وليد عمر_
التقيت قبل عشرين عاماً خلال المهرجان المسرحي بحمص برعاية نقابة الفنانين بالكاتب الكبير فرحان بليل، وهو مسرحي عتيد، وقدمنا يومها مسرحية “أحلام السيد فوكت” وهي من تأليف الكاتب الألماني كارل تسوكماير، وقد حققت تفوقاً كبيراً أنذلك، وتحدث النقاد عنها بإيجابية، وكان معي من الممثلين الكبار فواز محمود، ومحمد يوسف، وشيرين شيخموس، والمرحوم هاشم نجيب، ويومها قال لي فرحان بلبل: هل من المعقول، أن تقدم بلدة في شمال وشرق سوريا عرضاً بهذا الجمال والقوة، ويومها أصبحنا حديث المهرجان، وفي اليوم التالي قال لي فرحان بلبل: “عليكم يا وليد أن تلتفتوا إلى تراثكم، وحكاياتكم القديمة”، فقلت له كيف؟ وأجابني: لقد كنت معلماً في قرية على الحدود السورية العراقية، وبالتحديد في منطقة الكوجرات، وهم مشهورون بصناعة الجبنة مع الثوم اسمها /سيروكي/، قلت له على الفور تقصد /سيركي/ قال: نعم، هي بالضبط.
التقيت يومها مع مجموعة من المسنين، الكبار بالعمر، وقصوا علي حكايات حصلت مع آبائهم، وأجدادهم، ومنها قصة البئر المهجورة، وبالكردية “بيرا هرفي” وتقول الحكاية: كان في القرية إقطاعياً يملك الكثير من الأرض الزراعية، وغيرها وكان في القرية بئر وحيدة، يشربون من مائها، ويسقون حيواناتهم منها، وفي يوم من الأيام استغل الإقطاعي هذه البئر، وزعم أن جده هو الذي حفرها، وعليهم من الآن فصاعداً شراء الماء منه، رضخ أهل القرية له خوفاً من بطشه، وكان كل عام يرفع ثمن الماء، مثلا بيع سطل الماء بعشر بيضات، والبرميل بخاروف، لقد قام باستغلالهم، واحتكر لنفسه الماء، وأذل أهل القرية جميعاً، ولكن عجوزاً من القرية مع مجموعة من الأطفال، حاربوه، وحرروا البئر، وهنا يظهر فرحان بليل دور الأطفال الإيجابي في الحكاية.
وأضاف فرحان في ذلك الوقت: الحقيقة هناك الكثير من الحكايات الكردية، ذات مغزى، وفيها عبرة لنا، الآن وفي هذه الظروف هناك المئات من المستغلين، والاحتكاريين، الذين يتلاعبون بقوت الشعب، ولقمة عيشه، إذا عملنا بما تقوله الحكاية علينا الوقوف بوجههم ومحاربتهم دائماً، وبكل الوسائل، واعتقد جازماً بأنه على المسرحيين العودة إلى التراث الكردي، ليخرج بمسرح حكاياته مناسبة، وهادفة للجمهور، وهذا الأمر هو من أحد أهداف المسرح.
ولذلك يجب علينا إحداث مؤسسة للبحث عن التراث المتناثر هنا وهناك، وتجميعه في كتب ليتسنى للمخرجين إعداد تلك الحكايات التراثية، وتقديمها بصورة جميلة للجمهور، وذلك للاستفادة من تلك الحكايات في تطوير الحس الوطني والجمالي، والإنساني للشعوب كافة.
أذكر هنا، إن الكاتب المسرحي والمخرج فرحان بلبل، وهو المؤسس الأول لفرقة العمال بحمص، وله الكثير من المؤلفات المسرحة، وقدم الكثير من الدراسات والتأليف، ومن ضمنها “البئر المهجور” للأطفال، وأخيراً نتمنى أن يتجه المخرجون المسرحيون إلى التراث، ويستلهموا مسرحياتهم من خلال ذلك، لتحقيق الأرضية الصلبة لمسرح تراثي مهم وضروري لتوثيق التراث والاستفادة منها.[1]