رياض فخري البياتي
نتيجة للسياسة التي انتهجها #بكر صدقي# وأعوانه تولدت حالة من السخط بين صفوف الجيش والشعب والفئات المثقفة ، واثرت كثيرا على سمعة وزارة الانقلاب التي رأسها حكمت سليمان مما شجع الضباط المناوئين للانقلاب على عقد العزم من اجل تغيير الأوضاع ، من خلال عدة محاولات لاغتيال بكر صدقي ، لكن لم يكتب لها النجاح ، وكانت تلك المحاولات كالأتي :
أولاً :- محاولة اغتيال بكر صدقي في ليلة 2805- 1937م ، حين ذهب لحضور حفلة أقيمت لولي عهد المملكة السعودية في قصر الزهور ، إذ كان مقرراً اغتياله وهو في طريقه لحضور تلك الحفلة ، لكن تردد بعض القائمين على تنفيذها حال دون تنفيذ تلك المحاولة .
ثانياً :- محاولة اغتياله في إحدى السهرات التي تقام في النادي العسكري ، لكنها لم تنفذ لكثرة حراس بكر صدقي ويقظتهم .
ثالثاً :- محاولة اغتياله في بهو أمانة العاصمة ، حين حضوره الحفلة التكريمية يوم 22 06- 1937م ، التي أقيمت على شرف الضيفين ( رشدي اراس ) و ( جلال بايار ) وزيري الخارجية والصناعة التركيين ، لكن العملية ألغيت ، مخافة أن يصاب أحد الضيفين برصاصة طائشة ، فتسوء العلاقة بين البلدين .
رابعاً :- محاولة الضباط القوميين : (( نجيب الربيعي ، محمود الدرة ، وعبيد عبد الله المضايفي ، ومزاحم ماهر الكنعاني )) ، اغتيال بكر صدقي في إحدى الأمسيات التي اعتاد الحضور اليها في قصر الملح ( على طريق بغداد ) ، حين تناوله العشاء على مائدة الملك غازي ، و يكون بكر صدقي بحالة سكر من جراء تناوله الكحول لكن المحاولة ألغيت خوفاً على حياة الملك غازي من رصاصة طائشة قد تؤدي الى قتله .
وجهت الحكومة التركية دعوة الى الحكومة العراقية لحضور مناورات للجيش التركي ابتدأً من يوم 18 -08 -1938م ، واستجابة لتلك الدعوة فوضت الحكومة العراقية وفداً برئاسة رئيس اركان الجيش بكر صدقي ، وعضوية حسين فوزي, ونور الدين محمود , ومحمد رفيق عارف ، لحضور تلك المناورات .
وقد وضعت خطة من قبل الضباط القوميين للتخلص من بكر صدقي أثناء سفره إلى تركيا وحين مروره بالموصل ، إذ خطط الضباط القوميون لدعوته إلى حفل ساهر في نادي الضباط ليتم اغتياله أثناء الحفلة ، وفي حالة عدم تلبية بكر صدقي لتلك الدعوة يتم إرسال سرية متجهة إلى منطقة تل كوجك ( اليعربية حاليا) لمهاجمته قبل اجتيازه الحدود السورية – التركية .
وحين وصل بكر صدقي إلى الموصل يوم 11-08- 1937 م ، وبرفقة قائد الفرقة الأولى اللواء حسين فوزي ، وآمر القوة الجوية محمد علي جواد ، تم استقبالهم من قبل آمر المنطقة الشمالية محمد أمين العمري , والمقدم محمد فهمي سعيد ، وبعد تناول بكر صدقي الطعام اشتكى بكر صدقي من الحر الشديد ، فاشار عليه محمد علي جواد بالذهاب الى مطار الموصل العسكري .
