=KTML_Bold=من انتفاضة 12 آذار نحو الثورة=KTML_End=
آلدار خليل-
انهيار وسقوط نظام صدام حسين في العراق عام 2003 لم يكن عادياً، حيث كانت الدولة القومية نموذجاً سلطوياً يتناقض مع حقيقة المجتمعات وتآلفها وسبباً في تقسيم المجتمعات وخلق التناقضات والصراعات بشكل مستمر بالرغم من ادّعائها بتمثيل إرادة الشعوب ومستقبلها، سقطت الذهنية القومية في العراق الدولة التي كما كانت مهداً مهماً للحضارات في المنطقة والمتميزة بتاريخها القديم كانت في ذات الوقت مكاناً لسلطة الدولة الواحدة ونموذجاً كغيره من النماذج التي اجتاحت الشرق الأوسط باسم القومية.
مع السقوط المذكور؛ كان من المهم ومن الضروري أن تتجه منطقة الشرق الأوسط نحو إسقاط هذه المنظومة برمتها، منظومة الدولة القومية، وقد كانت تلك البدايات بمثابة رسالة واضحة لكل من كان يتبع ذلك النموذج ومنهم سوريا، استدرك نظام البعث هذه الحقيقة فبادر ومنعاً لأي تطور يمكن من خلاله إحداث تغيير في هيكلية حكمه وخروج الشعب السوري ومنهم الكرد للمطالبة بالحقوق المغتصبة في سوريا بادر إلى العمل على افتعال الصراعات والصدامات ما بين الشعوب السوريّة على وجه الخصوص الصراع بين الأخوة العرب وبالتحديد السنة وبين الكرد في سوريا ضماناً لسير الخلافات وتعميقها وبالتالي الانشغال فيما بينهم والابتعاد عما يجوب في المنطقة من تطور فكانت أحداث الملعب في قامشلو 2004 البداية لتحقيق المخطط.
انتفاضة 12 آذار 2004 التي بدأت في قامشلو لم تكن عادية، حيث كانت أولى الخطوات التي تم كسر هيمنة استبداد الدولة ذات المنظومة الأمنية الحاكمة في سوريا وكانت تحدٍ كبير لآلة قمعه، أسست هذه الانتفاضة لميراث مهم تمثّل في شكل المواجهة بالإرادة والتصميم دون تراجع، كذلك أدت إلى ظهور مواقف ورسائل ذات قيمة كبيرة منها ما جاءت من خلالها وأثنائها من الأخوة العرب الذين رفضوا في أن يكونوا أداة بيد النظام وأجهزته ورفضوا في أن يكونوا شركاء في سياسات النظام وأبَوا أن يهاجموا الكرد، الرسالة الأخرى تمثلت في الاحتضان الشعبي لهذه الانتفاضة وخلال وقت قصير جداً لعموم الكرد في جميع مساحات سوريا، رغم سياسات الترهيب والقتل والاعتقال، حيث أمام سقوط العشرات من الشهداء تم اعتقال المئات وتعذبيهم ولا زال حتى اللحظة الكثير ممن تم اعتقالهم في عام 2004 مجهولي المصير.
عندما وصلت شرارة ربيع الشعوب إلى سوريا عام 2011 أدرك البعض بأن ما تم في عام 2004 سيتم إتمامه بشكل يعيد الصراع إلى الواجهة، لا بل البعض ذهبوا في تحليل بأن الكرد سيبدؤون بالانتقام لما حل بهم في عام 2004، في الحقيقة فعلاً تم الانتقام ولكن بصيغة مختلفة وبشكل تاريخي أيضاً، حيث كان ذلك عبر تطوير نموذج لم يكن أحد يتوقعه أن يبدأ بهذه الروح وهذه الإرادة وهذه العقلية، حرص الكرد على تطوير مشروع يوحد كل الشعوب ويوحد كلمتهم ويكون سبيلاً لقوتهم، حيث تحول الكرد لرواد حل ليس لقضيتهم فقط، بل لقضية كل الشعوب الأخرى بما فيهم الشعب العربي وأسسوا لمشروع نوعي متعلق بالشراكة الحقيقية والفعلية وتحرير المرأة وتطوير التجربة الديمقراطية لتكون منصة حل ورؤية نحوه، بحيث المناطق التي كان البعض يعوّل عليها في أن تكون ساحة صراع وتناحر أكثر من أي منطقة سوريّة تحولت لساحة حل وقوة جذب استقطبت كل من لم يجدوا ملاذاً آمناً في سوريا سواء من الناحية النفسية أو المعاشية أو حتى السياسية.
إذا ما أردنا أن نُقيّم الأمور بنظرة صحيحة؛ فيمكن لنا أن نسمي ما تم إنجازه في عام 2011 حيث ثورة 19 تموز بأنه امتداد طبيعي على الأسس السليمة التي بدأت فيها انتفاضة الكرد عام 2004 بسوريا، هذه الانتفاضة هي لبنة الأساس للمشروع الذي يعتبر اليوم بأنه النوعي في سوريا والذي وحّد كل الشعوب على اختلافاتهم تحت فكرة الأمة الديمقراطية، فما هو موجود لم يتطور ليكون نافذة حل للكرد فقط، بل طريق حل لكل الشعب السوري باعتبار أن هذا المشروع يمثل الحل الديمقراطي والنوعي في سوريا وهو يضمن حقوق كل الشعوب ويكون سبيلاً لحل القضية الكردية كذلك. لذا؛ انتفاضة 2004 تبقى مساراً تاريخياً في سوريا ومن لم يعش تلك الروح التي خرجت وكانت تصدح بالعدالة والمساواة ومن لم يحس بتلك الروح التي أعادت استكمال ذاتها في عام 2011 لن يشعر بالثورة الحقيقية ولن يشعر بالعيش فيها، وتبقى مسيرة الانتقام لشهداء 2004 التضحيات التي تمت في 2011 التي تمثل الاستمرار بذات النهج والوتيرة نحو سوريا الواحدة الموحدة، نحو وحدة الشعوب وأخوتها، نحو تحقيق الديمقراطية في سوريا والعدل والمساواة كذلك، بهذه المبادئ نكون أوفياء لانتفاضة 2004 ولثورة 19 تموز التي لن تنجح إلا بالهمة والروح التي ظهرت في 2004 وتحقيق العيش بكرامة وحرية وديمقراطية.[1]