#فؤاد حمه خورشيد#
ان كان لابد من إعطاء فكرة عن ماهية الفولكلور فاني أشير هنا بإيجاز ، ولكن ليس على سبيل التنظير لهذا المفهموم ، بأن كلمة الفولكلور كلمة حديثة في معناها ومغزاها نسبياً . فأول من استعملها هو عالم الدراسات الانكليز وليام جون توماس وذلك سنة 1846 ، وترجع هذه الكلمة في أساسها الى أصلين سكسونيين ( فولك : ومعناها الشعب ، ولور : أي الدراسة او العلم .
ويراد بهذا المصطلح الآن ، الأدب غير المكتوب والمتداول شفاهاً ، أي الأدب النابع من الشعب والمتداول بين أوساطه وفئاته، والذي يشمل القصص الشعبية والأغاني ، التي تدور على ألسنة العامة، والأمثلة السائدة عند الناس ، والأناشيد والأساطير والاحاجى والألغاز الشعبية ، والحكم المتداولة ، ودعوات الناس وتمنياتهم ، وما يجرى على ألسنتهم من تعبيرات معينة في المواقف والمناسبات المختلفة .
ويتوسع بعض المختصين في مفهومه ليجعلوه شاملاً لأبعاد الثقافة الشعبية كلها ، من عادات وتقاليد وميول وأذواق ، ويدخلون ضمنه الألعاب والفنون والحرف الشعبية والاحتفالات بالأعياد والأفراح والمآتم الى غير ذلك من الجوانب التي تدل على نفسية الشعب . وعلى هذا القياس فأن للشعب الكوردي كذلك موروثاً ثراً وغنياً ، أمكن تسجيل اليسير منه ، وما زال القسم الأوفر والأغنى بدون تدوين او حفظ ، وهو يتعرض مع الزمن للضياع ببطء .
هذا المقال مكرس للتعرف على أحوال الطقس والمناخ كما هو وارد على السنة الناس من الأمثال والأقوال في عموم كوردستان والمدونة في بعض المصادر ، فسكان كوردستان ، وبخاصة أهل الريف منهم ، كانوا ومازالوا يقاسون الكثير من وطأة البيئة وظروفها الطبيعية بشكل عام ، وظروف الطقس والمناخ بشكل عام ، ذلك لان الفلاحين والرعاة يرتبط نشاطهم اليومي وبشكل مباشر بتلك الظروف ، وكان من الطبيعي ان ينعكس ذلك على أقوال تناقلتها الأجيال ، ورددتها ، لكن شعرت بوطأة أي ظاهرة من ظواهر الطقس والمناخ ، سلباً كان ذلك أم إيجابا .
عند الكلام عن ظواهر الطقس والمناخ لا يعلم المرء من أي فصل يبدأ لكنني أثرت ان ابدأ بفصل الخريف وبالتحديد بظهور نجمة الشعري والمسماة بالكوردية ب ( كلاويذ ) التي تظهر في سماء كوردستان في الثامن من شهر أيلول من كل عام فيعتقد الناس وهذا صحيح بالتجربة ، ان ظهور هذه النجمة مؤشر لحدوث تغير مناخي لظهورها في أواخر فصل الصيف . فظهورها بشكل بداية لانحدار مؤشر درجات الحرارة باتجاه معدلاتها الدنيا. أي ان ظهورها يعنى عند الكورد انتهاء حدة حرارة الصيف وبدء درجات الحرارة بالانخفاض تاركة المجال في نهاية المطاف لحلول فصل الخريف .
يقول ادموندز :
ومع ان فصل الخريف هو فصل كئيب بشكل عام ، الا ان ظروفه المناخية عند الكثيرين ، وبخاصة عند أهالي كه رميان ، أي المناطق الحارة من كوردستان ، هي أفضل من ظروف فصل الصيف الحار القائض الذي لا يحتمل . فالرجل العجوز المتألم من وطأة الحر يستنجد بنجمة كلاويذ لتنقذه من ذلك الحر .
من شدة القيض استلق الكثير منا
• ياكلاويذ ! هلمى اسعفى حالنا .
ومن مناظر فصل الخريف المألوفة ، هبوب نوع من الرياح التي يصحبها تساقط مستمر لأوراق أشجار الغابات والبساتين والحدائق وتدعى بالكردية رياح ( خه زان ) ، وكذلك تبدأ كتل الغيوم بالظهور في السماء ، وتبدأ كذلك درجات الحرارة بالانخفاض ويتشاءم الفقراء بمقدم فصل البرودة والثلج وعن هذه المناظر تقول الأمثال الشعبية الكوردية :
• حل الخريف ونفض عن الأشجار أوراقها
وكسرت كوارثه ظهر من لا ظهير له.
