#فؤاد حمه خورشيد#
يعيش ألان فوق سطح الأرض حوالي 7 مليارات إنسان يتقاسمون مساحة قدرها 149 مليون كم مربع , وتوضح الخطوط المرسومة على الخارطة السياسية للعالم ان هذه الحشود البشرية شكلت لنفسها حتى ألان 193 دولة مستقلة وعضو في هيئة الأمم المتحدة , وان هذا العدد من الدول قابل للزيادة مستقبلا عندما تحصل المزيد من الشعوب على حريتها واستقلالها , إذ لا تزال اكثر من 55 منطقة او إقليم، بما فيها كوردستان، لاتنزال خارج الأمم المتحدة.
ان واجدة من اهتمامات الجغرافية السياسية الجيوبولتيكس هو تحليل العناصر الجغرافية لقوة الدولة، وان احد مقومات هذه القوة هو حجم او مساحة الدولة. فهل هناك حجم محدد لمساحة الدولة لكي يحصل شعبها على استقلاله، وتصبح دولته عضوا في الأمم المتحدة؟ قبل الإجابة ،نجد ان واقع حال مساحات الدول ومورفولوجيتها على الخارطة السياسية لدول العالم يشير الى وجود مساحات متباينة لتلك الدول ، ففيها الدول عملاقة المساحة ، تزيد مساحة كل منها عن 9 مليون كم مربع، مثل روسيا وكندا والصين ، ودول صغيرة لا تزيد مساحة كل منها عن 10 ألاف كم مربع،مثل لبنان ومالطة وقبرص.
ان الدول واسعة المساحة تتمتع ببعض عناصر القوة، فهذه المساحة توفر لسكانها موارد متنوعة من الثروات الطبيعية بشكل أفضل من الدول صغيرة المساحة، الا ان ذلك يعتمد على الموقع، كما ان المساحة الواسعة تمنح الدولة عمقا إستراتيجيا، أي إمكانية المناورة والدفاع في العمق فوق مسرحها الجغرافي أيام الأزمات والحروب، إذا اقترن ذلك بحجم مناسب للسكان، وبتطور المجتمع في النواحي الصناعية والتكنولوجية. وعكس ذلك قد تنقلب المساحة الكبيرة الى عبئ كبير للدولة، إذا ما رافق تلك المساحة الواسعة قلة في عدد السكان مع تخلفهم التقني، وسيادة نوع واحد من البيئة الطبيعية، ونوع واحد من الموارد الاقتصادية, كما حصل في ليبيا مؤخرا(مساحتها 1,7كم مربع وسكانها 6 مليون نسمة ) .
أما الدول الصغيرة المساحة فان مشكلاتها اكبر واعقد من مشكلات الدول كبيرة الحجم، وهذا يعتمد أيضا على موقع الدولة الجغرافي ، وعلى علاقاتها الدولية، وقوتها الاقتصادية، وموقف دول الجوار الجغرافي منها وعلى الزمن والظرف ، مع ذلك فأن هناك اكثر من 25 دولة صغيرة جدا على سطح الكرة الأرضية اليوم ، وهي دول لا يزيد عدد سكان بعضها عن 10000 نسمة . لكن المهم والأكثر إثارة للعجب والانبهار هو وجود دول صغيرة جدا تصنف على أنها دول قزميه، معظمها أعضاء في هيئة الأمم المتحدة. وهذه هي اصغر خمس دول في العالم:
1 دولة الفاتيكان:- وهي دولة مدينة استقلت عام 1929، تبلغ مساحتها نصف كم مربع فقط! ، أي ان قريتنا (قرية بسكندي) البالغة مساحة أراضيها 16 كم مربعا هي اكبر من مساحة دولة الفاتيكان ب32 مرة!! ، والفاتيكان هي مركز حكومي وروحي للرومان الكاثوليك، أكبر كنائس العالم. تقع هذه الدولة بأكملها ضمن مدينة روما ،العاصمة الايطالية، ولا يتجاوز عدد سكانها عن 850 نسمة. وحصلت على استقلالها من روما بموجب معاهدة لاتيران 1929 وهي ليست عضو في هيئة الأمم المتحدة
