نوروز … ولكل عصر أزدهاكه و كاواه …
زاوية نقاط على حروف *
منذ آلاف السنين وعلى امتداد الجغرافيا الممتدة من البحر المتوسط إلى بلاد الهند, تحتفل الشعوب بيوم نوروز . ولأن الحكام وأتباعهم هم من دونوا التاريخ, وهم أنفسهم من استعبدوا الناس وذوّقوهم الويلات, فأقلام البلاط تجاهلت هذا الحدث التاريخي الجلل, فانتقلت روايات نوروز عن طريق السرد الشفهي من ذاكرة جيل إلى آخر، واختلفت من منطقة إلى أخرى, لكن معاني نوروز تبقى هي نفسها في جميع الروايات حيث طغيان فئة عبثت بحياة الناس(أزدها), انتهى يوم الحادي والعشرين من آذار, على يد المظلومين والمعذبين وبطلهم ( كاوا ) .
ما تقوم به المجاميع التكفيرية اليوم من قتل وسبيٍ وعبثٍ بالحياة, لا يقل عن طغيان أزدهاك وانتهاكه وفتكه, بفارق إضافي هو أن الترويع والترهيب لا يقتصران هذه المرة على منطقة بعينها بل يشملان جغرافيا العالم برمته, إنه الإرهاب الذي تحول إلى داء العصر, يُعدي وينتشر, يفتك وينفجر ويطال شره كافة شعوب الأرض, العديد من دول العالم شكلت حلفاً للقضاء على هذه الآفة، لكن المدافعون عن الحياة وقيم السلم والحرية من أبناء المنطقة هم من سيلعبون الدور المحوري على الأرض، وبدون مشاركة فعلية من قبلهم لا يمكن إلحاق الهزيمة بالإرهاب في منطقة هي نفسها مسقط رأسه (الإرهاب) وبيئته الثقافية. لكن هيهات، ففي الوقت الذي من المفترض أن تتكاتف فيه شعوب المنطقة وقواها وتنضم إلى هذا التحالف الدولي, تشن النخب المتحكمة بقرار دول الجوار, حملاتها وحروبها على الكُرد بدافع عنصري مقيت, في مساع مشبوهة لإثارة النعرات وإلهاء الشعوب بتفاصيل طائفية وأثنية, متجاهلة مخاطر داعش بل متورطة أحياناً في تقديم العون للمنظمات الإرهابية.
التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بصدد استكمال التحضيرات وقريباً سيعلن ساعة الصفر لتحرير أعتى قلاع تنظيم الدولة ( داعش ) في الموصل والرقة، وفي الموقعين يعتمد هذا التحالف على شهامة المدافعين الكُرد وإرادتهم، ففي العراق يتم التنسيق بين الجيش العراقي وقوات البشمركة على الأرض بإشراف من التحالف الدولي، وفي سوريا تتولى وحدات الحماية الشعب بالتنسيق مع بعض الفصائل الأخرى القيام بالمهمة نفسها .
الكُرد – مرةً أُخرى- في مواجهة الطاغوت، وأحفاد كاوا يَنبرون مرةً أخرى لحمل راية تخليص البشرية من شرّ ازدهاك العصر .
سيتم تحرير الموصل وكذلك الرقة وسيندحر الإرهاب – دون شك – وسيدوّن التاريخ بحروف عريضة أن الكرد هم من حرّروا منطقة الشرق الأوسط من همجية داعش، وبالتالي جنبوا العالم المتحضر من عمليات انتحارية كانت تنفذ بين صفوف المدنيين فتحولهم الى أشلاء وشظايا .
لن نجادل الذين ينعتون الكُرد بأبشع الألفاظ حول كردية ” كاوا ” ولا عن دور أبي مسلم الخراساني في تشييد أكبر إمبراطورية لأجدادهم، لأننا قرأنا ما قيل في الرجل من قبل شعراء البلاط بعد أن غدروا به, ولن نبحث في بطون التاريخ عما يعزز النسب الكردي لصلاح الدين الأيوبي الذي صحح مسار التاريخ، فأعاد الأوربيين إلى ديارهم وسلم مفاتيح القدس إلى أصحابها, ولا ليوسف العظمة وإبراهيم هنانو وأمثالهم من الكُرد الذين نكروا الذات من أجل راية الانتماء الأشمل ودخلوا التاريخ من أوسع أبوابه, فهم في ذاكرتنا قدوات حسنة. لن نجادل في التاريخ الذي دوّن تحت تهديد السيف, لكننا نستطيع أن نواجه كل الملفقين والمنافقين، بل أن نخاطبهم بثقة عن دور الكُرد الحالي في الدعوة إلى السلم والتآخي بين الشعوب ومحاربة التطرف والإرهاب، وعن بطولات بناتنا وأبنائنا ودورهم في دحرّ داعش وأخواتها .[1]