#صباح كنجي#
من جديد عادت سنجار لتتصدر واجهة الحد ، بعدَ أنْ سقطت الكثير من الاقنعة قبل أن تسقط سنجار ويدخلها الدواعش بلا مقاومة كأنهم يدخلون لحفلة ترفيهية.. سنجار لمن لا يعرف ليست مركز قضاء البلد فقط كما يكنى .. بل منطقة جغرافية واسعة في اقصى الحدود الشمالية الغربية للعراق مع سوريا.. فيها عدد من النواحي منها.. (الكسك.. سنون/ الشمال.. خانصور.. القيروان التي اضيفت الى البعاج.. وكر عزير التي سميت بالقحطانية ) بالاضافة الى 12 تجمعاً سكانياً كبيراً يتجاوز عددهم ال 400 ألف مواطن ومواطنة جلهم من الايزيديين.. الذين حشروا فيها عام 1975 بعد ان هدمت قراهم التي تجاوز عددها ال 360 قرية إثر انهيار الثورة الكردية..
يحدثنا التاريخ عن معاناتهم.. ما حل بهم.. ناهيك عمّا حفظه لنا الجبل.. جبل سنجار الاشم بكبريائه.. وهو يمتد لأكثر من 70 كيلومتراً من الشرق الى الغرب حيث يدخل الاراضي السورية جنوب الحسكة..
سنجار من المناطق المتنازع عليها.. فيها قوة كبيرة من تشكيلات الاحزاب الكردية الحاكمة.. واكبر معسكر لتدريب الجيش العراقي في ناحية الكسك وسط المسافة بين مركز القضاء وتللعفر.. الذي شهد هو الاخر سقوطاً غرائبياً بيد الدواعش قبل أيام ..
نعود للحدث .. حدث سقوط سنجار .. المشهد المسرحي المعتمد على الحقائق التي تقصيناها من أكثر من مصدر .. في المقدمة منها الشنكاريون اقرأها عربياً السنجاريون تؤكد.. عدم وجود مقاومة .. أي نوع من المقاومة حتى لو كانت مجرد اطلاقات في الهواء.. كما يحدث في الاعراس ومناسبات الفرح .. بعد أن وجه الداعشيون ومن معهم تهديداً لقوات البيشمركة في السيطرات والمواقع العسكرية والحزبية شمل قيادات ومقرات الحزبين الرئيسيين فيها.. الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكرستاني.. طالبوا فيه اخلاء مواقعهم ومغادرتها دون مقاومة .. لقاء فسح المجال لهم بالانسحاب الآمن الى حيث يريدون ..
مع الفجر ..في لجة خبطة التواطئ.. شمع البيشمركة الخيوط .. أغلقوا مقراتهم .. انسحبوا من السيطرات.. اخلوا المواقع العسكرية.. دون ان يطلقوا طلقة واحدة في مواجهة المهاجمين الدواعش.. تركوا الناس والاهالي في حيرة من أمرهم.. تصدى لهم البعض من الاهالي في مجمع سيبا شيخ خدر.. الذي كان قد استهدف قبل سنوات بالتفجيرات المعروفة في حينها .. واستمر القتال في اكثر من محور من قبل الناس المدنيين من الايزيديين السنجاريين فقط .. لا غيرهم لساعات طويلة..
ومن اطلق اطلاقة واحدة بوجه الدواعش ليعلنها ويقنعنا انه قد قاوم.. كي نرفع له القبعة تحية واحتراماً وتقديراً.. في معبر ربيعة.. سألت الصحفية الكردية.. الناس عن سبب هجرتهم ومغادرتهم لقراهم ومناطق سكناهم.. اجابت امرأتان سنجاريتان دون تردد..
الجميع خذلونا.. الجميع خذلونا .. وركزتا على انسحاب قوات الحزب الديمقراطي الكرستاني وبقية البيشمركة الكورد وهروبهم دون قتال!! ..
بين رتل السيارات العابرة باتجاه دهوك في مدخل ربيعة.. استوقفت ذات الصحفية عربة لاندكروز و شاحنة تقل بيشمركة من الجيش الكردستاني.. بعد ان عنفتهم.. إستفسرت منهم عن سبب انسحابهم مع الناس!.. ولماذا لا يقاتلون ويدافعون عن المواطنين ومواقعهم؟ .. أجابها احدهم دون خجل ..
