كنوز عفرين الأثرية تتعرض للدمار من قبل العدوان التركي …
روزاد علي*
تل عيندارا
تتعرض منطقة عفرين منذ العشرين من شهر كانون الثاني لقصف وحشي مكثف من قبل القوات الجوية والبرية للدولة التركية. يجري ذلك وسط صمت دولي مشين، يعكس الواقع المزري لما آلت إليه العلاقات الدولية، ومدى الالتزام بالمواثيق والعهود الأممية التي تلزم الدول بالحفاظ على حياة المدنيين وممتلكاتهم، وكذلك حماية التراث والتاريخ الإنساني.
يبدو جلياً أن الهدف الأساسي من القصف ومحاولة الاجتياح، ليس حماية (أمن تركيا) كما تدعي الحكومة التركية، بل هو تدمير البنية التحتية وكل ما تتميز بها منطقة عفرين من سكان ولغة وبيئة وثقافة وآثار وتاريخ. فطائرات F16 لقوى العدوان التركي ودباباتها ومدافعها التي لا تهدأ ليلاً ونهاراً، لا تستهدف المدنيين الآمنين ومساكنهم وممتلكاتهم فحسب، بل تستهدف ولاتزال المواقع الأثرية في كافة أرجاء المنطقة. تلك المواقع تعود إلى الحضارات القديمة التي ظهرت في المنطقة منذ آلاف السنين. وهي في معظمها مواقع موثقة لدى منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم (يونيسكو)، وكذلك لدى دوائر الآثار السورية كمواقع في منتهى الأهمية في سوريا الشرق الاوسط.
فقد أكدت المصادر الميدانية وبالصور، أن مواقع أثرية عديد من نواحي عفرين تعرضت، ولا تزال تتعرض يوميا لقصف مركز ومتعمد من قبل القوات الجوية التركية، رغم أنها تقع بعيداً عن الأماكن التي تعتبرها الدولة التركية مواقع عسكرية مستهدفة.
فقد دمر القصف بالطائرات الحربية أجزاء واسعة من معبد وآثار (تل عيندارا) الذي يعود تاريخه إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام. كما قصفت ولاتزال بعنف وباستمرار مواقع عديدة أخرى مثل: قلعة سمعان، نبي هوري، غوبه لي، تل جنديريس، ديرمشمش، ته قل كي، باسوفان، معظم آثار جبل سمعان (ليلون)، قلعة جان بولات على جبل (برصايا Parsê )، وغيرها العديد من المواقع التي تعود إلى حضارات مختلفة كالهورية والحثية والآرامية واليونانية والبيزنطية، إضافة إلى أماكن العبادة والأديرة والكنائس الأثرية التي تعتبر بحق كنزاً إنسانياً رائعاً. في وقتٍ حافظت فيه الإدارة الذاتية في منطقة عفرين، وفي هذه الظروف الأمنية العصيبة، على جميع تلك المواقع الأثرية وحمتها من العبث ولصوص الآثار. وهناك توجس وخوف كبير، بأنه عدا عن التدمير شبه الممنهج من قبل قوى العدوان التركي لتلك المواقع الأثرية، هناك خطر حقيقي ستشكله الميليشيات المتشددة التي ترعاها الدولة التركية وتزجها حالياً في معارك العدوان على عفرين، من أن تُقدم على نهب وتدمير ما بقي سالماً من تلك الكنوز الأثرية التي لاتقدر بثمن.
فقد أثبت العدوان التركي على آثار منطقة عفرين، أن سلوك وفكر القيادة التركية الحالية قريب إلى حد كبير من سلوك ونمط تفكير الجماعات الإرهابية التكفيرية من تنظيمي الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة ومثيلاتها. فتدمير آثار وتماثيل قديمة من قبل الجيش التركي تعيد إلى الأذهان أعمال (داعش) في تدمر السورية وفي نينوى العراقية. في حين حافظ سكان منطقة عفرين طوال مئات السنين على تلك الآثار دون مساس. وذلك يشير بوضوح إلى الادعاءات الكاذبة بتجنبها البنية التحتية والمراكز السكنية، وتؤكد للمرة تلو الأخرى، بأنها لاتزال تحكم بعقلية (أرطغرل) وسلاطين آل عثمان، وبأنها معادية لكل ما يمت إلى المدنية والثقافة والحضارة بأي صلة. وكل ما يدعيه ويتقول به رئيس الدولة التركية رجب طيب أردوغان يومياً بمناسبة وبدون مناسبة حول القيم والمبادئ ومد يد العون (لإخوانه المسلمين) في العالم، ومحاربة (الإرهاب الكردي)، ما هي إلا أقوال مفضوحة، وباتت مكان تندر وسخرية لدى أوساط واسعة من الرأي العام التركي والإسلامي والعالمي، ولم تعد أكاذيبه تلك تنطلي على أحد.
يتوجب على المنظمات الدولية، في مقدمتها اليونسكو، القيام بواجباتها ومهامها المفترضة، وإدانة تلك الأعمال البربرية للقوات المسلحة للدولة التركية، والعمل سريعاً على وقف عدوانها على منطقة عفرين الآمنة والمسالمة، وحماية تلك المواقع الأثرية والكنوز الثقافية من الاعتداءات الغاشمة، ومن الميلشيات المسلحة المتشددة التي تستخدمها حزب العدالة والتنمية في عدوانها على منطقة عفرين والحدود السورية عموماً. ويعتبر ذلك مهمة إنسانية ملحة وعاجلة لا تتحمل التأجيل.[1]