ادارتها في سنجار وكركوك وخانقين وغيرها .
ان وجود مراكز قوى ( على نطاق أحزاب كاملة أو أجنحة من احزاب)، لديها القدرة على تحدي سلطة وادارة الاقليم هو اكبر معوق داخلي لاية سياسة حرة تتخذها حكومة الاقليم مع محيطها الخارجي ، ومع الحكومة الفدرالية ببغداد على حد سواء ، بل وحتى في تطبيق وتنفيد قراراتها وخططها التنموية الداخلية . لأن مراكز القوى تلك ما دامت لا تلتزم بقرارات واتفاقات حزبها ، ستكون في حل من اية التزامات يعقدها حزبها مع الاحزاب الاخرى او مع حكومة الاقليم ، بل وستكون لها القدرة على المناورة ، وخلق أزمة (حدث) ، وفرض الضغوط، وحتى عقد الصفقات السرية مع بغداد أو أية دولة لا يروق لها وجود حكومة اقليم مزدهرة ناجحة وتتخذ منها موقفا سلبيا. وبذلك فهي تشكل (رتلا خامسا) أو قنبلة موقوتة قد تفجر في اي لحظة لتفسد كل الخطط والاتفاقات. وبذلك تصبح هذه القوى جيوبوليتيكيا محفزا لتدخل القوى الخارجية لتعقيد ذلك الحدث ليصبح عاملا فيه (عاملا للحدث) ، والحدث هنا يتمثل في الازمة لارباك الوضع وتهديده ، او افساده . وطالما توجد قوى (دول)خارجية لا يروق لها ان يخطو الاقليم خطوة ناجحة نحو الأمام ، فانها تجد في صانعي الحدث هذا حليفا يمكن استغلاله داخليا لاغراضها وتنفيذ مصالحها، وهكذا يتعقد المشهد بدفع خارجي مبطن ، فتفشل الخطط والاتفاقات، ويخرج الموضوع من صفته المحلية الداخلية الى حالة جيوبولتيكية اكثر تعقيدا بسبب التدخلات الخارجية ، بعد ان ينحاز كل( الرتل الخامس) الى هذة الجوقة من المعارضين .
2- أما تهديدات دول الطوق الخارجي وهي إيران وتركيا وسوريا والعراق العربي فتنبع بالاساس من وجود الكورد فيها عبر الحدود السياسية التي تحيط بالاقليم، وخشيتها من إن اي تطور ايجابي يحدث في الاقليم قد يؤجج الكورد الساكنين فيها للمطالبة بالمثل من حكوماتهم ) ( ، فكوردستان ليست لها حدود مع دولة لا تعاني من الحركة القومية الكوردية ، كما انها لا تخضع لدولة واحدة ، وهذه الخشية هي التي وحدت وتوحد السياسات الخارجية المعادية للكورد في كل من ايران وتركيا وسوريا والعراق ايضا ، وهذا الخوف هو الذي دفع هذه الدول لان تعقد اتفاقات دولية لاجهاض الحركة القومية الكوردية في أي منها ، مثل اتفاتقية سعد اباد عام 1937، ومعاهدة حلف بغداد عام 1955، والاتفاقات الامنية والحدودية الاخرى وابرزها الاتفاق الامني العراقي - التركي عام 1983، واتفاق أدنه (اضنه) بين الحكومة السورية وتركيا في 20 -10-1998واللذان لا يزالان ساريي المفعول حتى يومنا هذا. وكما يقول(W.G.Elphinston) ( ) ان خوف هذه الدول من الكورد هو الاسمنت الذي يوحد سياسات هذه الدول ضد الحركة القومية الكوردية . ويقترح تشكيل دولة اتحادية تضم هذه الدول الاربعة التي يتواجد فيها الكورد ليتحدوا داخل هذه الدولة بدلا من تفريقهم سياسيا .
