عُقد المؤتمر السوري الأول ( وهو أول برلمان سوري منتخب في التاريخ ) في ربيع عام 1920 اجتماعه بعدما انسحبت القوات البريطانية التي واجهت القوات العثمانية و أخرجتها من الأراضي السورية.
و تقرر إعلان استقلال سوريا بحدودها الطبيعية، وإعلان الأمير الهاشمي فيصل بن الشريف حسين ملكا عليها.
وعلى الرغم من الشكوك الكبيرة التي أحاطت بعمل فيصل واتصالاته الدبلوماسية وتوقيعاته السرية مع الفرنسيين و الانكليز ، فإن رجال العمل العربي رأوا فيه وعداً فاتناً بالاستقلال العربي.
توجه الأمير فيصل مع حاشيته إلى مقر المؤتمر السوري، وأُعلن في الساعة الثالثة بعد الظهر في الثامن من آذار عام 1920، استقلال سوريا بحدودها الطبيعية وإعلانها مملكة، وتنصيب الأمير فيصل بن الحسين ملكاً عليها، ورُفع العلم السوري بعد أن تقرر أن يكون العلم العربي في الحجاز علماً للبلاد بعد إضافة نجمة بيضاء عليه .
أما البريطانيون والفرنسيون فقد رفضوا الاعتراف بالمؤتمر السوري وبقراراته، وبتنصيب فيصل ملكا على سوريا وبقيت مراسلاتهم للملك تعنون باسم الأمير فيصل وليس الملك فيصل.
في أيار عام 1920 وصلت لسوريا أنباء مقررات مؤتمر سان ريمو، و انكشفت اتفاقية #سايكس بيكو# المبرمة سريا قبل سنوات وتوضح اتفاق البريطانيون مع الفرنسيين على وضع سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، وفلسطين والعراق تحت الانتداب البريطاني.و بدأ الاحتلال الفرنسي و الانكليزي للبلاد .
قبل هذه الأحداث المصيرية نشرت جريدة العاصمة الدمشقية في 26-02- 1920 لقاء مع الأمير فيصل الذي نصب بعدها ملكا على سورية سأله فيه الصحفي عن الشكوك التي انتابت السوريون بعد وصول إشاعات عن وجود اتفاقية سرية حملت اسم سايكس بيكو يقتسم بها البريطانيون و الفرنسيون الأراضي السورية .
و كان رد الأمير تأكيده على وجود اتفاقية واضحة بين والده الملك حسين و وزير الخارجية البريطانية مكماهون ليتبين للسوريين فيما بعد عدم جدية هذه الأقوال و يصدموا بتغرير البريطانيين و الفرنسيين بالملك فيصل ووالده و بدء احتلالهم و اقتسامهم لأراضي سوريا و العراق و فلسطين .
نص المقابلة الصحفية :
سؤال- كنا قرأنا في جريدة الشرق التي كانت تصدر في دمشق إبان الحرب نص معاهدة تسمى ((معاهدة سايكس بيكو)) نشرها جمال باشا زاعماً أن البلشفيك ظفروا بها بين الأوراق الرسمية في بتروغراد عندما استولوا عليها ثم انقطعت أخبار هذه المعاهدة حتى عادت صحف أوربا منذ بضعة أشهر تردد صداها، و قيل أن جلاء الجنود الانكليزية عن سورية منذ مدة كان تنفيذاً لنص تلك المعاهدة .
فهل ذلك حقيقي، وهل سمعتم سموكم بها في الأماكن الرسمية أو اطلعتم عليها في أثناء الحرب أو بعدها ؟
جواب- حينما نشر جمال باشا تلك المعاهدة أثناء الحرب اطلع عليها والدي في العدد 101 من جريدة المستقبل فسأل جلالته الحكومة البريطانية بواسطة معتمده بمصر عن تلك المعاهدة فأجابته الحكومة الإنكليزية بكتاب هذا نصه :
(إن البلشفيك لم يجدوا في وزارة الخارجية بتروغراد معاهدة معقودة، بل محاورات و محادثات مؤقتة بين انكلترا و فرنسا وروسيا في أوائل الحرب لمنع المصاعب بين الدول أثناء مواصلة القتال ضد الترك، وذلك قبل النهضة العربية
وأن جمال باشا – إما من الجهل أو الخبث – غير في مقصدها الأساسي وأهمل شروطها القاضية بضرورة رضى الأهالي و حماية مصالحهم وقد تجاهل ما وقع بعد ذلك على أن قيام الحركة و نجاحها الباهر وانسحاب روسيا قد أوجد حالة أخرى تختلف عما كانت عليه بالكلية منذ أم مضى).
