هيوا حميد شريف
إن احداث عام 1930 التي وقعت في السليمانية ليست أحداثاً فجائية، ولم تكن اسبابها ناجمة عن التأثيرات الشخصية، كما يراها البعض، بل كانت لها عوامل تاريخية وسياسية ترجع جذورها الى مابعد الحرب العالمية الأولى، ولا سيما ما يتعلق منها بآمال الشعب الكردي في تشكيل حكومة كردية مستقلة، شأنه في ذلك شأن معظم شعوب المنطقة المتحررة من حكم الدولة العثمانية.
لابد من الإشارة الى أنه خلال المدة ما بين نهاية الحرب العالمية الأولى وبداية سنة 1930، وقعت عدد من المعاهدات بين الحكومتين العراقية والبريطانية، كما صدرت عدد من البيانات والتوصيات من جانب عصبة الامم والحكومتين المذكورتين، وتم في جميعها الإشارة الى الحقوق القومية للشعب الكردي.
ولكن واقع الحال أثبت بأن الحكومة العراقية لم تطبق تلك التعهدات بحذافيرها، على الرغم من بساطتها من حيث التنفيذ، وكان من الطبيعي أن تؤدي مثل هذه السياسة الى نتائج سلبية على المناطق الكردية، لذلك فان هذه الفترة المذكورة آنفاً، قد اتسمت بالاضطرابات السياسية والحركات المسلحة ضد الحكومات العراقية المتعاقبة.
لقد تصاعدت حدة المواجهة بين الكرد و الحكومة العراقية من جديد، عندما نشر خبر عقد المعاهدة الجديدة بين الحكومتين العراقية و البريطانية في 30-06- 1930، حينها ازدادت مخاوف الكرد وقلقهم على مستقبلهم السياسي، حيث كانوا يخشون من ان تعهد الحكومة البريطانية بادخال العراق الى عصبة الأمم دون قيد أو شرط، مما قد يؤدي الى إهمال الضمانات المنصوص عليها بحقهم في المعاهدات السابقة وكذلك التي أوصت بها عصبة الأمم، لذلك اتخذ الكرد موقفاً مناهضاً وحذراً تجاه المعاهدة منذ بدايتها، ثم تطور الامر الى اضطراب الاوضاع في مناطقهم ولا سيما في السليمانية.
ومن أجل تهدئة الأوضاع أقدمت الحكومة العراقية على اتخاذ عدة خطوات، منها قرارها بجعل اللغة الكردية لغة رسمية في المناطق التي يوجد فيها الكرد، وفي مجال المعارف تم فصل معارف لواء اربيل عن معارف لواء الموصل، ومعارف لواء السليمانية عن معارف لواء بغداد، واسست دائرة خاصة للمعارف الكردية داخل مركز كركوك.
ومن الإجراءات الاخرى التي اتخذتها الحكومة العراقية في هذا السياق، هو تعيين توفيق وهبي متصرفاً للسليمانية، وذلك بعد أن اتخذ مجلس الوزراء في اجتماعه المصادف 28-04- 1930 قراراً بهذا الشأن، ثم صدرت بذلك ارادة ملكية تحمل الرقم (105) في 30 نيسان من العام نفسه وجرى تنفيذ هذه الارادة من لدن وزارة الداخلية في 6 -05- 1930.
وقد قوبل تعين وهبي بترحاب كبير وفرح غامر في الأوساط الكردية ولا سيما في مدينة السليمانية، ونشرت عدد من الجرائد والمجلات خبر تعيينه بفرح وسرور. وتوجه وهبي مع عقيلته (آسيا خان) ليلة العاشر من شهر مايس من بغداد الى السليمانية، فحضر لإستقباله جمهور كبير من أهالي السليمانية حتى ان قسماً منهم وصلوا الى كركوك(). وقد عبر وهبي ايضاً عن سروره وفرحه بتعينه هذا، وذلك في خطبته التي القاها لمستقبليه في طريق وصوله الى السليمانية(، والتي وصل اليها في 10 -05- 1930.
