محمود الوندي
مظلومية الكورد الفيلية في عهد النظام البائد
ان اولى حملات التهجير ضد الكورد الفيلية تعود الى اواسط الثلاثينات من القرن الماضي في عهد رئيس الوزراء ياسين الهاشمي في النظام الملكي ، ثم تلته عدة حملات في الاربعينات والخمسينات ، ولكنها لم تأخذ طابعها الشمولي الا مع وصول البعث الفاشي الى السلطة في نهاية الستينات مرة أخرى بأنقلابهم الأسود وهيمنوا على الحكم في 17-07-1968 ، والتمادى في استغلال قانون الجنسية العراقية رقم 24 لعام 1924 لإغراض سياسية وكأداة ضغط وملاحقة في سياسته الداخلية ( خاصة ضد الحركة الكوردية التحررية والحزب الشيوعي العراقي وبقية قوى المعارضة ) كما استغله لإغراض سياسته الخارجية ( خاصة تجاه إيران في بعض الأوقات ) ، وأصدر النظام قوانين جديدة ضد العراقيين من الكورد الفيلية وغيرها من الطوائف حججها وأهدافها سياسية بحته وذات أغراض اقتصادية واضحة بسبب سيطرتهم شبه الكاملة على أسواق بغداد وعلى الحركة التجارية في العراق ، لا سيما بعد هجر التجار اليهود ، الامر الذي أثار حفيظة العنصريين والحاقدين على الشعب الكوردي ، لذلك قامت حكومة البعث بتجريد أموالهم وانتزاع أملاكهم التي كونوها وشيدوها بجهودهم واجتهادهم وعرقهم وكدهم لسنوات طويلة من العمل والجهد ، التي لم تكن سوى فرهودا رسميا لتلك الممتلكات والأموال من قبل أمن الدولة ، اضافة الى أبعاد اجتماعية ونفسية عميقة وتبعات ثقافية كبيرة ونتائج إنسانية أليمة جدا ومرعبة أحيانا ، وأما الأسباب الثانوية فهي عديدة ومنها خلق مشاكل للحكومة الإيرانية وابادة من يعارضه . كان من بين هذه القرارات القرار السياسي الجائر الصادرعن أعلى سلطة سياسية فاعلة في دولة العراق آنذاك ، وهو مجلس قيادة الثورة المنحل ، القرار رقم 666 الصادرة في 7/5/ 1980. والسبب معروف للجميع ، لأنهم رفضوا سلطة البعثيين في بداية حكمهم ونازلوهم في عقر دارهم .
لذلك أقترف المقبور صدام حسين وحزبه الدموي بحق أبناء العراق الأصلاء من الكورد الفيلية الغيارة أبشع الجرائم والتمييز العنصري والتطهير العرقي في بداية السبعينيات من القرن الماضي من عمليات التنكيل والبطش والأعتقال والتهجير بحجة التبعية المزعومة ، ولكن السبب الحقيقي هويتهم القومية ، إضافة الى الأنتماء المذهبي ، وقوة مركزهم الأقتصادي ، ورفضهم الأنضمام الى صفوف حزب البعث الفاشي والتعاون معه ، وكانوا مناوئين لنظام البعث وأصبحوا شوكة في عيونه ، لذلك أستخدم المقبور صدام وحزبه الشوفيني مختلف الطرق والأساليب الماكرة والوحشية بغية التخلص من هذه الشوكة سواء بالترحيل والتهجير أو الأبادة الجماعية .
