د. وسام هادي عكار
يُعد التعليم مرآة عاكسة لواقع وفلسفة المجتمع وتأريخه ومدى تطوره وآفاق طموحاته المستقبلية، إذ غدى التعليم الحديث من ركائز النهضة في الكثير من البلدان في العالم وذلك لما يوفره من كوادر علمية تساعد في بناء المجتمع. فضلا عن دوره الفاعل في تيقظ الأفكار، وتنمية الوعي، وتوسيع قاعدة المثقفين. وفي هذه النبذة اقدم عرضا لبدايات التعليم الاهلي في #الموصل# ..
مدرسة دار الأدب مكتبي:
أحدثتْ وزارة المعارف العثمانية في الموصل مدرسة ابتدائية سمتها ب(دار الأدب مكتبي) في محلة خزرج سميتْ مطلع عام 1915 بالخزرجية الابتدائية، وقد تعاقب على إدارتها الكثيرون، غير إن امتناع الأهالي في تلك المنطقة عن التعليم لكونهم اقرب إلى البداوة منهم إلى الحضارة وانهماكهم في أشغالهم البسيطة التي ألفوها كالزراعة والرعي، أدتْ إلى تأخر المدرسة وإعاقتها عن التقدّم، إذ أوشكتْ المدرسة على الإضمحلال في تلك المدة بسبب النفير العام أيام الحرب العالمية الأولى. وباستفحال أمر المجاعة والغلاء تشتت أهل المحلة، ثم عادتْ فانتظم الدوام فيها بعد الحرب. ولقد انبثقتْ من دار الأدب الفكرة القومية وأزداد الشعور الوطني في تلك المدرسة بشكل سري من جهة وعلني من جهة أُخرى، فوضع مدير المدرسة(محمد رؤوف الغلامي) نظاماً اقتصادياً سماه(صندوق الاقتصاد) عام 1917، لخدمة الطلاب وحينَ عرضه على المدارس الأخرى، وافقوا عليه وساهم به الكثير من الطلاب، ولما زاد الإقبال عليه، أرتأى إخراج الصندوق من المدرسة وإلى مجال أوسع وجعله مؤسسة مستقلة بعنوان(دار الأدب)، وأن يتضمن منهاجاً إلقاء المحاضرات والخُطب وتدريس الدروس، وتأليف الكُتب وتأسيس المدارس الأهلية وكل ما يعزز مبدأ العلم. وعندما أوشك الاحتلال البريطاني يتم لمدينة الموصل قررتْ الإدارة تحويلها إلى جامعة أُطلق عليها جامعة الآداب.
جامعة الآداب الأهلية:
عندما أصبح البريطانيون على وشك احتلال الموصل، ارتأى الأستاذ محمد رؤوف الغلامي، الإسراع بتبديل عنوان(دار الآدب)، وجعله(جامعة الآداب الاهلية)، لتكون مؤسسة شبه علنية تأخذ لها حيزاً قبل دخول قوات الاحتلال. لذلك جمع عدد من الأساتذة منهم عبد المنعم الغلامي ومحمد سعيد الجليلي وعبد المجيد شوقي البكري وتوفيق الدباغ لوضع (دستور جامعة الآداب الأهلية). وتضمن دستور الجامعة:
1- فتح مكتبة واسعة للمطالعة وإعارة الكتب.
2- إلقاء المحاضرات العلمية والأدبية والتأريخية.
3- تدريس اللغتين الانكليزية والفرنسية.
4- اتخاذ الخطوات لفتح مكتبة عامة مع العمل لفتح مدرسة ابتدائية للبنين.
وأخذَ الأساتذة يعملون لتنمية تلك الجامعة وإيصالها إلى الدرجة الراقية علماً وأدباً، إذ كانتْ لتلك الجامعة أهدافها الوطنية والعلمية. وتجلى الشعور الوطني في تنظيم الاجتماعات السياسية وبتدبير الحركات للقيام بالثورة ضد السُلطة المُحتلة. أما أهدافها العلمية فتظهر في نشر الثقافة بين أفراد الشعب والتوجيه إلى النهضة العلمية القائمة في البلاد العربية وتلافي ما أحدثته الحرب العالمية من خُسران وتعطيل المدارس. وقد حققتْ الكثير، كان من ثمارها فتح مكتبة الخضراء التي قدّمتْ خدمات عظيمة للبلد في نشر الثقافة والمعارف في البلد، وإلقاء المحاضرات والدروس وفتح المدارس، كان منها فتح مدرسة دار النجاح الأهلية.