وبغض النظر عن ردود الفعل الإيجابية التي عبر عنها الكرد تجاه تلك الخطوات والاجراءات، إلا أن الحكومة العراقية لم يكن بوسعها أن تجلب بها مساندة الشخصيات الكردية المعارضة، اذ انهم كانوا بانتظار الحصول على المكاسب السياسية، لا سيما في دعوتهم ايضاً الى أن لاتشمل هذه الاجراءات السليمانية فحسب، بل جميع المناطق الكردية الأخرى، وظهر ذلك واضحاً في احدى البرقيات التي أرسلت من قبل مجموعة من الشخصيات الكردية، الذين شكلوا فيما بعد جمعية باسم (الهيئة الوطنية) الى الحكومة العراقية.
وفي الواقع أن تعيين توفيق وهبي بهذا المنصب وماشهدته السليمانية في فترة عهده، لم تكن لتطمع اليه الحكومة العراقية. حيث بلغت الاحتجاجات والمطالبة بحقوق الكرد أوجها، وكان أحد أسبابها، دون شك، ترجع الى تلك الأجواء الحرة التي سادت السليمانية في عهده، وكان ذلك يتفق تماماً مع أفكاره الديمقراطية وايمانه بحرية التعبير، كما أشرنا اليه من قبل، فضلاً عن أسباب أخرى، منها الأوضاع المستجدة ووقوع أحداث مهمة ومتعلقة بمصير الكرد في المدة المذكورة، ومن أهم تلك الأحداث التوقيع على المعاهدة العراقية – البريطانية في 30 -06- 1930، التي أدت الى موجة من الاحتجاجات لم تر مثيلاً لها من قبل، لا سيما ان نصوص هذه المعاهدة لم تكن تتضمن أية اشارة الى الكرد أو الى أية ضمانات رسمية تحفظ حقوقهم.
وفي خضم هذه الأوضاع وبهدف تهدئة الناس وطمأنتهم على حقوقهم المحفوظة، زار كبار المسؤولين في الحكومة العراقية وبرفقتهم عدد من المسؤولين البريطانيين المناطق الكردية ففي 16-07- 1930، وصل ولي العهد الامير غازي الى السليمانية، ثم زارها الوفد المشترك من الوزراء العراقيين وفي مقدمتهم جعفر العسكري (وزير الدفاع) ووكيل المندوب السامي البريطاني (الميجر يونغ) في 10 آب من العام نفسه، وقد واجهت تلك الزيارات مظاهرات مناهضة من الاهالي.
ان وقوع تلك الموجة من المعارضة وتصاعدها ووجود وهبي على رأس السلطة هناك قد ولّد شكوكاً لدى السلطات العراقية، لذا نرى أن وجهة نظر الحكومية تجاه وهبي قد تغيرت تماماً. ويظهر ذلك بوضوح من تلك الرسالة التي أرسلها رئيس الوزراء العراقي (نوري السعيد() الى المندوب السامي البريطاني، حيث وضع المسؤولية عن مجمل الاحداث التي وقعت في السليمانية على عاتق وهبي، ووصفه بالمسبب الحقيقي في اثارة القلاقل هناك، ولم تقف شكوكهم تجاه وهبي الى هذا الحد، بل وصل الى درجة، انهم نظروا الى كل تحركاته نظرة شك وريبة. فمثلاً عندما ذهب الى حلبجة لمتابعة عدد من الاعمال الادارية، فسرتها الحكومة العراقية، بالتحرك لصالح القضية الكردية وتشجيع أهالي المنطقة ضد الحكومة العراقية(.
نتيجة لما وصلت اليه التطورات والأحداث في منطقة السليمانية، وبالتحديد بعد توقيع المعاهدة 1930 –كما اسلفنا- وتمهيداً لاجراء الانتخابات المقررة تمت إقالة وهبي من متصرفية السليمانية وذلك بموجب قرار من وزارة الداخلية في 18 آب 1930. إلا أن إقالته وسحبه الى بغداد أثرت كثيراً في الأوضاع. فقام أهالي السليمانية بارسال عشرات من البرقيات والمذكرات الى السلطات العراقية والمندوب السامي البريطاني تندد بقرار تنحيته وتدعو الى عودته الى منصبه من جديد. ولم يكن ارسال البرقيات هذه من قبل أهالي السليمانية فحسب، بل قامت مناطق أخرى وفئات مختلفة بارسال برقيات مماثلة، فقد أشارت وثيقة عراقية الى نماذج من تلك البرقيات التي أرسلت من رؤساء العشائر (بشدر) والشيخ حسام الدين النقشبندي وجعفر السلطان(ومحمود دزلي(الى السلطات العراقية التي دعت باجمعها الى عودة وهبي الى منصبه السابق.