2- دولة موناكو: إمارة ودولة منذ عام1215 م وليست عضو في الأمم المتحدة. تبلغ مساحتها 2 كم مربع وهي ثاني اصغر دولة في العالم بيد الفاتيكان ، وبالمقياس الكوردي ، فان مساحة قضاء دهوك، اصغر أقضية كوردستان العراق مساحة ، تفوق مساحة هذه الدولة ب 3277 مرة ، أما مساحة قريتنا، فإنها اكبر من مساحة هذه الدولة ب 8 مرات فقط!! . تقع هذه الدولة عند شاطئ الريفيرا الفرنسي، على البحر المتوسط، ويعتمد اقتصادها على السياحة ، لأنها اكثر مناطق العالم جذبا للسياح. استقلت هذه الدولة عن فرنسا عام 1918، وقي حالة عدم إنجاب العائلة الحاكمة ذكرا يورث العرش فان الإمارة تدمج بفرنسا. يضم جيشها 130 نفرا من الجند رمة فقط
3 دولة نيرو: وهي جمهورية مستقلة ندر من سمع بها، فهي جزيرة صغيرة ، وهي ثالث اصغر دولة في العالم ، إذ تبلغ مساحتها 21 كم مربعا، وعلى نفس المقياس الكوردي فان مساحة قضاء دهوك تفوق مساحة هذه الدولة ب312 مرة، أما مساحة أراضي قريتي ، فإنها للأسف ، اقل من مساحة هذه الدولة ب5 كم مربعا فقط. تقع هذه الدولة الجزيرة في المحيط الباسيفيكي ، ويعتبر الفوسفات من ثرواتها الطبيعية الهامة حيث تبلغ وارداتها منه سنويا زهاء 12 مليون دولار/ وهي دولة برلمانية، ينتخب البرلمان كل ثلاث سنوات, ومن صلاحيته انتخاب رئيس الجمهورية والرئيس هو الذي يعين الوزراء ويتكلم سكانها لغة نوروية- انكليزية، وهم مسيحيون يبلغ تعدادهم 10 ألاف نسمة فقط . في عام 1888 خضعت الجزيرة للاختلال الألماني حتى عام 1914. بعدها أدارت استراليا شئونها بإشراف عصبة الأمم. ثم احتلتها اليابان خلال الحرب العالمية الثانية عام1945، ثم أعادت استراليا احتلالها ، وفي عام1947 أشرفت عليها هيئة الأمم المتحدة من خلال بريطانيا واستراليا ونيوزيلندة، وفي عام 1964 ناضلت من اجل استقلالها ، و نالته في عام 1968 ، وفي عام 1999 أصبحت عضوا في الأمم المتحدة.
4 دولة سان مارينو: وهذه اصغر جمهورية في أوربا، وأقدم جمهورية مستقلة في العالم, يرجع تاريخها الى عام 301 م . تقع هذه الجمهورية داخل الأراضي الايطالية, فوق السفوح الشرقية لجبال بنين. تبلغ مساحة هذه الجمهورية 61 كم مربعا فقط, وعلى نفس المقارنات السابقة , نرى ان محافظة دهوك تفوق مساحة هذه الدولة 107 مرات. أما مساحة أراضي قريتي ، فمن غير الإنصاف ، ان أقارنها بأراضي هذه الجمهورية الواسعة برغم وجود شئ من الشبه بين الرقمين 16 و 61. في عام 1862 وقعت هذه الجولة معاهدة صداقة مع ايطاليا ، سيطر الشيوعيون على السلطة فيها عام 1957 وفقدوها عام 1959، ثم أدى الاختلاف حول الاقتصاد مع الديمقراطيين المسيحيين الى وصول الشيوعيين مرة أخرى الى السلطة عام 1973، الا ان السلطة الآن لا تزال بيد الديمقراطيين المسيحيين. أصبحت سان مارينو في عام 1992 عضوا في هيئة الأمم ، ويزور هذه الجزيرة سنويا زهاء مليون سائح.
