محمود الوندي
للأسف الشديد يغيب الاعلام العراقي والكوردستاني عن المعارض التشكلية التي تقام في كثير من صالات العرض ( كونه حلقة وصل بين الحمهور والثقافة الفنية المختلفة ) ، وابتعاده عن اللقاءات والحوارات مع صاحب الشأن لإشاعة القيم الثقافية والمعرفية والجمالية ، وعدم الاهتمام بتشيع هكذا الطاقات والتي تخدم المجتمع بإخلاص وتفاني كبيران ، وبالتالي ظلت تلك الطاقات والإبداعات حبيسة الجدران ، من الطبيعي هذه الاهمال لها اثر سلبي في تنمية وتشجيع الفنان ، وخلق الفجوة والجفاء بين المجتمع وبين الفنانين التشكليين ، برغم ان الفن التشكيلي يمثل ركيزة من ركائز الثقافة والحضارة لكل شعب من الشعوب ، وانه جزء لايتجزء من الحركة الحضارية بل العاكسة للثقافة والحضارة في شتى العصور والأوقات .
يفترض على الاعلام العراقي بالعموم ومنه الاعلام الكوردستاني (بجميع قنواته المقروء والمسموعة والمرئية) لتخصيص جزء من الوقت لمتابعة عروض الفن التشكيلي والتواصل معه من اجل نشر هذا الفن بين الجماهير المتلقية على نطاق اوسع حيث يكون تشجيعا للفنان من تقديم اعماله وإقامة معارض تشكيلية له بصورة مستمرة ، لان الفنان يحتاج الى الرعاية اللازمة لابراز ابداعته وابتكاراته الفنية ولو كانت الاعمال تحتوي على الحد الادنى من متطلبات الفن مثل الحس اللوني والحس اللمسي لا بد هناك استيعابا نسبيا بين الجماهير.
هذه المقدمة لاهمال الاعلام العراقي ومنه الاعلام الكوردستاني للفن التشكيلي ومعاناته كما يعاني اخوته من الفنون الأخرى معاناة الاهمال ، وحثه على المتابعة واللقاءات التي تبني جسور للتواصل والتعارف بين الفن وبين الجمهور المتلقي ، مثلما يقوم به الاعلام الالماني المتنوع الذي يلتقي الفنانين من مختلف الجنسيات الذين يعيشون في المانيا ويتابع اعمالهم الفنية من خلال برامجهم للاطلاع على اخر مستجدات حياتهم الفنية وتعرف على كل ما هو جديد في عالم الفن التشكيلي ووصولها الى الجمهور الالماني .
وفي هذا الإطار حل الفنان الكوردي العراقي حسين محمد علي الوندي ضيفا على الاعلام الالماني الذي أشاد بتجربته وارتباطه بواقعية متناهية وقوة تعبيريه على لوحاته وبروح ذات شفافية عالية ، وهذه الكلمات جاءت خلال المقابلة التلفزيونية التي اجرتها الإعلامية الالمانية كرستيانة هابينشت ( Christiane Habe nicht ) مع الفنان التشكيلي حسين الوندي وبثتها شاشة الفضائية الالمانية NDR، إضافة الى الحوار الصحفي الذي اجرته معه بيتر براندهورست ( Peter Brandhorst ) في مجلة هايم بليس ( Hemples ) تحت العنوان الفنان العراقي ترك السلاح وحمل فرشاة الرسم ، وجاء ذلك على هامش اقامة المعرض الشخصي للفنان الوندي في احدى القاعات في مدينة كيل المانية تحت عنوان خانقين من خلال عيوني واستمر عرضه لمدة اسبوعين وتمثل بها الوجه الحقيقي لمدينته وهموم الانسان واحلامه وآلام المجتمع وآماله ، ومن خلال تلك اللوحات تبين للوندي اعمالا فنيا رائعة ومبلورة وحملت لوحاته الفنية أبعاد اجتماعية وسياسية بحيث استطاعت ان تلتمس الحالة الروحانية للمأساة والمعاناة لاهالي مدينة خانقين في العهد السابق والعهد الحالي .
