تجربة أحمد كايا علامة فارقة في المشهد التركي … ليس هناك ما يسمى كُرد !!
جريدة الوحدة*
لعل الحملات العدائية التي تشنها حكومة العدالة والتنمية على الكُرد في تركيا بعد انفراج نسبي لبعض الأعوام، تُعيد إلى الأذهان المسيرة الطويلة للسياسات الطورانية البغيضة المنتهجة حيال كردستان – تركيا، والتي كان ديدنها محاربة اللغة والثقافة الكردية، والأخطر أن ذلك النهج تغلغل إلى أوساط واسعة من الرأي العام التركي.
إغلاق مدارس وصحف وقنوات تلفزة ناطقة باللغة الكردية تُذكرنا بتجربة الراحل الفنان الشهير أحمد كايا التي شكلت علامة فارقة في المشهد التركي التاريخي، أعادت إذاعة لندن – القسم التركي تسليط الأضواء على تلك التجربة عبر برنامج BBc world service, witness في حوار مع زوجته السيدة غولتن كايا التي روت تفاصيل ليلة الحدث الأبرز.
ولد أحمد كايا في 28 تشرين الأول 1957 بمدينة ملاطية، وتوفي في 16 تشرين الثاني 2000 في فرنسا، ودفن في مقبرة العظماء.
إليكم ما جاء في البرنامج كاملاً:
في شباط عام 1999 حصل أحمد كايا على جائزة ” أفضل فنان العام ” في تركيا، وذلك في حفل الجوائز المنظم من قبل جمعية “صحافيو المجلات”، هذا الحفل كان البداية لتلك الحقبة التي انتهت بترحيله عن تركيا.
أما عن سبب الترحيل، لأنه قرر تقديم أغنية باللغة الكردية في ألبومه التالي.
غولتن تقول: ((في صالة ممتلئة بالرجال والسيدات المتأنقين على أكمل وجه، كان الحفل يسير بفرح، من الكوكتيل والطعام والأحاديث ومراسم لائقة )).
عند توزيع الجوائز جاء دور أحمد كايا الذي خرج إلى المسرح وصُفق له، فحمل الجائزة بيد والمكرفون بيدٍ أخرى وبدأ يعلن …
أحمد كايا يقول : ((في الألبوم القادم، ولأنني من أصل كردي سأقدم أغنية كردية، وسأصور فيديو كليب لها، وأنا على يقين أن هناك أشخاص سينشرون هذا الفيديو، وإن لم يفعلوا ذلك، فلا أدري كيف سيحاسبون أمام الرأي العام التركي)).
غولتن تقول: ((وبلحظة واحدة يتحول أولئك الأنيقين والأنيقات إلى بهائم، منهم من أخذ الملاعق والشوك بأيدهم وبدأوا بالرمي واطلاق الإهانات، خلال خمس دقائق تغير كل شيء، تغير على نحو 360 درجة، تخيلوا كل أولئك الرجال والنساء المحترمين قبل دقائق هناك، ذهبوا إلى أماكنهم وأصبح داخلهم أشخاص مختلفين تماماً، جاهزين لنشر الأذى، كان تحوّل لا يصدق!
في البداية حاولت أن أفهم لماذا ردة الفعل هذه، لكن فوراً فهمت من الصراخ الذي كان يأتي من حولنا، بأن ليس هناك ما يسمى كُرد، وأن الشيء الغير مقبول هو رغبة أحمد كايا الغناء بالكردية واعترافه بأصله كردي، عندها اتضحت ليَّ الأمور.
كان قد غنى كل أغانيه باللغة التركية وليس بلغته الأم، كونه على مدى 40 عاماً تلقى تعليمه باللغة التركية الرسمية، وكان يفكر أيضا بالتركية، للأسف لم يكن يعرف لغته الأم بمستوى متقدم.
بالنسبة لي كان الأمر طبيعي جداً، حتى أنني دعمته بأن يكون له أثر بلغته الأم، وكان هو يعمل على ذلك، خاصة فيما يخص اللفظ الصحيح بمساعدة أصدقائه المتمكنين في اللغة الكردية)).
انتهى أحمد كايا من أغنيته على المسرح ونزل يتقدم نحو الطاولة، حيث كانت زوجته غولتن تجلس.
غولتن تقول: (( انتهى، نزل من المسرح، وعندما كان يتقدم نحو المكان الذي يجلس فيه، بدأت الإهانات والمضايقات اللغوية والفعلية، أقصد بالفعلية أن بعض الأشخاص في الصالة بدأوا يضايقونه في سيره، وبهذه الحال تقدم نحو الطاولة وجلس، ومن حولنا بالطبع العديد من الصحفيين والمصورين بمكروفوناتهم يسألونه إن كان يريد أن يقول شيئا ما، وبالمقابل داخل الصالة كنا في حالة تعجب واندهاش، لقد صدمت جراء سماعي ورؤيتي لتلك الإهانات، وكذلك كان أحمد.
