محمود الوندي
الفن التشكيلي هو الذي يعيد اكتشاف الواقع ممزوجاً بالخيال ورؤيته ، اللوحة الفنية التشكيلية دلالة معرفية ووجدانية معبرة عن ﮪويّة وجودية معتمدة على التكوين الشكلي في صياغة واقعية للحالة المرصودة . هي وجهة نظره الخاصة وهي التي تثير التأمل والتساؤل وتثري خيال المتلقي وتسلط الضوء علي الكثير من جوانب الواقع التي قد تبدو خفية . إلا أن قراءة اللوحة من المتلقي الواعي هي التي تحدد الانطباع العام للعمل الفني ويختلف هذا الانطباع بين متلقي وآخر. وبذلك فإن قيمة الفن تتحدد بمدى التأثير الذي يتركه العمل الفني على عواطف الآخرين والانطباع الذي يثيره في أحاسيسهم .
من هنا لا بد ان نستعرض عليكم معرض الفنان التشكيلي الكوردي حسين محمد علي الوندي الذي أحتوى معرضه أكثر من ثمانية وعشرين لوحة ذات حجوم مختلفة لأعماله التشكيلية بمدينة كيل المانية خلال الفترة بين 25-04 - 12-05- 2009 ، حيث شاهدت أعماله خلال زيارتي عندما دعاني اليه وعبرت له عن سعادتي وشدة إعجابي بالمستوى الفني الراقي ، لأن الفنان تركز على الرسم الزيتي برؤية تشكيلية مختلفة كفن وكتعبير نابع من فهمه الجيد لهذه التشكلية لمنحها جمالية مساحية خاصة للوحاته والتي تسيطر عليها اللونان البني والأحمر والألوان المعادلة لهما ، ويعتبر الفنان الوندي هذا المعرض مشروعا شخصيا ينوي إظهاره بصورة جيدة دون ان تفقد شيئا من جماله ويكون له طعم او صوت .... حيث شاهد معرض الفنان التشكيلي للوندي إقبالا من قبل الزوار أكانو من العراقيين او المانيين وغيرهم من الجنسيات الاخرى .
عبر الفنان حسين الوندي عن أعماله الفنية التشكيلية ، ينطق الفن في أسلوبه بزخم الموضوعات والتجليات الابتكارية والحدسية التفاعلية مع الرؤى البصرية المعبرة عن طاقته الخلاقة المندفعة للتعبير عن العواطف والمشاعر الإنسانية نحو الشعب والوطن ، وهو مؤمن بالأهداف التي رسمتها في الوجود ، ورصد للواقع ومجموع الأماني والأحلام المتفاعلة مع ذكريات مدينته خانقين وأماكنها متعددة الأسماء ، حيث البؤس والترحيل والتعريب والقهر الإنساني والمعاناة . واعتمد الفنان الوندي في غالبية أعماله الفنية في سياقها الإبداعي الذي عاشه مع مجريات الحدث ( انذاك ) في مدينة خانقين وتكريساً فاعلاً لهويّة مدينته المجروحة ، حاملاً معه أوجاعه وآمال أهله وأمته وآلامه . ورسم الفنان ما يخزن في عقله وليس فقط ما تراه عيناه . وكانت اللوحات مادة حية حافلة بالمواضيع الاستلهامية ودفق الحياة وصخب قنوات التعبير الفني التشكيلي الخطي واللوني المتفاعلة مع الأحاسيس الإنسانية الصادقة في توليفات ومفردات تشكيلية تحدد مقولة فنان تشكيلي كوردي ومدى تواصله مع قضيته شكلياً وتعبيرياً وتقنياً .
وعلينا لا بد ان نتعرف على البذور الفنية الأولى للفنان حسين محمد علي الوندي وسبب اهتمامه بهذا النوع من الفن فيقول :
بدأت ميولي الفنية بالظهور وانا بعمر سبع سنوات من خلال أعجابي لمناظر الطبيعية وأثار مدينة خانقين ، واخذت أرسم جماليات البيئة في مدينتي ، وفي محاولة التعرف على هذا الفن والبحث عن الحقيقة . لان الفن بشكل عام ركنا أساسيا في تكوين عالمي الروحي وانه يرتبط بطفولتي وفترة النشأة الاولى . اللبنة الاولى في البنية المعرفية الفنية كانت في بداية حياتي المدرسية ، عندما كنت طالبا في مدرسة الوند الأبتدائية ، وكانت رسوماتي تختلف عن رسومات زملائي ، التي انتبه لها معلمنا لدرس الرسم ، ولكن لم يكن المعلم تربويا لكي ينشدني الى الطريق الصحيح ويشجعني على الاستمرار ، وفي احد الايام دعاني المعلم للحضور الى معرض للرسوم في نقابة المعلمين لاكون مراقبا على لوحات المدرسة التي تعرض في ذلك المعرض ، وعند زيارتي للمعرض فشوهدت لواحاتي من ضمن المعرض المدرسي ، وكان سببا لاندفاعي لاحقا الى التعميق أكثر في هذا المجال . وهذه الاسباب التي دعتني للدخولي المبكر الى عالم الفن ، وكان باكورة الانفتاح على الفن في مرحلة الدراسة الاعدادية ، ولكن ابتعد عنه بسبب الظروف السياسية والاجتماعية مع بداية الثمانيات من القرن الماضي وبعد ان اشتدت الهجمة القمعية لنظام البعث ضد الوطنيين المثقفين والتي إنتهت بإعتقال وإعدام المئات منهم .
وفي سياق حديثه ، يقول الفنان الوندي ، لولا الفن التشكيلي ما توصلت الحضارات وما استطاعت البشرية الحفاظ علي تراثها عبر العصور .
بفضل الفن التشكيلي عاشت الحضارات القديمة وكشفت لنا عن كنوز من المعرفة وخلاصات التجارب الإنسانية العديدة في كل مجالات الحياة . وتشهد علي ذلك آلاف المخطوطات واللوحات التي رسمها قدماء وفوق جدران المعابد . وفي العصر الحديث يستطيع المتلقي أن يتعرف علي ثقافة أي شعب من خلال زيارة معارضه الفنية والإطلاع علي ما توصل إليه فكر وفلسفة ورؤية هذا الشعب لكثير من جوانب حياته اليومية ووجهات نظره حول الواقع الذي يعيشه وانطباعاته حول العديد من الأمور الإجتماعية والثقافية والسياسية...[1]