حامد محمد علي
الصحافة هي مرآة الشعب، وإحدى أهم العوامل المؤثرة في الرأي العام، وهي كما تؤثر في حياة الشعوب وحركاتها، تتأثر أيضا بواقعها السياسي والتاريخي والحضاري، فالشعوب المتقدمة حضارياً، تتميز بصحافة مزدهرة وعريقة؛ إذ أن تاريخ الصحافة وتطورها يرتبط ارتباطا وثيقا بتاريخ الشعوب.
ويتأثر بعوامل شتى، وهي في تفاعل مستمر مع تلك العوامل (وقد يكون تنامي الشعور القومي والحركة التحررية الوطنية واحداً من تلك العوامل إلى جانب العوامل الأخرى بالنسبة للأمم..
غير أن تاريخ الصحافة الكردية ومسيرتها عبر مايزيد على قرن واحد، مرتبط بحركة التحرر الوطني الكردية، وتكاد تكون هذه الحركة هي البوصلة التي تحدد نمو او انحسار الصحافة عبر مد الحركة وتصاعدها أو جزرها وانكساراتها).
أما بخصوص أهم مراحل تطور وازدهار الصحافة الكردية، فيمكن تحديدها بالمحطات أو المراحل الأساسية التالية:
أولا- مرحلة ثورة وحركة الشيخ محمود الحفيد في كردستان العراق 1919 – 1923 وبعدها
لأسباب عديدة – لا يسع المجال لذكرها هنا – توفرت للصحافة الكردية في العراق عوامل التطور والنمو أكثر من غيرها من أجزاء كردستان.. وتعود بدايات ظهور الصحافة الكردية هنا إلى ما قبل اندلاع الحرب العالمية الاولى بعدة اشهر وفي السنة الأخيرة من تلك الحرب ومع انتهائها، بدأت مرحلة جديدة من مراحل تاريخ الصحافة الكردية في العراق، ففي كانون الثاني عام (1918) أصدر المحتلون الانجليز أول جريدة كوردية عراقية باسم (تيكهیشتنی راستی – فهم الحقيقة) وبعدها بسنة وثلاثة اشهر (نيسان 1919) أسس (ميجر سون) الضابط السياسي البريطاني في مدينة السليمانية جريدة (پيشكهوتن) الكردية – الأسبوعية، التي استمرت في الصدور بشكل منتظم حتى عودة (الشيخ محمود) من منفاه الى مدينة السليمانية في حزيران (1922) وصدر منها (144) عدداً.
بعد ذلك بدأت مرحلة مهمة ومزدهرة من تاريخ الصحافة الكردية بصورة عامة وفي العراق على وجه خصوص في عهد (حكومة شيخ محمود) وحركاته ضد الانجليز، صدرت عدة صحف كوردية رغم الإمكانات الطباعية والصحفية المحدودة؛ وأهم هذه الصحف حسب التسلسل التاريخي هي:
1- بانك كوردستان/ ئاب 1922.
2- روز كوردستان/ تشرين الثاني 1922.
3- بانك حق / اذار 1923.
4-ئوميد استقلال / ايلول 1923
وهي كلها صحف أسبوعية، سياسية أدبية اجتماعية؛ تصدر بأربعة صفحات فقط؛ الصحف الثلاثة الأولى كانت رسمية تعبر عن سياسة الشيخ محمود وسلطته، أما الرابعة فصدرت بعد تدهور العلاقة بين الشيخ وسلطات الاحتلال الانجليزي واستيلائهم على المطبعة.
صدرت تلك الصحف جميعها في السليمانية وأطرافها خلال أقل من سنة ونصف، وكانت تنشر مقالات سياسية واجتماعية وثقافية قوية إلى حد ما، حيث كان يعمل فيها نخبة من المثقفين الملتفين حول الشيخ محمود وحكمداريته.