مع هذا، لو نظرنا الى الإتهامات الموجهة لوهبي من جانب الحكومة العراقية وبخاصة من قبل (نوري السعيد) رئيس الوزراء آنذاك، نظرة موضوعية، لتتبين لنا انها لا تتفق مع معطيات الوقائع آنذاك، ولعل الاشارة الى عدد منها سيفيد في توضيح الصورة. فقبل كل شيء ان هذه الاحداث والتحركات التي وضعت الحكومة العراقية مسؤوليتها على شخص وهبي، لم تكن منحصرة بالسليمانية فحسب، بل كانت موجودة في بقية المناطق الأخرى في كردستان العراق، ومن المعلوم ان هذه التحركات قد بدأت قبل تعيين وهبي متصرفاً للسليمانية بمدة من الزمن.
ومن الحقائق الاخرى التي ينبغي ان نتوقف عندها، هي ما يرويه وهبي نفسه عن ذلك، ولهذه الروايات أهمية واضحة لأن من شأنها ان تعطي الباحث امكانية أكبر لتحديد الدور الحقيقي لوهبي ضمن تلك الاحداث. وبهذا يقول توفيق وهبي: ((ففي هذه الفترة القصيرة التي كنت متصرفاً للسليمانية، أوليت عناية كبيرة بنشر الثقافة، واتصلت بالمثقفين من اجل العناية بالتعليم ونشر الثقافة)). ويضيف: ((وفي الحقيقة لم يكن لي هذا الدور التي اتهمت به من قبل الحكومة العراقية، ولم يعد لي أي دور في تحريض وتشجيع الأهالي لارسال برقيات الى عصبة الأمم والمندوب السامي والمطالبة بتاسيس الحكومة الكردية، بل كان الاهالي قد أدركوا تلك المسائل بانفسهم، ووجدوا بأن المعاهدة الجديدة –أي معاهدة 1930- انكرت حقوقهم وأهملت مطالبهم دون أية ضمانات رسمية، وشعروا ايضاً بأن دخول العراق عصبة الامم دون قيد أو شرط، سيضر بمصالحهم القومية)). ثم يتابع قائلاً: ((وبعد فترة من وقوع حادثة 6 أيلول 1930-التي يشار اليها لاحقاً- حضرت حفلة الزواج لشقيق (جمال بابان) ، وكان (جميل المدفعي) رئيس الوزراء آنذاك من المدعويين أيضاً، ففي الحديث التي دار بيني وبين المدفعي، قال لي: أنت رجل طيب، ونحن طيبون أيضاً، لولا تحقيقاتنا الدقيقة، لكنت مقتولاً آنذاك)).
إن إقالة وهبي من منصبه وعودته الى بغداد، لم تمنع تفجير الأوضاع في السليمانية، مثلما أعتقدت الحكومة العراقية، التي أبرمت معاهدة 1930 الجديدة مع الحكومة البريطانية في 30 حزيران السنة نفسها، وكان لزاماً على الحكومة عرضها على مجلس النواب العراقي للتصديق عليها، وتمهيداً لذلك قررت حكومة نوري السعيد في الأول من تموز 1930 حل مجلس النواب والاعلان عن إجراء انتخابات نيابية جديدة، وفي حقيقة الأمر إن المعاهدة واجهت معارضة شاملة في جميع انحاء العراق ولا سيما في السليمانية، حيث قرر أهلها مقاطعة هذه الانتخابات، وقد شكل ذلك واقعاً مباشراً لحادثة أيلول التي كانت متوقعة().
ففي يوم السادس من أيلول الذي كان مقرراً فيه ان تجمع في (سراي) السليمانية الهيئة التفتيشية المشرفة على الانتخابات لانتخاب (المنتخبين الثانويين)، حضر ما يقرب من (30) شخصاً لانتخاب النواب(، وفي الوقت نفسه احتشد في الخارج السراي جمع على شكل مظاهرة وكانوا ضد تصديق المعاهدة واجراء الانتخابات، وفي هذه الاثناء حدثت مصادمات بينهم وبين قوات الشرطة والجيش الموجود هناك، مما ادى الى انفجار الوضع وذلك باطلاق النار على المتظاهرين الذين وقع منهم عدد من القتلى، وقد سمي هذا اليوم في التأريخ الكردي بيوم السادس من أيلول الأسود.
