المسألة الكوردية قضية أرض وشعب
م.رشيد
قضيةُ أرضٍ وشعبٍ خاصيةٌ رئيسيةٌ وغايةٌ نهائيةٌ للكورد، حافظوا عليها كمبدأ وشعار وهدف خلال عقود زمنية غابرة عبر نضالات كبيرة وتضحيات كثيرة قدموها في عشرات الثورات والانتفاضات من أجلها، فلا يحق لأي كيان(ولا يتجرأ) فرداً أو حزباً مهما علا شأنه وعظم مقامه أن يتخلى عنها أو يحرّفها أو يبدّلها..
إن السمة الوطنية أو الصيغة الأممية أو الصبغة الأيدولوجية أو اللمسة الدينية… (على بعض برامج الأحزاب الكوردية) توصيفات مؤقتة وحالات انتقالية للقضية في مرحلة التكوين والتأسيس لأجل التحرر والاستقلال وبناء الدولة الكوردية أسوة بباقي أمم الأرض.
فالتنظير والترويج للقضية الكوردية على أنها وطنية بامتياز أو ديموقراطية في المآل أو إنسانية في الأساس تشويه لحقيقتها وتحريف لأبعادها، كما أن حصر حلولها في توفير بعض الحقوق المدنية والثقافية على أساس المواطنة أو الشراكة في الأرض والتاريخ أو الأخوة في الدين..، ماهي إلا استهداف لحقيقة القضية لإفراغها من محتواها، ونسف لعدالتها ومشروعيتها كما تقره العهود والمواثيق الدولية، وتذويب لخصوصيتها القومية ضمن العمومية الوطنية والأممية والنظم الشمولية.
تعرضت القضية للتمزيق والتشويه مرات عديدة منذ انهيار الدولة الكوردية الرسمية (كالميدية والميتانية وغيرها..) وفقاً لمصالح القوى المتنفذة لكل ظرف زمني ومكاني، ابتداء من جالديران وانتهاء بسايكس بيكو، وكلما سنحت لها الظروف بالانفراج والبروز، اعترضهتا لعنة التقسيم الجغرافي والديموغرافي، ولدغة التشويه الفكري والسلوكي، التي طالما تستثمرها الأنظمة الغاصبة لكوردستان، وذلك لإستمرارية سلطة وسيادة شعوبها(قومياتها)، مستغلة تأييد ومؤازرة الدول العظمى مقابل حماية أمنها ومصالحها القومية.
إن التحولات التي حصلت منذ بداية الألفية الجديدة جعلت القضية الكوردية من الاهتمامات والضروريات العاجلة، ووضعتها فوق طاولة البحث والتداول ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد لدى معظم مراكز البحث والقرار في العالم، وازدادت أهميتها لدى الرأي العام سيما بعد ظهور داعش وأخواتها، ممثل الفكر الشمولي العنصري، الذي يهدد الأمن والسلام في المنطقة والعالم بارهابه ووحشيته.
أبدى الكورد بسالتهم وجدارتهم ومصداقيتهم (بخلاف سواهم من الأقوام) في محاربة داعش ودحره دفاعاً عن المدنية والإنسانية والديموقراطية جمعاء، ويقدمون قرابين ضخمة وعزيزة في مواجهته، وينتظرون المزيد من الدعم والمساندة من الدول المتقدمة والديموقراطية في العالم لحل قضيتهم القومية جدياً ودفع المظالم المتراكمة عليهم خلال قرون نهائياً ، والتي تعتبر فعلاً وحقيقةً البوابة الرئيسية لحل مشاكل وقضايا المنطقة، والتي تنعكس آثارها عليها بشكل أو بآخر.
تحاول الدول المقتسمة لكوردستان باستمرار وبعض القوى الإقليمية يائسة ممانعة التطلع الكردي الموافق والملازم للمشروع العالمي في المنطقة، والذي تظهر ملامحه تباعاً على الأرض لإعادة رسم خارطتها السياسية على أنقاض معاهدات التقسيم المنتهية الصلاحية مثل لوزان وسايكس بيكو، وذلك من خلال:
التدخل العسكري المباشر في المناطق الكردية وفرض الحصار عليها، والقيام بعمليات القتل والتهجير والتنكيل لإفراغها من سكانها.
الاختراق الاستخباراتي والأمني في صفوف قيادات وفصائل الحركة لتشتيتها واضعافها وبالتالي احتواء بعضها وتجنيدها لتنفيذ أجنداتها العدوانية المعيقة للنهوض الكردي الملحوظ.
التحرك السياسي بطرح نسخ مشوهة وبديلة بمبادئها ومقاصدها لمشروع التحالف الدولي، ودفع بعض القوى الكردية التي تتحرك في فلكها للانخراط في أطر وائتلافات تشكلها وفق معايير وضوابط خاصة ومحددة لتكون جزءاً منها ومنفذاً لبرامجها.
التنشط إعلامياً ودبلوماسياً واقتصادياً..على الصعيد الاقليمي والدولي لكسب التأييد والدعم لمساعيها، وذلك بعقد صفقات واجراء مساومات، مهما بلغ ثمنها وكيفما كانت شكلها وحجمها ومحتوها، لأن المهم والمطلوب هو ضرب القضية الكوردية واجهاضها ونسفها.
أما في السياسة والفلسفة فالتكتيك والقبول بالممكن تبعاً للظروف الذاتية والموضوعية وفق مبدأ الخطوة -خطوة ضمن مساحة حق تقرير المصير جائز ومفيد بشرط عدم التنازل عن ثوابت القضية أو الإلتفاف عليها من باب الإجتهاد أو المراوغة أو المساومة مقابل مكاسب (شخصية او حزبية) هامشية سطحية آنية غير موثقة تحريراً ودستوراً، وغير مصدقة محلياً ودولياً، وغير مضمونة الحياة حاضراً ومستقبلاً.
أهم شروط الضمان والاستمرار لقضية الأمة الكوردية بمفاهيمهما التحررية والإنسانية والقومية والديموقراطية ولقطع الطريق على المتربصين من العملاء والأعداء هي الإلتزام بالخصوصية والاستقلالية والواقعية في الطروحات والرؤى، وتوحيد الصف والخطاب الكورديين على غرار الجبهة الكوردستانية في العراق والهيئة الكوردية العليا في سوريا(سابقاً)، والتعاون والتنسيق مع الدول العظمى صاحبة القرار، توطيد التشارك والتحالف مع القوى الوطنية الديموقراطية في الدول المقتسمة لكوردستان على أساس المساواة والاعتراف بالحقوق والواجبات، وأخذ الحذر والحيطة من الأنظمة الحاكمة لتلك الدول ومشاريعها القائمة على الوعود الكاذبة المؤجلة والنوايا الشريرة المبطنة.
عملياً يتطلب عقد مؤتمر قومي كوردي على مستوى كافة أجزاء كوردستان لوضع الاستراتيجيات والأولويات للعمل الكردي، وتحقيق التعاون والتنسيق وتبادل الخبرات والطاقات بين كافة الأطراف، يسبقها ترتيب البيت الكردي انطلاقاً من الأجزاء، والبدء بالحوار بين كافة الكيانات والأطر الفاعلة، تبادر إليها القوى الرئيسية المتنفذة كوردستانياً، والانطلاق من الإقليم برعاية وإشراف رئيسه السيد مسعود البارزاني.[1]