وبعد انتهاء سلطة الشيخ محمود وصحافته، صدرت في السليمانية صحف أخرى معروفة ومهمة، منها (زیانهوه 1924) و (زیان 1926) و (زین 1939) .. وبعدها صدرت في بغداد مجلتا (كه لاويز 1939) لصاحبها ابراهيم احمد و (نزار 1948) لصاحبها علاءالدين سجادي وهما مجلتان معروفتان و تعتبران من أرقى المجلات الكردية من حيث مضامينها ورصانة المقالات التي كانتا تنشرانها.
كما صدرت في قصبة (رواندز) التابعة لمحافظة اربيل في كردستان العراق عام 1926 مجلة (زارى كرمانجي) من قبل المؤرخ المعروف (حسين حزنى موكرياني) واستمرت المجلة لمدة (ست سنوات) وصدر منها (24) عدداً فقط.
ثانياً/ مرحلة ما قبل جمهورية كردستان (مهاباد) الكردية في كردستان إيران و أثنائها..
تعود بدايات نشوء الصحافة الكردية في الجزء الشرقي من كردستان – كردستان ايران – إلى عام 1914 حيث صدرت أول مجلة كوردية في هذا الجزء من قبل المبشرين البروتستانت بالتعاون مع المؤسسات الالمانية في مدينة مهاباد كما يقول (المستشرق مينورسكي).
وبعد انتهاء الحرب العالمية الاولى وسيطرة (سمكو)(4) على مدينة ورمى (رضائية) شمال غرب ايران، حيث كانت فيها مطبعة، اصدر المذكور عام (1921) جريدة خاصة بحركته بعنوان (روز كورد شهوی عهجهم) و قد توقفت بعد انهيار حركته.
وفي منتصف الأربعينات من القرن العشرين صدرت في هذا الجزء من كردستان مجلة باسم (هاوار) أو (هاواری كورد) في مدينة مهاباد.
تعتبر مرحلة جمهورية (مهاباد) أو (جمهورية كردستان) في إيران بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، واحدة من أكثر مراحل تاريخ الصحافة الكردية ثراء وازدهاراً، من حيث عدد الصحف والمجلات التي صدرت في تلك الفترة القصيرة ومن حيث نوعيتها.. فخلال هذه المرحلة وقبلها بقليل، صدر في مدينة (مهاباد والمدن الكردية المجاورة لها) عدد من الصحف والمجلات أهمها:
1- مجلة (كردستان) صدر العدد الأول منها في (6 كانون الأول 1945) في مهاباد.. اي قبيل الاعلان عن جمهورية مهاباد بفترة وجيزة، وكانت مجلة قومية الاتجاه، ولسان حال الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، وقد استمرت هذه المجلة خلال فترة جمهورية مهاباد بقيادة (قاضي محمد) حتى نهاية عام (1946) حيث سقوط الجمهورية.
2-جريدة (كردستان): صدر العدد الاول منها في 11-01-1946 وكانت لسان حال الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني ايضاً، وكان يصدر منها ثلاثة أعداد في الأسبوع وبأربع صفحات، حيث صدر منها حتى إغلاقها مع إسقاط جمهورية كردستان (مهاباد) (110) عدداً.
3-مجلة (هه لا له): وصدر العدد الأول منها في مطلع شهر آذار 1946 في مدينة (بوكان) القريبة من مهاباد ولم يصدر منها سوى أعداد قليلة.
4-مجلة (هاوارى نيشتمان): وكانت لسان حال الشبيبة الديمقراطية الكردية في كردستان ايران، وصدر العدد الاول منها في مدينة مهاباد في 21-03- 1946.
5- مجلة (كروكالي مندالاني كورد): وهي أول مجلة كوردية للاطفال، صدرت منها (ثلاثة أعداد) فقط في مدينة مهاباد خلال الاشهر (نيسان ومايس وحزيران) عام 1946.