مدرسة النجاح الأهلية:
وهي أول مدرسة أهلية إسلامية أُنشئتْ في الموصل بعد انتهاء من الحُكم العثماني والوقوع تحت سيطرة الاحتلال البريطاني عام 1919، وكانتْ الهيأة التدريسية فيها من أعضاء جامعة الآداب أنفسهم، وكانتْ المدرسة تسير وفق المنهج الابتدائي الرسمي مع تعديل ما تراه مناسباً لصالح المدرسة وتوجيه الطلبة توجيهاً وطنياً سليماً.
كان الإقبال على المدرسة كبيراً لأنها كانتْ مدرسة ظاهرها التدريس، إلا أنها غدتْ مركز النشاط السياسي الوطني، مما ضاقتْ حكومة الاحتلال ذرعاً بها وشددتْ الرقابة عليها، ولما وجدتْ سلطة الاحتلال إن حركة دار النجاح الأهلية(الوطنية)، لم تتوقف وضعتْ يدها عليها وألحقتها بمدارسها الرسمية.
مدرسة دار الإصلاح الأهلية:
أُسّسِتْ تلك المدرسة في مطلع عام 1919، في نفس الموقع السابق ل(دار النجاح الأهلية، بعد انتقالها إلى بنايتها الجديدة في محلة باب النبي)، كانت غاية المدرسة متمثلة بشخص مديرها (بدر الدين نوري)، نشر التعليم والثقافة في البلاد فضلاً عن عملها الوطني، وقد ظلتْ تواكب عملها التربوي قرابة ستة أعوام، ثم أوقفتْ أعمالها نهائياً بفعل ضآلة ماليتها وعدم مساهمة الحكومة لها بالمال.
المدرسة الإسلامية الأهلية:
عدُتْ (جمعية العهد العراقي)، من أول الجمعيات العراقية التي أهابتْ برجالها العاملين للقيام بالأعمال الوطنية، والسير بالبلاد في مضمار التقدّم والتمتع بالحرية والاستقلال، فكما كانت تلك الجمعية تعمل في المجال السياسي ضد سلطات الاحتلال البريطاني؛ فإنها فكرتْ أن تعمل في المجال العلمية فكان من ثمرة جهودها تأسيس (المدرسة الإسلامية) في تشرين الأول 1919، ضمت (20)طالباً وتقرر إسناد إدارتها إلى الشيخ( عبد الله النعمة)إذ خصص لكل طالب(20 روبية)، من تبرعات الميسورين والأعضاء لتساعدهم على مواصلة دراستهم العلمية.
تفوق منهاج المدرسة الإسلامية على منهج الدراسة الابتدائية الحكومي، إذ تضمنت الدروس فيها على العلوم الدينية والأدبية والعصرية ومدة الدراسة فيها (12) سنة، لكل من السنين الدراسية منهاج دراسي تضعه الهيأة العلمية، كما شكلت المدرسة جمعية خيرية تقوم بإدارة شؤون المدرسة من الناحية المالية والإدارية والعلمية.
ولما اشتد ساعدها أصبحت تحت أنظار دائرة المعارف المحتلة في الموصل عن كثب، ثم إرتأتْ أن تتقرب منها عن طريق منحها الإكراميات السنوية، وقد أفلحتْ في ذلك بسبب إلحاح بعض المقربين المتنفذين، مما أضطر الإدارة للموافقة على القبول على المنحة، كما اتخذت السلطة المحتلة إزاءها سياسة خاصة بفعل كونها مدرسة دينية وقائمة في جامع ديني وهو (الجامع الكبير)، وإن البعض من القائمين بشؤونها من علماء ووجهاء كانوا على اتصالات شخصية بها. نتيجة ذلك، فإنها لم تظهر كأختها دار النجاح الأهلية بالمظهر الوطني. واستطاعتْ بذلك السلطة المحتلة عن طريق منحها الإكرامية من التدخل والإشراف على شؤونها بالتدريج.
ظلتْ إدارة المدرسة مرتبطة رسمياً بالمعارف إلى ما بعد دور الحُكم الوطني، وقد أخلتْ ماليتها في التردي أخيراً بسبب ابتعاد أكثرية المتبرعين عنها معتمدين على منحة المعارف السنوية، فتمكنتْ الإدارة من الاستفادة من منحة واردات الأوقاف العامة، ثم ضمتْ إلى الأوقاف وجعلتْ منهاجاً تطابق معَ (متوسطة دينية)،عقب ذلك، صدرتْ إرادة ملكية بتبديل اسمها إلى المدرسة الفيصلية الوقفية.
من بحث طويل ارسله الباحث مشكورا الى ملحقنا.[1]