صفاء صنكور
قرأت على جدار صفحة الصديق الفنان المبدع علي المندلاوي خبرا أحزنني كثيرا عن صحة الفنان المُجيد والصديق والإنسان الطيب، #إسماعيل خياط#، وأنه طريح الفراش من دون حركة أو كلام.
وشعرت بثقل الزمن وأنا استعيد لقاءاتنا في بغداد في ثمانينيات القرن الماضي وفيض محبته وكرمه واحتفائه بي في آخر لقاء لنا عندما زرته في السليمانية أواخر عام 2004.
يقف خياط في مقدمة أكثر فنانينا أصالة وتنوعا إبداعيًا وقربا من الطبيعة على الرغم خياله الجامح الذي يصل حد أسطرة الموضوع الواقعي نفسه. ونتلمس علاقته المميزة بالطبيعة والتحامه بها حتى في أكثر أشكاله تجريدية أو أكثرها تحليقا في الخيال، إنه يلتصق بالجبل وحجارته،بالحصى، بالسماوات بالطير فيها، وبتموجات أجنحته التي ينحتها في صخر اللوحة،فتبدو أعماله أحيانا أقرب إلى المستحاثات المتحجرات التي تحفظ حياة وتاريخا طويلا في قلب الحجر.
ولعل محنة من ينطلق من مفهوم التمثيل (representation) في نظرته للفن سيحار في تجربة خياط، ما دامت علاقته بالواقعية أسيرة نظرية المحاكاة، وسينفيه من جنة الواقعية إلى حدود الخيال المطلق، وهو مفهوم غائم أبعد ما يكون عن تجربة إسماعيل خياط ومصادره التي تظل واقعية؛ وتحمل آثار نزعة تشخيصية واضحة، حتى في اقترابه من تخوم التجريد في بعض أعماله.
فالصدق الذي تتوفر عليه أعمال خياط يلغي مسافة التمثيل، أو تلك الثنائية (النظرية) بين الطبيعة والثقافة، (كما تطورت في سيمياء الثقافة)، ويجعل أعماله الطافحة بالخيال جزءا لا يتجزأ من الطبيعة نفسها التي لجأ إليها أخيرا ليصب افكاره في أشكالها في الحصى والاحجار وليس على جنفاص اللوحة أو الورق التي تدرب على رسم تخطيطاته عليه، والتي تنوعت من القلم الرصاص والحبر الصيني الأسود إلى الأقلام الخشبية الملونة واكتشاف مديات الرسم باللون الواحد إلى إيجينغ غرافيك وانتهاء بالرسم الملون على الحصى والأحجار الجبلية.
كنت قد وصفته قبل أكثر من ثلاثين عاما ًبأنه لو لم يكن رسّاما لكان نحاتا بارعا يستنطق الحجر بحثا عن الافكار الكامنة فيه (على حد تعبير مايكل أنجلو)، فهو يحاور المادة التي يستخدمها في رسومه ويستخلص ما بداخلها من احتمالات كامنة يطوعها لمعالجته الابداعية التي يحتل فيها «texture» الملمس إذا جاز التعبير، جانبا أساسيًا. فهو يتوغل عميقا في قلب الحجر، ليخلق أسطورته ويستخرج رموزه الخاصة؛ التي لا تفارق تضاريسه وإن اتخذت أشكالا إنسانية أو حيوانية، بل تنعكس فيها في صورة انفعالات لونية، أو تكوينات عاطفية ونفسية.. إنه كما يحب أن يؤكد ‘يؤنسن’ الأرض».
والفقرة الأخيرة جزء من حوار أجريته معه. ومن حسن حظي أنني وجدت في بقايا أرشيفي، الذي فقدت الكثير منه، نسخة من هذا الحوار الذي نشرته في مجلة كل العرب الصادرة في باريس في عام 1990، أي قبل أكثر من 30 عاما، وقدم فيه بوحا عن تجربته الاسلوبية الغنية ومصادره الابداعية وعلاقته بالطبيعة والاسطورة ومفاهيم أخرى …
عن صفحته في (الفيسبوك).[1]