اذاً هذه المرحلة من تاريخ الصحافة الكردية كانت من المراحل المزدهرة قياسا الى المراحل التاريخية السابقة والظروف المحيطة بجمهورية كردستان الفتيه، حيث التنوع في الصحف الصادرة من حيث الشكل ومن حيث الشرائح والطبقات التي تمثلها، وكذلك من حيث عدد الصحف التي صدرت خلال تلك الفترة الزمنية القصيرة نسبياً والتي لم تتجاوز سنة واحدة..
ثالثاً/ مرحلة مابعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958 في العراق
تميزت هذه المرحلة ايضاً بصدور العديد من الصحف والمجلات الكردية، خاصة في مدينتي (السليمانية وبغداد) وكانت أبرزها صحف سياسية أو صحافة الأحزاب التي خرجت بعضها من السر الى العلن كصحيفة (خهبات) لسان حال الحزب الديمقراطي الكردستانى العراقي التي صدرت في (نيسان 1959) وهي جريدة (عربية) من حيث اللغة، ولكنها (كوردية) من حيث المحتوى والنهج والمرجعية، وكذلك صدرت في مايس من نفس العام جريدة (ئازادى) وهي لسان حال الحزب الشيوعي العراقي – فرع كوردستان وشهد تاريخ الصحافة الكوردية في هذه المرحلة نوعاً جديداً من المجلات والصحف الا وهي صحافة المنظمات، وابرزها الصحافة الطلابية.. وصدرت ايضاً مجلات أدبية ذات مستويات مرموقة.
لقد تأثر وجود حرية الصحافة الكردية – بغض النظر عن نوع الصحافة – في كل جزء من أجزاء كردستان بالأجزاء الأخرى.
فالمد الصحفي الذي تبع ثورة تموز بالعراق أدى إلى السماح بصدور جريدة كوردية في (طهران) كانت تحمل اسم (كردستان) أيضاً ورغم الطابع الرسمي لتلك الجريدة، فقد أسهمت في نشر مكونات التراث الأدبي الكردي، وقد توقفت تلك الصحيفة عن الصدور بانحسار المد الصحفي الكردي في العراق.
كما انعكس هذا الواقع على تركيا، حيث تغاضت السلطات التركية عن صدور بضع مجلات باللغة الكردية.
وقد انحسرت هذه المرحلة بعد عامين وعدة اشهر من صدور (خهبات) حيث اندلعت ثورة ايلول عام (1961) في كردستان العراق، ولم يصدر في الداخل بعدها سوى عدد قليل من المجلات الأدبية؛ فبدأت مرحلة جديدة من النشاط السري (صحافة الجبل) وكانت تعبر عن أهداف الثورة وتغطي نشاطات قوات البيشمرطة (الثوار الكرد) كما كانت تؤدي دوراً ملموساً في تعبئة جماهير شعب كردستان ودفعه نحو التعاطف مع الثورة وقيادتها ومساندتها بالإمكانات المتاحة، ولكن توزيع هذه الصحف كان محدوداَ لم يتجاوز جغرافية مناطق الثورة، أو بعض المدن والقصبات بشكل محدود جداً.
رابعاً/ مرحلة بيان (11) آذار في العراق (1970 - 1974 )
بصدور بيان الحادي عشر من آذار (1970) والذي عرف باتفاقية 11 آذار، اعترفت الحكومة العراقية لأول مرة وبشكل علني عبر ذلك البيان الرسمي بالحقوق القومية للشعب الكردي في إطار الدولة العراقية.
وتضمن البيان الإعلان عن هدنة بين الحكومة والحركة الكردية لمدة اربع سنوات، ليتسنى خلالها تطبيق المبادئ التي وردت في الاتفاقية، وذلك عبر إصدار قانون خاص باسم قانون الحكم الذاتي.
