#فؤاد حمه خورشيد#
تشكل الدولة المستقلة ذات السيادة ، حجر الاساس في بناء النظام الدولي المعاصر. وان أي دولة عضو فيه هي لاعب من لاعبي هذا النظام. وان أول اتفاقية دولية تم صياغتها لاقامة مثل هذا النظام هي معاهدة السلام الموقعة في وستفاليا عام 1948 والتي انهت حرب الثلاثين عاما بين دول وامبراطوريات القارة الاوربية والتي خسرت فيها المانيا نصف سكانها. وفي بنود هذه المعاهدة صيغت الاسس والقواعد لاقامة الدول على اساس قومي ومنحها ( حق السيادة) باعتراف دولي ، اي منحها السلطة القانونية المنفردة في السيطرة على اقليمها وادارة سكانها كما ترغب وتريد دون تدخل الدول الاخرى .والسيادة الممنوحة للدولة ذو مفهوم قانوني يخولها امتلاك سلطة (سيادية)داخلية قانونية كاملة و مطلقة ، أي حق الدولة في ممارسة وظائفها وصلاحياتها واختصاصاتها داخل اقليمها الجفرافي القومي، وسلطة خارجية مستقلة في بناء علاقاتها الدولية كما تريد، هذا يعني ايضا ان مفهوم السيادةيرتبط بمفهوم الاستقلال .وتبعا لهذه السيادة اصبحت الدولة القومية هي الكيان المهيمن في النظام الدولي بسبب قوة مفهوم السيادة، سواء أكان هذا النظام ممثلا للشعب ، أو او نظام دكتاتوري قمعيا .
والدولة القومية ، بتعريف بسيط ،كما جاء في (معاهدة مونتيفيديو) الموقعة في اوروكواي بتاريخ 26-12-1933 هي تنظيم اجتماعي، سياسي وقانوني متكامل لمجموعة بشرية يمتاز بالمواصفات التالية:-
1-سكان دائميون 2- منطقة ،أو اقليم محدد . 3- حكومة . 4- قدرة في بناء علاقات مع الدول الاخرى .
والدولة القومية، كما اشارت لها المعاهدة ، هي مفهوم ايديولوجي، اساسه ان يكون سكان الدولة منحدرين من مجموعة قومية واحدة ، لكن لو نظرنا الى غالبية دون العالم اليوم لوجدناها تفتقر الى هذا الشرط ،لان كل واحدة منها تضم عددا من القوميات والاثنيات ، ولو امكن في حينة تشكيل دولة كوردستان لكانت اليوم تشكل واحدة من أكثر الدول القومية الانموذجية في الشرق الأوسط وفق المواصفات الوستفالية الدولية .
يبلغ عدد الدول الأعضاء في الامم المتحدة اليوم 196 دولة مستقلة ، لكن كوردستان، البالغة مساحتها 500000 كم مربع وسكانها المقدر عددهم اليوم بأكثر من 30 مليون نسمة ، لا تزال محرومة من هذه العضوية، رغم ان الامة الكوردية تشكل اليوم رابع اكبر قومية في الشرق الاوسط لا دولة لها ، و رغم اكتمال كل شروط الدولة فيها ،من وطن قومي، وموارد اقتصادية، وقدرات وامكانات ادارية وسياسية وثقافية . ومع ان ثورات كوردية عديدة قامت في القرنين التاسع عشر والعشرين من اجل انشاء الدولة القومية الكوردية ، الا ان هذه الثورات اخفقت في تحقيق ذلك بسبب توافق مصالح الدول الاقليمية والدولية في منع الامة الكوردية من تحقيق ذلك الهدف ، خوفا على تلك المصالح، وخشية من وحدة اراضي دولها الاقليمية ، التي تبتلع مساحات هامة من اراضي كوردستان.