لا استطيع ان اجيب على تساؤلاتك..
في هذا المشهد الموثق بالكامرا والصوت تعرت الكثير من الاقاويل والادعاءات التي تؤكد ان البيشمركة ( اقرأها المرتزقة التابعين للحزبين ) صامدون في مقاومة الدواعش.. في حين اكدت المعلومات الاخرى هروب اكثر من 700 بيشمركة/مرتزق وجنود أكراد الى الغرب تجاوزوا الحدود العراقية ودخلوا الاراضي السورية في الحسكة..
المشهد في سنجار يمتدُ في قبحه الى حيث ما جرى في الموصل .. بعد ان تسلمَ المدينة الدواعش والنقشبنديين من اتباع الطرطور عزة الدوري .. ما حدث في سنجار هو فصل جديد من مسرحية العبث .. انه عبث يمتد في التاريخ ليوقظ الوجع السنجاري المؤلم مع حكايا الفرمانات التي حلت بهم.. ما زالت تفاصيلها الدامية تروى بين الناس في الحكايا والاغاني والملاحم السنجارية.. ليس كتاريخ هذه المرة .. بل في فصل عبثي جديد على مسارح سنجار.. بعد ان اتفق المخرج مع كاتب السيناريو والمنتج بالتنسيق مع قوات البيشمركة على استقبال الدواعش والترحاب بهم خارج صالة العرض.. ليكون المشهد حياً ومقنعاً في هذا الزمن الذي يعيد انتاج الرذيلة والهمجية الحاملة للرايات السوداء..
سنجار لم تسقط ..
الايزيديون في سنجار لم يسقطوا وحدهم ..
لم يسقط رمز صمودهم شرفدين وينكس راية المقاومة وحده لأول مرة في التاريخ..
سقطت قبل هذا منظومة الدفاع الكردية.. سقطتت وزارة البيشمركة .. سقطتت وزارة الداخلية.. سقطتت سياسة التحكم بسنجار والمناطق المتنازع عليها من قبل الحزبين الريئسيين..
سقط الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي تشكل قوام فرعه السنجاري من مجموعة بعثيين وامراء سرايا الجحوش في العهد الصدامي المقبور .. قبل ان يسقط حليفه الاتحاد الوطني الكردستاني.. ومعهم سقطت قيادة الحزب الشيوعي الكردستاني من واجهة الديكور المزوق لفساد السلطة ونهج المساومة..
في المفصل في الحدث .. سقط اللاحقة الكردية من تسمية الايزيديين مع هذا الفاصل القبيح .. من اليوم لن تسمع ايزدياً يقبل ان يوصف بالكردي .. الايزيديون اسقطوا القناع الكردي الاصيل ورموه جانباً.. لم تعد كردستان وطناً يلفهم ويضمن مستقبلهم .. الشرخ بات ابعد مما نتصوره في هذه اللحظات الحرجة المتداخلة.. التي يلهث فيها السنجاريون من العطش وشبح الموت المرافق للانهيار ..
الانهيار .. انهيار الروح المعنوية في سنجار.. فقدان الثقة بدور المؤسسات الكردية الرسمية سينتقل عبر الفضاء الرحب الى سهل نينوى وبقية ارجاء كردستان كالنار في الهشيم .. وسط هذا الهول المفبرك سيؤشر اتجاه البوصلة للمزيد من الهروب .. المدن المستباحة من الدواعش لا تنتج الا المهزومين.. والمزيد من الكوابيس المزعجة ..
اصبحت سنجار بوابة للعبث.. بعد ان دخلها الله براية سوداء معلناً عهده بفاجعة جديدة تنطلق منها في فضاء الجغرافيا متجاوزة اطر الحدود ومصدات الوهم السياسي العسكرية البلهاء.. لا تتفاجأوا أن صحوتم في المقبل من الأيام السوداء.. على الدواعش يدعون الناس من المنطقة الخضراء في بغداد لحضور عرض مسرحي بعنوان.. سنجار بوابة العبث.. في هولير ..[1]