وبقدر تعلق هذه الحادثة بوهبي يمكن الاشارة الى ما ذكره (أحمد خواجه) في كتابه (ضيم دي – ماذا رأيت) أذ ذكر خطأ بأن وهبي متصرف السليمانية كان ينظر من شباك المتصرفية الى تلك الحوادث الدموية، من دون أن يعمل شيئاًً من أجل إيقافها. وفي الحقيقة لم يكن وهبي متصرفاً أثناء وقوع هذه الحادثة، كما سبق الاشارة الى أن اقالته قدمت قبل ذلك الحادثة بايام، فضلاً عما أشارت اليه برقية وزارة الداخلية المتضمنة الاستغناء عن خدمات وهبي وقطع علاقته بلواء السليمانية في 22 آب 1930، كما ورد في جريدة (ذيان – الحياة) في عددها (259) التي صدرت في 4 أيلول من العام نفسه خبر انفكاك وهبي من متصرفية السليمانية. ويتضح فيما قدمنا ان ما أورده خواجة ليس صحيحاً.
أثرت حادثة 6-07- 1930 تأثيراً سلبياً في تحرك الكرد في مجال مطالبتهم بحقوقهم القومية ولا سيما في السليمانية. ومن المرجح أن يعود ذلك الى ما وصلت اليه مسيرة كل من الهيئة الوطنية - التي انتهى دورها ونشاطها بسبب اعتقال وابعاد معظم أعضائها - وثورة الشيخ محمود 1931، حيث كانت في أيامها الأخيرة، ومن الجانب الآخر، ازداد قلق الكرد بسبب اقتراب مدة انهاء الانتداب ودخول العراق الى عصبة الأمم، وذلك خشية على مستقبلهم في ظل الدولة العراقية المستقلة. وفي هذه الاوقات وبالتحديد في 14-03- 1931، خوّلت مجموعة من الأشخاص المعروفين في كردستان العراق (وكالة) الى توفيق وﮪبي وأعطوه الصلاحية لكي يقوم بالمحادثات مع عصبة الأمم ومؤسساتها ومع وزارة الخارجية البريطانية باسمهم وممثلاً عن سكان كردستان العراق لتنفيذ مطالب الشعب الكردي، وقد أرسل ايضاً (جلادت بدرخان) رسالة تأييد ومساندة باسم (جمعية خويبوون) الى وهبي، ويظهر ان الاخير قد وافقت على هذا التوكيل.
ففي بداية نيسان 1931 سافر وهبي الى بيروت، وبدأ نشاطاته هناك، فقام بتقديم مذكرة مفصلة عن القضية الكردية في كردستان العراق الى المندوب السامي البريطاني في العراق ووزير الدولة للشؤون الخارجية البريطانية وسكرتير عصبة الأمم ورئيس اللجنة الدائمية للانتداب، ممثلاً عن الشعب الكردي في كردستان العراق، مثبتاً موقفه معززاً ومؤيداً من عدد من الشخصيات وزعماء الكرد الذين وقّعوا لتخويله كي يمثلهم في ايصال مطالبهم الى المحافل الدولية، ونظراً لأهمية هذه المذكرة من عدة نواحي، فمن الضروري التوقف عندها وإلقاء نظرة على محتواها وتتكون هذه المذكرة من أربع وأربعين صفحة، وجاء فيها مسائل مهمة وعديدة.
بدات المذكرة بتناول مسألة اختلاف المجتمع الكردي عن نظيره العربي من حيث السمات وذلك من خلال الإشارة الى أن الكرد مسلمون ولكن يختلفون عن المسلمين العرب، وأشاد أيضاً لوضع مكانة المرأة في المجتمع الكردي،حيث بين أنها أكثر حرية من المرأة العربية كما أوضحت المذكرة بأن كردستان العراق هي البلد القومي للشعب الكردي، وضمها الى العراق لم يكن مشروعاً ولا صحيحاً، ولكنه في الوقت الحاضر، حيث لا يمكن معالجة الامر بسهولة، فانهم يطالبون بحق تقرير المسير في ظل العرش العراقي. وتبين من ذلك أن وهبي كان على علم بالسياسة الدولية، لذا قد طالب بشيء كان فرصة تنفيذه أكثر من المشاريع الأخرى.