وفيما يخص التعامل مع دول الجوار ، فان على حكومة الاقليم ان تدرك بان اقليمها هو( اقليم جغرافي مغلق أو حبيس ) ليست له اطلالة بحرية ، وانما يعتمد بالكامل في علاقاته التجارية بالعالم الخارجي على هذه الدول البحرية التي تحيط به ، والتي تشكل دول الترانيت بالنسبة له ، ايران والعراق نحو الخليج ، وتركيا وسوريا باتجاه البحر المتوسط ، فهذه الدول التي تحاصر كوردستان وتطوقها جغرافيا هي الاخرى ترتبط مع الدول الكبررى ولها علاقات جيدة معها وان تلك الدول لا يمكن ان تضحي بمصالحها الكبيرة لصالح القضية القومية الكوردية التي ساهمت هي نفسها في تجزأتها وغمط حقوق شعبها وحالت دوت تشكيل كيان مستقل له( ).فعلى ضوء ذلك وهذا الموقع الجغرافي الحبيس يتحتم على الاقليم ان يتبنى ويلتزم بعلاقات حسن الجوار مع كل هذه الدول او اغلبها لضمان الثغرة التي ينفذ عبرها الى العالم الخارجي، ومن ناحية اخرى ، نجد ان الطوق الخارجي للاقليم يرتبط امنيا بطول الحدود التي الجغرافية – السياسية التي يتحادد بها مع دول جواره الجغرافي . ان مجموع طول الحدود الجغرافية – السياسية للاقليم مع هذه الدول يبلغ 1860 كيلومترا موزعة بالشكل الاتي : 1- مع ايران 700 كيلومتر 2- مع تركيا 360 كيلومتر 3- مع سوريا 150 كيلومتر ، ومع العراق له تحادد بطول 650 كيلومترا ، وهذا يعني من الناحية الامنية والدفاعية ان قوات الاقليم الحالية لا تتناسب وطول هذه الحدود لضمان امنها وسلامتها والدفاع عنها في الحروب .
بلا شك ان للموقع الجغرافي الحبيس مخاطره واضراره ، وهذا شان مواقع كل الدول القارية الحبيسة في وسط اسيا ، وافريقيا ، وأوربا ، وامريكا الجنوبية ، وليس حكرا على الاقليم ، الا ان الاقليم يختلف عنها جميعا بسبب الحساسية التي تحملها تجاهه دول جواره الجغرافي بسبب التماثل الاثني لسكانها المجاورين لتلك الحدود والذي يحولها الى دول غير مريحة وضاغطة على الاقليم وسياسته وبخاصة في اوقات الازمات ، او الاجراءات التي يتخذها الاقليم باتجاه تحسين وضعه الامني ، والدفاعي، والسياسي ، واذا ما اعتبرت تلك الدول اصلاحات الاقليم اخلال بمصالحها قد تلجأ الى مضايقة الاقليم والضغط عليه لتغيير سياسته ، مثلما فرضت الحصار عليه بعد اجراء الاستفتاء في الاقليم في 25- 9-2017 لأن هذه الدول تعتبر مجرد وجود اقليم فدرالي ،في اي جزء من كوردستان ، هو تهديد لامنها القومي .
ومن ناحية اخرى لابد للاقليم من الاخذ بنظر الاعتبار ، وهو يمارس علاقاته الدولية ، تضارب مصالح تلك الدول فيما يخص سياساتها وستراتيجياتها تجاه الاقليم ، وطبيعة تعاملها مع الاقليم ، واستغلال تضارب مصالح تلك الدول ، وتناقضاتها مع بعضها البعض، لصالح تمتين علاقاته مع الاطراف التي تمارس سياسة اكثر مرونه معه اقتصاديا ، وثقافيا ،وسياسيا وحتى امنيا . يقول الاستاذ كري ان تفاعل الدولة (أو الاقليم) مع القيود والفرص التي تنشأ عن الجغرافية وتشكل عندها قيمة في حساباتها الستراتيجية فهذا يعني انها يمارس انماطا من السياسة الخارجية( ) ، التي تمليها عليها الشروط والظروف والعوامل الجغرافية.
3- مادامت كوردستان الجنوبية تشكل اقليما فدراليا ضمن دولة العراق ، ولدولة العراق دستور يوضح صلاحيات وطبيعة نظام الاقليم ، لذا فان العلاقات بين الاقليم والعاصمة يجب ان تسير وفقا لبنود الدستور دون تجاوزه ، وبخاصة فيما يتعلق بمسائل الموضوعات السيادية وغير السيادية ، شريطة ان توضح تلك العلاقات ،وباسرع وقت ، بقوانين وتعليمات واضحة واجبة التنفيذ وغير قابلة للتأويل والتحريف والتسويف ، والتي لا يزال الأقليم يعاني منها منذ إقرارالدستورعام 2005
وحتى يومنا هذا . ان تنفيد الاسس الرصينة للنظام الفدرالي تتطلب استخدام القوة الناعمة الحازمة مع المركز لضمان تطبيق نواقص الدستور ومعالجة القضايا العالقة بشكل ودي وسليم وعلى المركز ان لا يقوم بتسويف البنود ووضع العراقيل امام تطبيقها ، استنادا الى الاكثرية التي يتمتع بها في برلمان المركز، بل يجب ان يلبى طلبات برلمان الاقليم لانه يمثل سكانه .