• اقبل الخريف وأقبلت معه رياح ( خه زان ) الصفراء
وبان الرعد حاملاً سوطه عبر الغيوم.
• عصفت رياح ( خه زان ) وجردت حقول الكروم من أوراقها ،
فأنهت بذلك ثمارها وافيائها .
• فصل الخريف واضح المعالم، وان لم تسقط أوراق الأشجار.
مع ان الكثيرين يتشاءمون بقدوم هذا الفصل الا ان هناك ثمة من يبتهج ويفرح بغيومه ورعده وبرقه وأمطاره
• أرعدت الغيوم فارتعدت فرائص الجبان ،
فقلت يا فرحتي بانت الكمأة .
أما فصل الشتاء فان ظروفه ليست بحاجة الى شرح ، فشتاء كوردستان بثلوجه وانخفاض درجات حرارته ، وأمطاره ومشاكلها يعرفها كل من زار كوردستان في هذا الفصل او قرأ عنه . الا ان الشئ البارز في هذا الفصل هو كونه فصلاً يمتاز بإعاقته للكثير من الأعمال وخاصة في المناطق الريفية ، إذ لا يتسنى للفلاحين سوى الجلوس في بيوتهم حول مواقد النار والاستمتاع بالأحاديث وشرب الشاي والتدخين او تناول الزبيب والجور وانتظار انتهاء هذا الفصل ليخرجوا في الربيع لمراقبة حقولهم . أما أطفالهم فينشغلون عادة برمي البلوط في مواقد النيران واللهو لفرقعتها وانفجارها وسط النيران ثم تناول لبها المشوي. أما النساء فأنهن ينتهزن حلول هذا الفصل لمزاولة أعمال الحياكة والنسيج من كل نوع.
وعليه فان المرء يستطيع ان يرتدي في هذا الفصل ما لديه من ملابس قديمة مادام لا يبارح المنزل الا نادراً ، أما ملابسه الجيدة فهي للصيف لأنه سيكون دائم السفر والتنقل ولابد له من جيد الثياب أمام الناس يقول المثل للكوردي :
• في فصل الشتاء الملابس البالية والمرقعة،
• وفصل الصيف للتنزه والمسير .
تمتاز زخات مطر فصل الشتاء عادة بقصر أمدها فسرعان ما يصحو الجو بعد تلبده بالغيوم ، الا ان أمطار فصل الربيع أغزر مطراً وأكثر دواماً في هطولها . فعلى المسافر ان لا ينتظر طويلاً عند سقوط المطرة الشتوية ، بل سيرحل بعد مدة قصيرة حال انقطاع المطر. أما في الربيع فعليه الانتظار لساعات طويلة لان المطرة قد تستمر لعدة ساعات او لنهار او ليلة كاملة :
• ان كانت تمطر شتاءاً فارحل وسافر ، وان كانت السماء غائمة ربيعاً فانتظر.
وان لاحت بعض أيام الشتاء مشمسة صاحية تبعث البهجة في القلب فيجب ان لا نغتر بها ، فسرعان ما تتبدل ظروف الطقس فتحاصرك الغيوم بأمطارها وعدها وبرقها وثلوجها ورياحها الباردة ، فتلك الأيام الشتوية المشرقة خداعة كابتسامات الأعداء :
• بروعة فصل الشتاء وابتسامة العدو لا تصدق
• مثله مثل شهر شباط تارةً يبكي وتارةً يضحك .
ويأتي فصل الربيع فتزدان الطبيعة بحلتها القشيبة ، ويعتدل الطقس وتبدأ كتل الثلوج بالذوبان ، وتنمو الحشائش والأزهار والرياحين ، وتزدهر المراعي ، وتزدهر معها حقول القمح والشعير ، بعد ان يرويها مطر نيسان ، فيعم الخير في الأرجاء كافة . لذا فان فصل الربيع يحضى بقسط وافرمن الأمثال في الفلكلور الكوردي منها :
• مهما أمطرت السماء، وعصفت الريح، فأن ذلك لا يقصر ! الا من عمر الثلج .
• لا يمر شهر آذار بدون لبن، ولا أواخر نيسان من دون شعير.
• في كه رميان لا يمر شهر نيسان بدون تفتح سنابل الشعير ، ولا يمر شهر مايس دون حصاد .
• أمطار نيسان كل قطرة منها جوهرة، لكن غزارتها بالنسبة للإنسان الكسول لا تعنى سوى ابتلال ملابسه.
• في الربيع تتوالد المواشي والأغنام ، وفي الصيف تنضج الحقول والبساتين . وفي الشتاء نصيبنا الزمهرير وإشعال النيران .