ولم تغب عن صفحات المذكرة مسألة اللغة الكردية المتميزة عن اللغات السامية، لكونها إحدى اللغات الآرية، وحض الحكومة العراقية على انه اذا لم يعط الكرد الحكم الذاتي فسيعملون تدريجياً على تبني لغة أجنبية غير لغتهم، ولاثبات ذلك أكد بان اللغة الكردية تستخدم في السليمانية فقط كلغة رسمية، أما في بقية المناطق الكردية فتستخدم اللغة العربية والتركية مع استخدام قليل جداً للغة الكردية.
أما عن اسهام الكرد في الادارة والبرلمان، فقد اشارت المذكرة الى سياسة ابعاد الكرد من المناصب الحكومية التي تتبناها الحكومة العراقية، واستندت في ذلك الى سجلات وزارة الداخلية، واشارت الى أهم الطرق التي تستعملها الحكومة لهذا الغرض، وهو خنق فرص التعليم وتقليصها في المناطق الكردية، أو نقل الموظفين الكرد الى المناطق الأخرى من العراق. وعن تمثيل الكرد في البرلمان العراقي، يرى أنه تمثيل ناقص وغير عادل، إذ ان من مجموع (ثمانية وثمانون) نائباً يوجد (أحد عشر) نائباً كردياً فقط، وهو قليل مقارنة بعدد سكانهم.
كما تطرقت المذكرة الى معلومات مهمة عن السكان الكرد في العراق، فقبل كل شيء تبين بأن الكرد في العراق يرفضون أن يشكلوا (أقلية) لاقتناعهم بأن أرقام السكان المعطاة للعرب السنة تتضمن العناصر الكردية أيضاً والذين قد تم حسابهم، ولاسباب سياسية ضمن السكان العرب وأعطت المذكرة مثالاً في أن الغالبية العظمى من سكان ديالى وعدداً كبيراً من سكان الكوت هم كرد وجميعهم يسكنون على شكل جماعات شرق هذين اللوائين المجاورين للألوية الكردية الأخرى.
أما عن تطبيق القانون والنظام، فاشتكت المذكرة من عدم تطبيق القانون في المناطق الكردية بشكل جيد لا في الإدارة ولا المحاكم، وأشارت الى ان أكثر الكوادر الإدارية من المتصرف الى مدراء النواحي في لواء السليمانية غير كفوئين وغير مدربين، واعطى مثالاً لمنطقة (بشدر) التي أشارت الى عدم وجود أي موظف حكومي، أو محكمة أو مدرسة فيها على الرغم من أهميتها وغناها، وأضافت أن النظام والقانون فيها ينحصر في الاتفاق بين الحكومة العراقية ورؤساء العشائر والاغوات من جهة اخرى. وهو مايعكس درجة التخلف الاداري والقانوني.
كما أولت المذكرة التعليم عناية خاصة، وأعطت معلومات موثقة ومعززة بالاحصائات، فأشارت أولاً الى مشكلة استعمال اللغة الكردية في مدارس المناطق الكردية، موضحة ان من مجموع (تسع وسبعون) مدرسة في كردستان العراق، لا تستخدم اللغة الكردية إلا في (سبع وعشرون) فيها. أما عن باقي المدارس فأن اللغة العربية إجبارية فيها، مع استثناء بعض المدارس التركية. ثم أشارت المذكرة الى مدى الخلل الذي تعاني منه خارطة توزيع المدارس في العراق، مؤكدة بأن ما يقرب 38% من واردات لواء بغداد من الضرائب تصرف في مجال التربية، في حين في لواء السليمانية خصصت 1% فقط من مجموع وارداتها للتربية، ثم ركزت المذكرة على نقاط مهمة أخرى، منها عدم وجود دار المعلمين أو مدارس فنية في المناطق الكردية، وانخفاض الميزانية والاموال المخصصة للمنطقة الكردية، وانخفاض عدد الطلاب المرسلين في بعثات الى الخارج، إذ من مجموع (مائة وعشرين) طالباً من طلاب البعثات فأن إثنين منهم فقط هم من الاكراد.