انفصالي، ارموه خارجاً، لا يوجد هنا كُرد،… في الحقيقة تم التلفظ بعبارات لا تصدق …
لكن على الطاولة حيث كان يجلس، قال أحمد بعض الجمل الأخرى، وكان مضمونها كالتالي: لأنني من أصل كردي أريد أن أغني بالكردية، في هذه الصالة عليكم كلكم تقبل الكُرد، لأن هذا الشعب موجود وثقافته موجودة، ويجب أن تقبلوا ذلك، ولكن إن كان هذا ذنبا فليأخذوني، ماذا عساي أن أفعل؟!!!!)).
زادت ردات الفعل والإهانات، أحمد وغولتن حوصروا في الطاولة المجاورة للجدار، في ذلك الوقت على المسرح كانت تُغنى أغاني مليئة بالكلمات القومية المتعصبة.
غولتن تقول: (( كانت أغاني تلك الأغنية كالتالي: “في هذا الزمن ليس هناك شاه أو سلطان”، ومن بعدها جاءت كلمات عفوية وليس كلمات الأغنية الأصلية، تلك الكلمات: “على طريق أتاتورك تركيا كلها، هذا الوطن لنا وليس للغرباء”، طبعاً عندما كانوا يقولون ليس للغرباء، بأجسادهم كانوا يشيرون نحو طاولتنا ونحو أحمد، في هذه الأثناء عندما انتهى ذلك المغني من تلك الأغنية بدأ يغني النشيد الوطني …. )).
انتهت الأغنية ونهض الحاضرون للنشيد الوطني …
غولتن تقول: (( كل من في الصالة نهض وبدأ بترديد النشيد الوطني، بينما كنا لانزال نجلس في أماكننا، اعتقدنا أن الذهاب أو المغادرة ليس منطقياً في تلك اللحظات، وسط تلك الجموع الحساسة في مثل هذه المواضيع، سيبدو وكأنه قلة احترام للنشيد الوطني، من ناحية أخرى كنا نفكر ما دور النشيد الوطني في مثل هكذا مناسبة؟!!!!، رغم ذلك انتظرنا انتهاء النشيد )).
بعد ذلك وبمرافقة الشرطة ومن أمامهم الصحفيين غادرا القاعة، وافترقا عن بعضهم وسط تلك الفوضى.
غولتن تقول: (( أحمد كان في حالة هلع، لم يراني في البداية، كان يصرخ: غولتن غولتن، لقد شاهدت هذا لاحقاً في التسجيلات، بمساعدة بعض الأصدقاء والشرطة المكلفة بحمايتنا هناك، تمكن أحمد من مغادرة البناء وركب إحدى سيارات التاكسي، وأنا ركبت سيارتنا الخاصة وعدنا إلى البيت)).
بعد هذه الليلة، اتهم أحمد بإهانة الوطن، وافتتحت بحقه العديد من الدعاوى، وبعض مؤسسات النشر اتهمته بالانفصال وبدأت بالتحرك ضده.
غولتن تقول: (( تم تمزيق صور أحمد كايا وتكسير أشرطته وإرجاع ألبوماته وتوقيفها عن البيع، كانت عملية إخفاء عن الخارطة، كانت تأتينا فاكسات مليئة بالتهديدات بشكل لا يصدق، رسائل ومكاتيب تهديد تركت في علبة البريد الخاصة بنا، كتب في إحدى الرسائل: كيف تريد أن تموت؟، خنقاً بالسلاسل الحديدية أم بطريقة أخرى … )).
صعبت الحياة على أحمد كايا في تركيا مع مرور الزمن، بينما كان يتحدث هو عن كل لحظة حب عاشها في وطنه، في تقرير ل bbc أيضا عام 1996 كان قد تحدث عن ذلك: أحمد يقول: (( أنا أحب تركيا كثيراً، لا أتخيل نفسي أن أكون قادراً على صنع الفن أو الإبداع في مكان آخر)).
كان أحمد كايا وزوجته يثقون بأن هذه المرحلة مؤقتة وستمضي.
في حزيران عام 1999 مع حقيبة يد صغيرة غادر تركيا في جولةٍ أوربية، بينما كانت تقول الصحافة التركية أنه هرب.
لم يعود أحمد كايا إلى تركيا أبداً، وفي عام 2000 بمدينة باريس فقد حياته جراء نوبة قلبية.
بعد سنوات عديدة اعتذر فنانو تلك الليلة عما بدر منهم، أما الدولة فبعد ثلاث عشرة سنة من وفاته كرمته بمنحه جائزة رئاسة الجمهورية للفن والثقافة.
سبب الجائزة أن موسيقا وتعليقات وكلمات أحمد كايا استطاعت أن توحد آراء مختلفة للعديد من الناس.
كان مطلب أحمد كايا تقديم أغنية بالكردية في ألبومه، وفقا لزوجته، هذا المطلب الذي أعلن عنه في ليلة الحفلة تلك تجسدها الأغنية التالية:
غولتن تقول: ((تقول كلمات أغنيته: حتما سوف أعود يوما……. لقد غناها بقلب محطم وحزن شديد، اسم الأغنية: كاروان – karwan )).
————————–
المذيعة: Çağı kasapoğlu
BBC London – 16 تشرين الثاني 2016 .
الترجمة عن التركية: ابراهيم شعبان.
يمكنكم سماع المقابلة باللغة التركية على الرابط التالي:
http://www.bbc.com/turkce/haberler-turkiye-38005502
[1]