• هناك مثل كوردي يقول : ( قليل من المطر يوقف عاصفة هوجاء )
صحيح ، انه بعد سقوط المطر عادة تهدأ الريح ، وتبدأ الغيوم بالانقشاع ، ويميل الجو الى الصفاء ، فالمثل من هذه الناحية صحيح الا انه بحاجة الى شيء من التوضيح :
فالمعروف ان الاضطرابات الجوية ، الأعاصير البحر متوسطية ، المصحوبة بهبوب الرياح الغربية القوية تحدث عادة عند مرور المنخفضات الجوية او كما تسمى بالأعاصير عبر كوردستان ، فكوردستان تتعرض لمثل هذه الأعاصير المحملة بالغيوم ) والآتية من البحر المتوسط ( الأعاصير الغربية ) في فصلي الشتاء والربيع . والإعصار مكون من مقدمة ومؤخرة ، ففي مقدمته تهب رياح دافئة رطبة جنوبية شرقية ( الشرجي ) نحو مركز الإعصار ، أما مؤخرة الإعصار فرياحه شمالية غربية محملة بكتل الغيوم المزنية القادمة من البحر المتوسط والتي تسبب هطول الأمطار الغزيرة ، وعند اجتياز الإعصار لكوردستان يتوقف سقوط المطر ، وتهدأ الرياح ، ويصحوا الجو ، فتهب رياح العامة الشمالية الغربية ( شه مال ) المعروفة باعتدال سرعتها ويلاحظ بشكل عام ان فصلي الربيع والخريف هما اقصر الفصول عمراً ، وان هذه الظاهرة اكثر وضوحاً في كرميان منها في كوردستان . لذا فقد ورد في الأمثال الكوردية عن هذه الظاهرة مايلي :
• ما ان تنتهي من قوله ( ربيع ) حتى يحتويك الصيف !
• سئل الربيع مرة ما سبب قصر عمرك فأجاب : لينصب غضب الله على الجيران السيئين .
ان ارتفاع درجات الحرارة ونضج المحاصيل والبساتين في فصل الصيف ، وخروج الناس للعمل ، وتكاثر القطعان ، وذهاب الرعاة نحو منتجعاتهم الجبلية الصيفية ، كل ذلك بجلب السعد والراحة الى نفوس الفلاحين والكادحين الذين سئموا مجالسهم الشتوية حول مواقد النيران داخل الغرف المظلمة ، ومع ذلك فأن للصيف بعض المساوئ ، فسموم الرياح السوداء ( ره شه با ) صيفاً لا تطاق إذ يسود أذاها ليشمل الناس والحقول ، كما تصبح الوديان والمروج مسرحاً لأنواع شتى من الأفاعي والعقارب ، وبهذا الخصوص تقول الأمثال الشعبية .
• حل الصيف ليبلينا بأفاعيه وبعقاربه ، وتحول سهل شهرزور الى مرج يابس
• انه الصيف القائض وعصف رياح ال ( ره شه با ) يا ويلتى الى حقل الرز ستعصف به هذه الرياح .
ورياح ( ره شه با ) هي رياح محلية عاصفة مشهورة في محافظة السليمانية فهي ان هبت في فصل الصيف تسببت في ارتفاع درجات الحرارة كما إنها تجلب معها كميات كبيرة من الأتربة والأشواك والأحراش نحو المناطق الهابة إليها ، ولها من القوة في بعض الأحيان ما يمكنها من اقتلاع الأشجار . أما إذا هبت في فصل الشتاء فإنها تجلب البرد القارص والزمهرير ، لذلك فهي ريح مهلكه لا يستطيع المرء ان يقاوم جبروتها ، وان فعل ذلك فمصيره الهلاك ، وبهذا ورد المثل الكوردي :
• ذهب لمواجهة رياح الره شه با ... اى انه ذهب لمواجهة الموت .
• يتضح مما تقدم ان التراث الشعبي الكوردي، وأمثاله وحكمه ،لا تقتصر على محور واحد، بل انه يصور كل جوانب الحياة وبيئتها ، بحلوها و مرها ، بسماتها الاجتماعية ، والاقتصادية ، والسياسية، وحتى الطبيعية، ومن هنا جاء اهتمام الإنسان الكوردي بأحوال طقس ومناخ بلاده ، فاستنبط منها الأمثال والحكم والعبر والدروس.
المصادر :
1- معروف جياووك ، هه زار به ندو به ند ، بغداد ، مطبعة النجاح 1980
2- مهدي خال ، به ندى بيشينان ، ط 2 ، 1971
3- له به نده كانى بيره ميرد ج1 ، ج2 ، بغداد 1969
4- اليونسكو ، معجم العلوم الاجتماعية ، القاهرة ، 1975 .
5- C.J.Edmonds, Kurds, Turks and Arabs, London, 1957..[1]