وتناولت المذكرة أيضاً مسائل تتعلق بالاشغال العامة، فاشارت الى ما تعاني منه مدن وقرى كردستان هو في طريقه نحو الخراب، وذلك نتيجة لما قامت به الحكومة العراقية من (الاهمال المتعمد) واعطت مثالاً في وجود مدرسة واحدة للبنات في السليمانية تتكون من شعبتين، يدرس طلابها في غرفة واحدة، حيث لا توجد غرف أخرى. وفي الوقت نفسه فان الحكومة تصرف ملايين (الروبيات) على بناء مخافر الشرطة لتعزيز سيطرتها في المنطقة.
أما مسألة الريّ والزراعة فقد أوضحت المذكرة مدى افتقار كردستان الى دائرة الري والى قلة المساعدات التي يمكن ان تمنح كقروض للفلاحين، وأشارت أيضاً الى عدم قيام الحكومة العراقية بتعيين الموظفين الفنيين الكفوئين من أجل تحسين نوعية التبغ الكردي. كما تطرقت المذكرة الى موضوع الصحة، وأشارت الى محرومية كردستان من المؤسسات الصحية بعكس المناطق الأخرى في العراق، وتبين أيضاً قلة الاطباء في كردستان، واعطت مثالاً عن عدم جدية الحكومة في فتح مستشفيات والعناية بصحة الناس، ويقول : ((عندما كنت متصرفاً للواء السليمانية طلبت فتح المستشفى، فرفض طلبي بحجة عدم وجود مخصصات مالية في الميزانية، في حين عندما طلب متصرف الموصل بناء سجن جديد، فان الحكومة عنيت بطلبه وخصصت المبالغ اللازمة لها)). كما تضمنت المذكرة جدولاً يبين نسبة الموظفين الكرد وغير الكرد في الدوائر الحكومية في المناطق الكردية قبل حضور لجنة التحقيق الدولية حول مشكلة الموصل أي حتى عام 1925 ومقارنتها بجدول آخر لعام 1930، والتي تظهر فيها إزدياد نسبة الموظفين غير الكرد بشكل واضح.
وأولت المذكرة أيضاً عناية استثنائية بعلاقات الكرد مع الكلدانيين والآثوريين، ماضياً ومعاصراً، فأوضحت تعاطف الكرد بشكل كبير مع بقية الأقليات في ولاية الموصل حول مطالبهم القومية، واتهمت موظفي الدولة باثارة العداء بين الكرد والآثوريين، وأوضح توفيق وهبي وبصفته ممثلاً عن الكرد، بأن الكرد مستعدون للاجتماع مع ممثلي الأقليات الأخرى سواء في جنيف أم أي مكان آخر، تحت حماية ورعاية عصبة الأمم لمناقشة واصدار القرارات الودية وكذلك استعدادهم للاجتماع بممثلي الحكومة المركزية في بغداد والدولة المنتدبة
تحت رعاية العصبة من أجل الاتفاق على حقوقهم.
وتضم المذكرة ايضاً التوصية التي قدمها توفيق وهبي الى (اللجنة الدائمية للإنتداب) وطلب منها اجراء التحقيقات اللازمة لمعرفة ما اتخذتها الحكومة العراقية من الخطوات التشريعية والادارية لتأمين حقوق الكرد، وحض اللجنة على عدم اتخاذ أية اجراءات من قبل الحكومة العراقية في هذا السياق لحد الآن.
وجاءت في المذكرة أيضاً ايضاحاً بوصفها رداً على تصريحات (ميجر يونغ) ممثل السلطة البريطانية في العراق، فقد اشار الى أن ارسال العرائض من قبل الكرد الى الجهات المسؤولة، ليس بسبب عدم وجود اسم الكرد في معاهدة 1930 فحسب، كما يقول ميجر يونغ، بل كانت نتيجة للقمع المنظم الذي تمارسه الحكومة العراقية ضدهم، ولاثبات قوله، فقد نشر توفيق وهبي في المذكرة اعترافات كل من توفيق قزاز والشيخ قادر الحفيد، اللذان اعتقلتهم السلطات العراقية في السليمانية، بسبب ارسال العرائض، حيث يرجع اعتقالهم الى الحوادث التي وقعت اثناء الانتخابات في السليمانية بتأريخ 6-09- 1930.[1]