=KTML_Bold=ذهنية الدولة القوميّة والحل في سوريا=KTML_End=
آلدرار خليل-
بالرغم من امتلاك التاريخ المجتمعي لنماذج الإدارة والحكم ذات الذهنية الديمقراطية وغناها بالتنوع الذي كان أساساً لتطوير الاتحاد الفيدرالي وغيرها من النماذج، حيث نبذ كل أشكال المركزية والتفرد إلا أن الكثير من الأنظمة التقليدية في الشرق الأوسط ومنها سوريا لا تزال تتمسك بالخيار المركزي والنزعة القوموية في الحكم أو الإدارة، إذا ما تحدثنا عن سوريا فالمعضلة تكمن في استناد هذه الأنظمة على القوموية الضيقة التي أفرزت نتائج وخيمة وكارثية يعاني منها جميع السوريين اليوم، لربما الكثيرون يعتقدون بأن الحل في سوريا اليوم يكمن في تغيير النظام لبعض سياساته أو انفتاحه على التغيير سيكون مفيداً، هذا تناول منقوص وحل مرحلي ومؤقت؛ كونه يستند على التغيير في البنية وليس في الذهنية أو العوامل المستندة عليها عندما نتحدث عن النظام وما يتبناه بعمق، حيث البعد القومي الذي يتخذه النظام هو المعضلة بحد ذاتها وليس الشكل أو السلوكيات، وإن كان لهذه الأمور البعض من الدور. لكن؛ عدم تناول الأسس العميقة الخاطئة التي يستند عليها النظام (القوموية) هو بمثابة إجراء إسعافي للحل وليس حلاً جذرياً.
الدول التي تتخذ من القوموية أساساً غالباً ما تظهر نفسها بأنها الأكثر حرصاً على الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية ولكن عملياً هي الأكثر قمعاً لهذه القيم، حيث الحدود التي يتم وضعها ثقافياً وسياسياً ومجتمعياً هي مخالفة لطبيعة الإنسان؛ لأن المجتمع الطبيعي لم يعرف حدوداً إلا عندما تطورت النزعة القوموية والتي تمثلت بتمييز فئة على حساب أخرى.
ما يفعله البعث منذ تسلمه لسدة الحكم في سوريا في ستينيات القرن الماضي حتى اللحظة هو تكريس واقعي للقوموية، حيث كل هدفه هو أن يخضع المجتمع وأفراده ومؤسساته لسلطته الواحدة، يتخذ من سوريا وكأنها سجن هو من يتحكم بهذا السجن وكل من فيها (أي من يعيش في سوريا) لا بد لهم من أن يخضعوا لقوانينه وتعليماته وشروطه. وهذا يؤكد على أن نظام البعث في سوريا لا يستند على مبادئ البعث فقط التي حكمت سوريا منذ سبعة عقود وإنما يستند لذهنية القومية الضيقة التي عمرها آلاف السنوات. لذا؛ أي تغيير مرجو من النظام بوصفه نظام حكم لن يكون مفيداً واستراتيجياً بقدر ما المفيد هو تخليه عن هذا النهج الأخطر (القوموية).
من المهم أن ندرك معاً أن اختزال المعضلة في شكل النظام غير كافٍ وغير وافٍ؛ لأن كل ما تمر به سوريا وما يحدث من تجذر في القضايا هو نتيجة لذهنية واحدة هي ذهنية نموذج الدولة القوموية التي يمثلها النظام، حتى النظام الديمقراطي الذي لا يستطيع أن يتحرر من القوموية هو نظام متآمر على الديمقراطية. لذا؛ التحالفات التي تتم بين أي نموذجين يختلفان في الشكل ويتحدان في الذهنية (القومية) هو رهان خاسر وغير ناجح ولن يكون مستمراً بقوة؛ تماماً كحال المحادثات التي تتم اليوم بين المرتزقة المدعومين من تركيا وبين النظام السوري في شكل الإعداد للدستور في سوريا، حيث لا يمكن أن ينجحوا في الوصول لحل مشترك طالما يستندون على منهج واحد وكل طرف منهم يحاول أن يكون حاكماً بذلك النموذج وتلك الذهنية لكن بشكل مختلف. هذا النهج هو الأساس في المعضلات في سوريا ولا يمكن أن يكون جزءاً من الحل على الإطلاق.
سوريا لا تقبل وبعد كل هذه الكوارث أن يتم فرض حلول عليها وهذه الحلول تعتمد على خلفيات مشبوهة كالذهنية القومية، لذا؛ لابد من أن يتم تناول الحل الديمقراطي في سوريا بدون أي صلة بالذهنية القومية، لأن هذه الذهنية بحد ذاتها هي سلطة والديمقراطية لا تتحمل وجود السلطة لا، بل لا يمكن أن يتطور أي نموذج مستند على القومية تحت عباءة الديمقراطية أو العلمانية والبعث خير مثال.
المثالية في الحل المطلوب وهو أن تتجرد القوى المدعوة إلى الحل من الذهنية المذكورة، لا بد من أن يكون الحل وفق مشاركة الجميع بدون إقصاء أو تمييز أو تفضيل ومن هنا نستقصي على أن الأمة الديمقراطية النموذج الذي ينبذ تحكم فئة على حساب أخرى في الإدارة ويحقق العدالة والمساواة وفق كل الأسس الديمقراطية منها والمجتمعية وحتى الدينية والداعي إلى المشاركة معاً رغم الاختلاف والتعدد، هذه الرؤية تمثل الحل الذي يحقق الديمقراطية الفعلية ويحرر سوريا من التبعية لنظام حكم فيه جانبين لا يتناسبان مع سوريا كطبيعة ومع شعبها المتعدد وهما الفردية والاستناد إلى الذهنية القومية.[1]