وقد بلغت المأسي والويلات ذروتها في بداية الثمانينات عند أفتعال حكومة البعث أزمتها مع إيران ، لأن طاغية العراق أدرك حجم وخطورة الكورد الفيلية داخل المعارضة العراقية وحركة التحررية الكوردية في كوردستان العراق ، وادرك أيضآ أنها الجزء الفاعل في الجسد السياسي لعموم القضية العراقية لأنتمائهم الوطني والقومي والمذهبي ( وفعلاً كان الكورد الفيلية الجزء الفاعل في الجسد السياسي لعموم القضية العراقية) ، لذلك أطلق الدكتاتور الأرعن عنان أجهزته الأمنية والحزبية للسيطرة وسرقة المحلات التجارية والمعامل التي تعود ملكيتها الى الكورد الفيلية في وضح النهار وأعتقال مئات منهم أثناء العمل ، ومداهمة بيوتهم في منتصف الليل وأخراجهم بملابس النوم بعد أن شعر الخوف منهم ، وحشدهم في السجون التي هيأت لهم تمهيداً لتسفيرهم ، وكانوا يتعرضون الى أشتى انواع التعذيب والإهانات من شتائم وضرب من قبل الحثالات التابعة للأجهزة الامنية العراقية ( أنذاك ) داخل السجون ، بعد ان سيطر نظام البعث على دورهم وأملاكهم في بغداد ومدن أخرى ، وأعدم بدون ذنب شبابهم من سن 15 سنة ولغاية الأربعون وربما أكثر ، وكانت بينهم فاقدي البصر ( المكفوفين ) والمعوقين وكذلك النساء الحوامل اضافة الى العلماء والاكاديميين والأساتذة والطلاب والتجار ، وتم تهجير أكثر من نصف مليون منهم تحت ذريعة التبعية الأيرانية ، مع العلم أنهم مولودون في العراق أبآ عن جد منذ مئات السنين ، بعد ان أنتزعوا كل ما يشيرالى عراقيتهم ، وسلب أموالهم وكل ما يملكون ، سفروهم الى المناطق الحدودية المتاخمة لإيران ، وقد أرغموهم على عبور الأراض المحرمة بين الدولتين أثناء الحرب القذرة وعلى حقول الألغام والمزروعة من الطرفين وكان أكثرهم من الاطفال والنساء والشيوخ والعجزة ، ومات كثيرمنهم أثناء العبور بسبب أنفجار الألغام الأرضية ، وقسوة الظروف المناخية القاسية في تلك الايام عند عبورهم الى إيران . فأن النظام الإيراني قام بإستغلال الكثير من شبابهم حيث قام بزجهم في آتون حروبه مع العراق وأصبحت هذه الشريحة وقوداً وحطباً في تلك الحرب من الجانب العراقي وأيضاً من الجانب الإيراني التي دامت ثماني سنوات ، نتيجة هذه المعاملة الغير الإنسانية بحقهم من قبل الحكومة الإيرانية ، مما أدى أن هاجر الكثير منهم الى الدول الاوربية بحثاً عن مستقبل جيد وحياة آمنة ومستقرة لهم ولعوائلهم .
وقام النظام البعثي بأسكان العرب من فلسطين ودول عربية أخرى في بغداد العاصمة بعد ترحيل وتهجير الكورد الفيلية من وطنهم دون أي وازع أخلاقي أو ديني أو دستوري ولا حجة قانونية ، ومنح الجنسية العراقية لهم حسب قانون رقم 5 لسنة 1975 ودون أية شروط مع أحتفاظهم بجنسيتهم الاصلية أضافة الى أمتيازات عديدة ، كما قام بأسكان العشائر العربية العراقية في مدن كوردستانية حسب قرار مجلس قيادة الثورة في عهد الرئيس السابق صدام حسين عندما أقر عام 1986 القانون رقم 42 الخاص بأسكان العرب في مدن كوردستانية ، وكان هدف نظام البعث الى تغيير البناء الديموغرافي ومحاولة تقليل نسبة السكان الكورد في العراق وخاصة في مدن وسط وجنوب العراق وبعض مناطق من أقليم كوردستان ، وهذه الأعمال الخسيسة والخبيثة من قبل نظام البعث تعد جريمة التطهير العرقي احد اشكال الجريمة الدولية لأنها أبادة الجنس البشري ، وتعني التدمير المتعمد للكورد الفيلية حيث انها تشبه الجرائم التي أرتكبت أيام الحكم النازي ، هذه الجرائم التي أقدم عليها نظام البعث الشوفيني هي مخالفة للدستور والقوانين والألتزامات الدولية وللأعلان العالمي لحقوق الأنسان ، رغم سكوت المحافل الدولية والمنظمات الإنسانية عن تلك الجرائم .[1]