قال سمو الأمير:
فيظهر لكم من هذا الجواب أن تلك المعاهدة لم يكن معترفاً بها اعترافاً رسمياً لدى والدي و العرب و إذا فرض وجودها فإنهم قد أنكروها بتاتاً بحيث أصبحت كأنها لم تكن و تصريحات الحكومات بإلغاء جميع المعاهدات السرية تجعلنا لا نعترف بتلك المعاهدة .
فأجاب سمو الأمير: أن المعاهدات التي يذكرها صاحب الجلالة ما رأيتها.
و قد طلبت منه مراراً أن يجعلها سلاحاً لي إذا كانت موجودة، لا علم ما سبب تأخيره إرسالها لي و اكتفاء جلالته بإرسال صورة اتفاقية يقول أنها نسخة من تلك المعاهدة، وها أنا أعطيك تلك الصورة و يمكنك نشرها .
وهذا نصها بحروفها :
صورة ما تقرر مع بريطانيا العظمى بشأن النهضة
1-تتعهد بريطانيا العظمى بتشكيل حكومة عربية مستقلة بكل معاني الاستقلال في داخليتها و خارجيتها و تكون حدودها شرقاً من بحر فارس و من الغرب بحر القلزم و الحدود المصرية و البحر الأبيض و شمالاًُ ولاية حلب و الموصل الشمالية إلى نهر الفرات و مجتمعه مع دجلة إلى مصبها في بحر فارس ، ما عدا مستعمرة ( عدن) فإنها خارجة عن هذه الحدود .
وتتعهد هذه الحكومة برعاية المعاهدات و المقاولات التي أجرتها بريطانيا العظمى مع أي شخص كان من العرب في داخل هذه الحدود و بأنها تحل محلها في رعاية و صيانة تلك الحقوق و تلك الاتفاقيات مع أربابها أميراً كان أو من الأفراد .
2-تتعهد بريطانيا العظمى بالمحافظة على هذه الحكومة و صيانتها من أي مداخلة كانت بأي صورة كانت في داخليتها و سلامة حدودها البرية و البحرية من أي تعد بأي شكل يكون، حتى ولو وقع قيام داخلي من دسائس الأعداء أو من حسد بعض الأمراء فيه تساعد الحكومة المذكورة ( مادة و معنى ) من دفع ذلك القيام .
وهذه المساعدة في القيامات أو الثورات الداخلية تكون مدتها محدودة أي لحين يتم للحكومة العربية المذكورة تشكيلاتها المادية .
3-تكون (البصرة) تحت أشغال العظمة البريطانية لحين يتم للحكومة الجديدة المذكورة تشكيلاتها المادية. و يعين من جانب تلك العظمة مبلغ من النقود يراعى فيه حالة احتياج الحكومة العربية التي في حكمها قاصرة في حضن بريطانيا، و تلك المبالغ تكون في مقابلة ذلك الأشغال.
4-تتعهد بريطانيا العظمى بالقيام بكل ما تحتاجه ربيبتها الحكومة العربية من الأسلحة و مهماتها و الذخائر و النقود مدة الحرب .
5- تتعهد بريطانيا العظمى بقطع الخط من (مرسين)أو ما هو مناسب من النقاط في تلك المنطقة لتخفيف وطأة الحرب عن البلاد لعدم استعدادها.
قال سمو الأمير:
ولكني مع الأسف حينما كنت في لوندرة ( يقصد لندن ) قدمت هذه الصورة إلى رئاسة الوزراء فأنكرت وجودها كل الإنكار وقالت بأنه لا يوجد عهد – ولا كتاب كعهد- بمثل هذا التصريح و لكن لدينا رسائل أهمها رسالة من السير هنري مكماهون و هذا نصها بحروفها:
كتاب السير هنري مكماهون
إلى جلالة المليك المعظم بمكة في 24 تشرين الأول سنة 1915 :
(لما كانت مقاطعات مرسين و الاسكندرونة و بعض أجزاء سورية الواقعة إلى الغرب من مقاطعات دمشق و حمص و حماه لا يمكن تسميتها عربية محضة فإنه يقتضي إخراجها من الحدود التي بينتموها وأنه بمقتضى هذا التعديل ومن غير إخلال بمعاهداتنا السابقة مع بعض زعماء العرب نقبل الحدود على ما ذكرتموه).