4- وبالنظر لأن النظام السياسي العالمي لايعترف ، ولا يتعامل،كما أسلفنا ، الا مع الدول (القومية) المستقلة ذات السيادة ، وان الدولة المستقلة فيه هي الفاعل الرئيسي في ذلك النظام ، فإنه ينبغي على الاقليم الفدرالي ان ياخذ ذلك بنظر الاعتبار، وان لا يتطرف في تصرفاته بالشكل الذي يثير ضده ذلك النظام الدولي واقطابه ، والذي عادة ما ينحاز لصالح الدولة صاحبة السيادة ، وليس الاقليم خوفا من اختراق الالتزام بمفهوم السيادة او التحجج بها. فالاقليم يجب ان يتحرر كليا من السياسات التي كانت تمارسها الحركة القومية الكوردية المسلحة ضد مضطهدي الشعب الكوردي ، وان تتصرف بالكامل وكانها شبة دولة ذات سيادة ، وان تخضع بالكامل للقوانين الدولية وميثاق الامم المتحدة ، ما دامت جزءا من دولة ذات سيادة ، ومعترف بها ضمن هذه الدولة دستوريا .
صحيح ان اللاعبين الدوليين الاساسيين في العلاقات الدولية هي الدول المستقلة ولكنها اليوم ليست اللاعب الوحيد. إذ يوجد الان عامل جديد في العلاقات الدولية يتمثل بالاعبين غيرالممثلين بدولة ( Non-state actors )، والذي غير من طبيعة العلاقات الدولية ، مثل المؤسسات الاعلامية ، حركات التحرر للشعوب ، وبعض الاحزاب ، وكالات الاعانة الدولية ، والشركات عابرة القارات ، والمنظمات الدولية . فالدول العظمى او الكبرى غالبا ما تتعامل مع احد او اعلب هولاء الاعبين الجدد في العلاقات الدولية لاغراض محددة لتنفيذ سياسات محددة ، لكن تلك القوى سرعان ما تتخلى عنها عندما تتضارب مصالحها الكبرى مع اي التزام تعقده معها ، إن كانت تلك التصرفات تتعارض والنظام الدولي القائم على اساس اخترام سيادة الدولة المستقلة . لأن السياسة الخارجية لتلك ألدول ، مع اللاعبين غير الدوليين ، غالبا ما تكون ذات وجهين : الاول ظاهري تبشيرى يظهر نواياهم الحسنة الخادعة، والثاني سري يمثل حقيقة نواياها بغض النظر عن تعارضها بالكامل مع سياستها الظاهرية تلك. وقد مارست الولايات المتحدة هذه السياسة مع كوردستان الجنوبية في اعوام 1972- 1975 على سبيل المثال .ومارستها دول الطوق وحتى الدول الغربية الاخرى ،التي كانت تتظاهر بالصداقة والتعاطف مع الشعب الكوردي وحكومة اقليمه وذلك بعد اجراء الاستفتاء في الاقليم عام 2017 . وعليه يتطلب العمل مع القوى الكبرى شكلا خاصا من العلاقات والتي يجب ان تتجنب الثقة المطلقة بسلوك ومساعدات تلك القوى ، أو الانخداع بتصريحاتهم مالم تكن موثقة ،ومكتوبة، وموقعة، فكل تصرفاتهم الشكلية الشفاهية هي تصرفات مرحلية ، ولا تتصف بالمصداقية . فعلى الرغم من أن النظام الدولي يعترف بحق تقرير المصير للشعوب الكبيرة المضطهدة والتي لا تزال لا تمتلك دولة كالشعب الكوردي ،فإن هذا الحق في الانظمة الدكتاتورية القمعية لمكوناتها القومية ،لا يعبر عنه في المجتمع الدولي سوى بالنقد اللفظي كحد اقصى من الادانة في التعامل مع تلك القوى القمعية ، أو حتى بدون تلك الادانة ، كما حدث مع نظام صدام القمعي في العراق عندما استخدم الاسلحة الكيمياوية ضد الكورد في حلبجة عام 1988 ، او قتله ل 182000 انسان كوردي في عمليات الانفال 1986-1989، ودفنهم احياء في صحاري جنوب العراق .[1]