وكان إمكانية الفنان اللعب على العلاقات اللونية بطريقة غاية في الجمال ( اشارة الى تقيم للاعلام الالماني ) لقد اتخذ منه وسيلة للتعبير عن القيم الشكلية ومن خلاله عبر عن جميع النواحي الجمالية الذي مختمر في عقليه وذهنيه ، وانه عرف كيف يوزع اللون في لوحاته بمهنية عالية وجوانب حية من هواجسه التشكيلية ، إذ جعل الرسوم وإيقاعاتها اللونية منسجمة مع بعضها في تأليف موضوعي وحبكة متجانسة في كل مكونات العمل الفني ، لذلك تمكن من إيصال الاحساس الى الجمهور الالماني الذي كان احد الاسباب للقاء معه من قبل الاعلام الالماني ، حيث قدم لوحاته التشكيلية بصياغة الحقيقية وفق نسق جمالي مبتكر الذي عمل على إثارة المشاعر والوجدان الجمهور الالماني بطريقة اكثر صفاء ، بل ترك أثرا واضحا في ذاكرته ومن جانب اخر ترك تأثير على نفس وروح الاعلام الالماني .
تعامل الوندي مع لوحاته تشكيلية ( اشارة الى الاعلام الالماني ) بتقنيات حديثة ووظفها بطريقة معاصرة كأيقونة جديدة حيث كانت لﮪا طعما خاصا غير كلاسيكية وبعيدا عن التعقيد . واستطاع أن يرسم له أرضية خاصة وأسلوب مميز التي يتماوج في ثناياها الانفعال والحس والشعور في اشباع العين قبل العقل ، إن اغلب أعماله بسيطة تلامس هموم الناس البسطاء لذلك تمكن من تحضيرجمالية المأساة بمدينة خانقين وتعرض قضاياها بأسلوب المباشر من خلال لوحاته لجذب المشاهد بسهولة وبساطة كبيرة ، واعكس في اعماله صدق وتفاؤل الفرد وآماله العريضة في الحياة .
حشد الوندي كل ضربات فرشاته من اعماله الفنية بشكل متمييز والإيهام في خلق الواقع وطرح افكاره الجرئية على سطح لوحاته ليخلق دهشة بصرية في إيجاد الإثارة والجذب ومعتمدا على المضمون وقوة الشكل الفني الذي يمتلك بروح ذات شفافية عالية وعلى فكرة ايحاءات الحقيقية والمؤثرة في اعماقه .
اننا نرى ان أغلب اللوحات التي ركز فيها الفنان على الألوان المتعددة ( حسب راي الاعلام الالماني ) ، ما هي الا حالات تراكمية لمجموعة من المناخات التي عاشها في أماكن طفولته في مدينة خانقين والالتصاق بارضها وترابها وموروث العادات والتقاليد ، فقد بدأ حياته هناك بتمتع بجمال المدينة وحب الطبيعية فيها ، لكنه لم يجد نفسه الا حين امسك بالفرشاة وراح يجد لنفسه طريقا للتعبير من خلال الالوان لتكون لوحاته مستوحاة من الحياة والطبيعة وما يدور حولها ويلفت نظره او يثير اهتمامه ممزوجا بأحلامه وخيالاته الخاصة واخرى تجريدية مع بعض التعبير الرمزي والتي وسمت معظم تلك الأعمال بالهموم والمعاناة اهله ، فاستطاعت ان يضعنا وجها لوجه إزاء عالمه المتفرد ، والذي'لا يقل جمالية عن عالم الواقع .
وفي نهاية حديث الوندي للتلفزيون الالماني NDR من جملة الامور التي يعاني منها الفنان العراقي هي اهمال وسائل الاعلام للحكومة العراقية وكذلك حال في وسائل الاعلام في اقيلم كوردستان لهما وسعة الهوة بين الطرفين ، لذلك طالب الفنان حسين محمد الوندي من خلال الاعلام الالماني من الاعلام العراقي وخاصة الاعلام الكوردستاني (الذي لا يعرف شيئا عن الفنانين التشكيلين من الكورد وبالاخص في الخارج ولم يسمعوا بهم لانه لا يهتم بقيمة المبدعين) بمتابعة فعالية الفنانين التشكليين العراقيين وتعرفهم على الجمهور العراقي وعدم تهميشهم ، وعدم اهمال انتاجتهم الفنية ودعمهم معنويا ليرفع معنوياتهم وإظهار الجوانب الإبداعية والابتكارية لهم وكذلك تطور في الجوانب الفنية والتقنية والجمالية ليكونوا عناصر التواصل مع بيئتهم ومظاهر حياتهم اليومية وذلك لإعطاء المشاهد حرية أكبر في خطوات قراءة اللوحة الفنية الحديثة .[1]
0