وقد انعكس الوضع الجديد على الواقع الثقافي والصحفي الكردي في العراق، لأن الانفراج السياسي الذي جاء بعد البيان المذكور، كان كفيلاً ببدء مرحلة جديدة من النضال ومن الحياة الثقافية والصحفية الكردية في العراق.. فصدر العديد من الصحف والمجلات الكردية من قبل الحكومة المركزية وكذلك من قبل قيادة الحركة الكردية وعن طريق المنظمات الجماهيرية والمهنية الكردية؛ فشهدت الصحافة الكردية توسعاً كمياً ونمواً وازدهاراً كبيرين، كجزء من الواقع الثقافي العام الذي شهد تطوراً ملموساَ في هذا الجزء من كردستان بعد بيان 11 -03- 1970.
ابرز الصحف والمجلات التي صدرت في هذه الفترة وازدهرت خلالها:
1-جريدة التآخي وملحقها الكردي، والتي صدرت لأول مرة في بغداد في 29-04- 1967 كجريدة عربية يومية لسان حال الحزب الديمقراطي الكردستاني وصدر ملحقها الكردي (برايى) في 6 -05-1967 وكان أسبوعيا.
لقد ازدهرت صحيفة التآخي وملحقها خلال مرحلة اتفاقية آذار وأصبحت إلى.. مع الصحف العراقية الأخرى تهتم بالمسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ وكانت تلقى استقبالاً حاراً من قبل القراء الكرد والعرب كذلك؛ وفي الاول من كانون الثاني 1974 تحول (برايي الملحق) لاول مرة الى صحيفة يومية كوردية سياسية، واستمرت في الصدور حتى 8/2/1974 حيث صدر منها عددا فقط، وهي أول صحيفة كوردية يومية في التاريخ؛ وقد توقفت عن الصدور نتيجة لتأزم العلاقة بين الحكومة العراقية وقيادة الحركة الكردية وفشل تطبيق قانون الحكم الذاتي لكردستان العراق، حيث بدأ القتال ثانية في أواسط آذار 1974 بعد أربع سنوات كاملة من المفاوضات والهدنة، فدخلت الصحافة الكردية مرة أخرى مرحلة جديدة من الصدور، أما في ظل الحكومة المركزية، أو في مناطق الثورة بإشراف قيادة الحركة الكردية.
2-جريدة (هاوكارى) الأسبوعية: وصدرت في بغداد في كانون الثاني 1970 واستمرت إلى بدايات القرن الحالي وكانت تصدر في البداية من قبل (دار الجماهير للصحافة) ثم تحولت بعد بيان الحادي عشر من آذار الى (دار الثقافة والنشر الكردية).
3-مجلة (بهيان) الأدبية: صدر عددها الاول في تشرين الثاني (1969) في بغداد وازدهرت في مرحلة بيان 11 آذار وكانت تصدر من قبل دار الثقافة والنشر الكردية شهرياً.
4-مجلة (روزی كوردستان – شمس كردستان) الثقافية الشهرية : وصدر العدد الاول منها في حزيران 1971، وكانت تصدر من قبل (جمعية الثقافة الكردية) في بغداد.
5-مجلة (روشنبيرى نوى) الأدبية والثقافية: صدر العدد الأول منها في تشرين الثاني 1973 وكانت تصدر من قبل (دار الثقافة والنشر الكردية) ببغداد، وقد تطورت في السنوات اللاحقة واستمرت إلى أوائل التسعينات.
والى جانب تلك الصحف والمجلات السياسية والأدبية والثقافية العامة، صدرت صحف ومجلات أخرى خلال هذه المرحلة من تاريخ الصحافة الكردية في العراق، والتي تعتبر من المراحل المزدهرة، وكانت هذه الصحف والمجلات تابعة للشرائح والطبقات المختلفة للمجتمع الكردي من اتحادات الطلبة والمعلمين والكتاب والأدباء، وكذلك مجلات علمية وأكاديمية، صدرت من قبل المجمع العلمي الكردي في بغداد، وكلية الآداب بجامعة بغداد.
وصدر ايضاً في هذه المرحلة عدد من الصحف والمجلات في المدن الكردستانية) الرئيسية (اربيل والسليمانية وكركوك ودهوك.[1]