ثم بخصوص الأراضي التي لبريطانيا العظمى حرية العمل فيها من غير إضرار بمصالح حليفتها (فرنسا) فإن لي السلطة باسم بريطانيا العظمى أن أعطي التأكيدات الآتية وأجيب على كتابكم بما يلي:
إن بريطانيا العظمى مستعدة – بعد التعديلات المذكورة آنفاً – أن تعترف باستقلال العرب و الأخذ بناصرهم و ذلك ضمن الحدود التي قدمها شريف مكة .
أما ولاية بغداد وولاية البصرة فعلى العرب أن يسلموا أن مركز بريطانيا العظمى و مصالحها تقتضي اتخاذ تدابير خاصة لإدارتها و حمايتها من كل اعتداء أجنبي، ولارتقاء أهاليهما، و المحافظة على مصالحنا المشتركة فيهما.
قال سمو الأمير :
عندئذ كررت طلب تلك المعاهدة من مكة المكرمة، ولكنها و يا للأسف لم ترد عليّ حتى الآن. فلهذا لا يمكنني أن أقول بأن وزارة الخارجية البريطانية مخالفة للحقيقة بأقوالها، ولا أقول أن حكومة مكة تقول غير الواقع.
فإذا كان لدى حكومة مكة المكرمة عهد كهذا فتأخير إبرازه في هذا الوقت الذي وضعت به مسألة العرب على بساط البحث و قد أوشك المؤتمر أن يبت بشأنها مضر جداً، لأن هذه المعاهدة لم تعقد إلا لتبرز في مثل هذا اليوم العصيب و يعمل بموجبها و قد ألحت في المدة الأخيرة على جلالة والدي بإرسالها ، وأظنها ستصلني عما قريب .
فإذا وصلت سيكون في النوادي السياسية غير موقفي الحاضر .
سؤال – هل دفاعكم في مؤتمر السلم سيكون خاصاً بشؤون سورية أم يتناول المسألة العربية كلها؟
جواب- إن صفتي في مؤتمر السلام هي تمثيل والدي و حكومته الذي قام مدافعاً عن حقوق العرب بأجمعها ، فإذا تخليت عن جانب من بلاد العرب المحررة من الأتراك أكون قد قصرت بواجبي السياسي و أخللت بما أودع إليّ من الوظائف .
إذا يتحتم عليّ أن أضع المسألة العربية برمتها موضع البحث وأدفع عنها باسم جلالة الملك .
سؤال- في كتاب السر مكماهون الذي تقدم الكلام عنه ما يتعلق بفلسطين و بغداد و البصرة فما رأى سموكم فيما ينطوي عليه و هل صرحت لكم الحكومة البريطانية بشيء بعده ؟
جواب – إذا وجد ذلك العهد الذي أعلن جلالة والدي وجوده فأظن الحكومة البريطانية ستكون مضطرة إلى تشكيل الوحدة العربية و الاعتراف و هي ملزمة بعهدها الوارد في كتاب السر مكماهون أن تؤلف حكومة في العراق تكفل مصالح العرب و البريطانيين معاً وأن تعترف بأن فلسطين و الموصل عربيتان داخليتان في ضمن الحكومة السورية والصداقة التي بيننا و بين الحكومة البريطانية تجعلني أواصل البحث فيما هو واجب على انكلترا إجراؤه في الممالك و البلدان التي هي الآن تحت أشغالها العسكرية وأملي عظيم بأنها ستقوم بعهودها .
سؤال- هل تفكرون برفض ما تدعيه الحكومتان الفرنسية والانكليزية من الحقوق في أقسام البلاد العربية ، سواء كان في سورية أو العراق أو غيرهما ، وما هي خطة سموكم في هذا الأمر ؟
جواب – إنني لا أتصور أن أقابل جميل هاتين بمعاملة غير لائقة و أنا أعلم بأن لهما منافع أدبية و اقتصادية يجب احترامها و لكني في الوقت نفسه أؤمل أن تنظر إلينا هاتان الحكومتان بنظر الاحترام ، و إلى حقوقنا بنظر الإنصاف و العدل وأن لا تطالبانا بما يخل باستقلالنا و رقينا المادي و المعنوي وأن لا تجبرانا على إتباع تقاليدهما على العمياء بل نأخذ منها ما طاب من مدنيتهما الحديثة و نترك ما هو مخالف لمدنيتنا .
وعلى كل فأنني أؤمل من رجال الحلفاء و الأمم المتمدنة أن تنظر إلينا بعين الحب ولا تهضم لنا حقاً كيما نتمكن من خدمة المدنية الحاضرة كما خدم أجدادنا المدنية الغابرة.
جريدة العاصمة الدمشقية
26 شباط 1920.[1]