الإدارة الذاتية … تحديات واستحقاقات …
زاوية نقاط على حروف*
مع إعلان الفيديرالية الديمقراطية لشمال سوريا والبدء بإجراء انتخابات مجالسها في أقاليمها الثلاثة (عفرين، الفرات، الجزيرة)، تدخل الإدارة الذاتية مرحلةً جديدة من التحديات والاستحقاقات، بعد ما يُقارب أربع سنوات من تجربةٍ كانت الأفضل في سوريا من حيث تأمين استقرار وأمان نسبيين وإدارة أمور الناس الحياتية، رغم العديد من النواقص والسلبيات.
حالة الحرب القائمة تفرض مظاهر حالات الطوارئ على الإدارة والمجتمع، باتخاذ تدابير استثنائية والقسوة في ممارسة السلطة، كما أن الظروف الموضوعية والإمكانات الذاتية ليست مثالية، حتى تكون الإدارة في الفترة المقبلة على قدر طموحات الشعب.
ما دام العديد من القوى والأحزاب والمنظمات والمكونات قد ساهمت في إعداد مشروع الفيدرالية وإعلانه، فللوهلة الأولى يبدو الأمر جيداً بتوطيد التعددية السياسية واحترام التنوع المجتمعي، وباكورة الخطوات السليمة ستكون في إجراء انتخابات نزيهة وشفافة بمراحلها الثلاث، والتي تتحمل مسؤوليتها الآن الإدارة الحالية برعاية حركة المجتمع الديمقراطي Tev-Dem، نحو تأسيس فيدرالية بعيدة عن سياسات الحزب الواحد ومظاهر الاستبداد، ودون توظيف هيئاتها ومؤسساتها للعمل السياسي الحزبي الايدلوجي.
يبقى التحدي الأمني ودرء المخاطر الخارجية والدفاع عن الذات ومحاربة الإرهاب في صدارة مهام الإدارة المقبلة، مما يتطلب صون الوضع الداخلي وحماية النسيج المجتمعي، إضافة إلى تطوير وتعزيز قدرات وحدات حماية الشعب والمرأة والأسايش وتنظيم عملها بما يراعي لوائح حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، ويضع حداً لانتهاكات تقع هنا أو هناك.
أما التحدي السياسي، فعنوانه الأبرز هو كيفية إدخال مشروع الفيدرالية أو فحوى لامركزية الدولة إلى أي تسوية سياسية وإلى مشروع دستور سوريا المستقبل؟، حيث يتطلب هذا تطوير العمل السياسي والدبلوماسي والتأثير في الرأي العام وكسب المزيد من الأصدقاء وإبعاد شبح تهمة الانفصال والخطر الكردي المزعوم.
ومن أساسيات نجاح إدارة حكم ما، وضع موازنة مالية لها، وتنظيم وارداتها وصادراتها، مع ضوابط لفرض الضرائب وأوجه الصرف، إضافةً إلى محاربة الفساد وتطوير أشكال المراقبة والمحاسبة، بما يحمي الإدارة من النخر، لتُقدم أفضل الخدمات وتُحقق الأمن الغذائي والمائي، وتُوفر مصادر الطاقة وتُحافظ على بيئة سليمة وبنى تحتية هامة، إضافةً إلى تطوير مجال التربية والتعليم وغيرها من مجالات الاقتصاد والتجارة والزراعة والصناعة، من خلال وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، بعيداً عن المحسوبيات وأشكال الوصاية الفجة.
انسجاماً مع مبدأ فصل السلطات، لابد من إيلاء اهتمام كافٍ لوضع القضاء وتأسيس هيكلية عصرية له، بالاستفادة من خبرات محلية وأجنبية، وفق أحدث الطرق والتقنيات العلمية، وإبعاد النزعات الفردية ومن لا يمتلك كفاءات قانونية وعلمية عن مراكز القرار، واستدراك وتلافي الأخطاء في القوانين المحدثة، ووضع حدٍ للتجاوزات والمزاجيات، بما يراعي الجانب القيمي وشرعة حقوق الإنسان، مع احترام خصوصيات مؤسسات المجتمع المدني.
تلك خلاصة لتحديات واستحقاقات مطروحة أمام إدارة ذاتية التي لطالما كانت شعاراً ومطلباً لنا جميعاً، والآن أصبحت حقيقةً على أرض الواقع، قُدمت من أجلها تضحيات جسام. إن كانت مسؤوليتها تقع على عاتق من انبرى لتحملها، فهي تنتظر منا جميعاً، أحزاب وفعاليات مجتمعية، جماعات وأفراد، المساهمة في ترسيخها وتطويرها وحمايتها، لتغدو تجربة تستحق الثناء وتشق طريقها نحو الديمقراطية وتحقيق السلم والحرية والمساواة.[1]