5 ليجنتسين: وهي جولة من دول القارة الأوربية تقع بين سويسرا والنمسا. حصلت على استقلالها عام 1806. أما مساحتها فتبلغ 160 كم مربعا / وهي اكبر قليلا من الدول الأربع السابقة، مع ذلك فان المساحة الكبيرة لهذه الدولة، قياسا بالدول الأصغر منها، لا يبدو مثيرا إذا ما استخدمنا نفس أسلوب مقارناتنا الكوردية السابقة. فمساحة هذه الجمهورية لا تساوي سوى3%من مساحة محافظة دهوك، و10 مرات اكبر من مساحة قريتنا ، وهنا يصبح معيبا ان أقارن مساحة قريتي بمساحة هذه الدولة الكبيرة! . أحتل شارلمان ، ملك فرنسا، هذا الإقليم عام 700 م وبعد وفاته قسم الى إقليمين ، وفي عام1699 اشترى الأمير الفينيسي جوهان-ادم ليجنتسين إقليم ( شلنبرك). وفي عام1712 اشترى الإقليم الثاني (فادس) مكونا منهما إمارة واحدة سميت ، عام 1719 ب (ليجنتسين)نسبة الى العائلة الحاكمة ، ولا يزال أحفاده يحكمون ليجنتسين. خضعت هذه الإمارة بسبب الحروب الأوربية، الى حكم روما و نابليون، الا أنها عادت واستقلت عام 1806 ، ولا تزال كذلك.
بعد هذا العرض السريع لهذه الدول الصغيرة جدا، لابد ان نعرف شيئا عن موقف الجغرافية السياسية والجيوبولتيك من هذه الدول، وماهي درجة تصنيفها؟
ان وجود مثل هذه الدول ظاهرة مدروسة في أدبيات الجيوبولتيكس والجغرافية السياسية/ فهي تصنف بالدول (المايكرو)، وتترجم بالدول( القزمية ) ، وهي دول مستقلة ذات سيادة . وتحدد بعض الدراسات ان كل دولة صغيرة المساحة ولا يقل عدد سكانها عن 10000 نسمة هي من هذا الصنف, ويحق لها الانتماء الى الأمم المتحد، رغم ان حجمها السكاني والمساحي لا يجعلها قادرة على الإيفاء بجميع واجباتها والتزاماتها الدولية, بما في ذلك التمثيل الدبلوماسي مع جميع دول العالم, وان مثل هذا النقص لا يؤثر على استقلاليتها وسيادتها وعضويتها في المجتمع الدولي. من كل ما تقدم نستطيع ان نجيب على سؤالنا الذي أوردناه ونقول : كلا ، لا يوجد حجم محدد لمساحة الدولة وحتى لعدد سكانها.
ان هذه الدول استطاعت الحفاظ على استقلالها, رغم ضعفها الواضح، من خلال عدة متغيرات وعوامل دولية ، حالت دون ان تقوم دول جوارها الجغرافي بابتلاعها او ضمها إليها بالقوة وهذه العوامل هي :-
1- انتفاء المطالب الإقليمية والادعاءات التاريخية لدول جوارها الجغرافي.
2- عراقة وأصالة التشكيلات الإدارية والسياسية لتلك الدول وشرعيتها.
3-الوضع الجيوبولتيكي الدولي الناجم عن التفاهة والاتفاق لضمان سلامة وبقاء هذه الدول، ونبذ سياسة الضم والاحتلال القسريتين التعسفيتين إزاءها،
4- حماية المجتمع الدولي لها،
وهذا يعني ان حجم الدولة، أو مساحتها الأرضية، وعدد سكانها لا يشكلان موانع او عوائق أمام أي شعب ، مهما كان وطنه واسعا او منكمشا ، ومهما كان عدده كبيرا او صغيرا ، ان توفرت له الظروف في ان يقيم كيانه السياسي القومي المستقل، ان نجح في استثمار تلك الظروف، موضوعية كانت أم إقليمية او دولية في الوقت المناسب، ومع كل ذلك سيبقى السؤال التالي من غير حل لفترة من الزمن: متى سيتحقق للشعب الكوردي
ذلك؟؟.[1]