أما حق تقرير المصيرللشعوب، وخاصة الشعب الكوردي، وتحررها من ربقة العبودية والاندماج القسري بالامم والحكومات الاخرى فقد ورد صراحة بعد الحرب العالمية الاولى في بنود الرئيس الامريكي ودرو ولسن والمعروفة بالنقاط الاربعة عشروبالذات النقطة الثانية عشرة التي نصت على (يمنح الجزء التركي من الامبراطورية العثمانية الحالية سيادة مطمئنة وكاملة،لكن الجنسيات الاخرى التي هي تحت الحكم التركي يجب ان تتمتع بامن مضمون، وفرصة دون اي تدخل لتطورها وادارتها الذاتية ) ، وهي النقاط التي اعلنها في خطابه امام الكونكرس الامريكي في 8-01-1918 والتي اصبحت من معيارا لاعادة رسم خريطة الدول الاوربية ودول الشرق الاوسط من قبل زعماء مؤتمر فرساي بباريس للسلام ، واصبحت شعوب العالم التي ليست لها دولة تتطلع الى هذا الحق ، اذا عندما جرح واسر الشيح محمود الحفيد في معركة دربندي بازيان عام 1919 من قبل القوات البريطانية كان يحتفط بالترجمة الكوردية لهذا البند مشدودا على ذراعه .
كان بامكان قوى الحلفاء بموجب قرارات معاهدة وستفاليا ، وبنود الرئيس الامريكي ودرو ولسن ، ان يؤسسوا الدولة الكوردية على كامل تراب كوردستان العثمانية لتوفر كل عناصرها ومستلزماتها، الا ان ماجرى من تغيير في موازين القوى انذاك ، ودعم روسيا السوفيتية لاتاتورك ، والتنافس البريطاني الفرنسي، وازاحة السلطان العثماني واعتراف الحلفاء السريع بحكومة اتاتورك الجديدة ، أدى الى الغاء معاهدة سيفر 1921 واستبدالها بمعاهدة لوزان 1923 والغاء مشروع الدولة الكوردية . ومنذ ذلك التاريخ تجاهلت القوى الغربية ذكر موضوع القضية الكوردية في اروقتها او في المؤتمرات الدولية ولغاية 1990، لأن مصالحا الاقتصادية والستراتيجية ارتبطت بسياسات الدول التي انشأتها في الشرق الاوسط ، وبتوازنات القوى الاقليمية والدولية التي افرزتها الحرب الباردة.
وحق تقرير المصير معناه ان كل أمة - بما فيها الأمة الكوردية – موهلة لأن تختار طريقها الخاص بتطورها، وان تتصرف في مصيراراضيهاومواردها الطبيعية والبشرية والاقتصادية، وان تتمتع بكامل استقلالها على امتداد وطنها الجغرافي ،ورغم ان هذا الحق جاء مكفولا بميثاق هيئة الامم المتحدة في الفقرة ثانيا من البند الاول والذي جاء بما نصه:- (انماء العلاقات الودية بين الأمم على اساس احترام المبدأ الذي يقضي بالمساوات في الحقوق بين الشعوب ، وبان يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة لتقرير السلم العام) مع ذلك فان الامة الكوردية لا تزال لا تتمتع بهذا الحق، لا لانها غير مؤهلة لذلك ، بل لان وطنها مجزأ وملحق بأربعة دول ذات سيادة في العرف الدولي ، وبات موضوع الخوض في حقوق الامة الكوردية واستقلالها، موضوعا يمس أمن وسيادة تلك الدول وتدخلا في شئونها الداخلية، ومساسا بوحدتها الاقليمية ، مهما عظمت المظالم التي يتعرض لها الشعب الكوردي جراء سياسات تلك الحكومات القمعية، ورغم تعدد الثورات التي قام بها من اجل ضمان ذلك الحق .
اذا كان موضوع حق تقرير المصير واستقلال كوردستان الكبرى يواجة بعض الصعوبات الذاتية ،والاقليمية والدولية في الوقت الحاضر ، فان كل المؤهلات الفنية والسياسية والادارية والاقتصادية والجغرافية الضامنة لحق تقرير المصير وتكوين الدولة تتوفرالان ، وفق شروط معاهدة مونتقيديو المشار اليها انفا وقواعد القانون الدولي، في احد اقاليم كوردستان وهو اقليم كوردستان الجنوبية(اقليم كوردستان العراق)هي: الاقليم الجغرافي وحدوده ، وسكانه الكورد ، وحكومتهم الفدرالية، واقتصادهم الذاتي، والقدرة على اقامة التعامل الدبلوماسي مع الاطراف الاقليمية والدولية ، والامكانية الذاتية في حماية الاقليم وسلامته.[1]