وفي الساعة الرابعة وخمس وأربعين دقيقة من مساء يوم 11-08- 1937م تم اغتيال بكر صدقي وزميله محمد علي جواد آمر القوة الجوية أثناء تواجدهما في حديقة مطار الموصل العسكري ، إذ تقدم احد الجنود نحو بكر صدقي وباغته بسرعة , وقد اخرج مسدساً من اسفل الإناء الذي كان يقدم عليه المرطبات ، فصوب مسدسه نحو بكر صدقي فأصابت الرصاصة الأولى رأسه ، ثم انفجرت الثانية فأصابت قلبه وصدره ، فأردته قتيلاً ، وقد حاول محمد علي جواد الوقوف حائلاً بين القاتل وبكر صدقي ، لكنه هو الآخر قد فارق الحياة على يد نفس القاتل المذكور ، وتمكن الضباط الذين كانوا بالمطار من الإمساك بالقاتل، واخذوا بضربه ، وصرخ فيهم الجندي ، مدعياً انه بريء من حادث القتل ، وان الضابط محمود هندي هو من أتى به إلى المطار ليقوم بخدمة الضباط ، بينما اختفى محمود هندي عن الأنظار.
وهنالك رأي أفاد أن العملية لم تنفذ بمسدس الجندي وحده ، وإنما كان هناك أحد الضباط من ذوي الاتجاهات والميول القومية, وقد تدخل مفرغاً طلقات مسدسه صوب بكر صدقي ، بعد ان لاحظ تخاذل الجندي وتباطؤه ، ولم يذكر اسمه استجابة لطلب من أبنائه، رحمه الله واسكنه فسيح جناته.
وفي رواية أخرى أفادت قيام عبد العزيز ياملكي بإقناع محمد آمين العمري آمر منطقة الموصل للانضمام إليهم في عملية التخلص من بكر صدقي ، وان عملية اغتيال بكر صدقي نفذت بإشراف محمد خورشيد ( أحد الضباط القوميين ).
وقد يكون لكل من نوري السعيد وطه الهاشمي يد في عملية اغتيال بكر صدقي ولاسيما أن نوري السعيد وبعد حدوث انقلاب عام 1936م ، واستقراره في مصر خشية استهدافه من قبل بكر صدقي وأعوانه ،اخذ يراقب تطورات الأحداث في بغداد ويتحين الفرص للقيام بعمل يستهدف حكومة الانقلاب ، إذ حاول إقحام الملك السعودي عبد العزيز بن سعود في الموضوع ، لكن الملك السعودي تفادى ذلك خشية إغضاب البريطانيين ، ومما سيسيء إلى العلاقة بين السعودية والعراق ، فضلاً عن قيامه بعقد الاجتماعات المناهضة لحكومة الانقلاب.
أما بخصوص طه الهاشمي ، فقد أشارت اكثر المصادر إلى مشاركته في عملية الاغتيال تلك ، وانه من المخططين لقتل بكر صدقي ، إذ كان على اتصال دائم بالضباط القوميين الذين نفذوا عملية القتل .ومما يرجح ذلك الرأي قيام ( كتلة الضباط القوميين ) إرسال مبعوث إلى طه الهاشمي لأخباره بنية الكتلة بالقيام بحركة ضد بكر صدقي , لكنه رفض ذلك حفاظاً على وحدة الجيش وحرصاً على الوحدة الوطنية ، وخشية حدوث حرب أهلية ، مفضلاً العمل وفق( خطة رشيدة) للقضاء على بكر صدقي .
وهنالك رأي آخر يدرج طه الهاشمي في تلك العملية ، حين وردت رسالة مجفرة من الموصل إلى طه الهاشمي ، بعد مقتل بكر صدقي وفيها عبارة ( ان المريض شفي ) ، كما أشار ناجي شوكت في مذكراته عن دور طه الهاشمي واعتقاده بوجود علاقة له بقتل بكر صدقي ، اذ انه حين قام بإخبار طه الهاشمي بخبر مقتل بكر صدقي ، رأى علامات السرور على وجهه ، لكنه اقتنع انه لم يكن هو أول من اخبره بذلك الخبر .
ترددت شائعة أخرى مفادها أن البريطانيين هم الذين قاموا بالتخلص من بكر صدقي، بسبب موقفهم السلبي منه على اثر موقفه من قضية الكويت الداعي إلى ضمها للعراق، وبأنهم قاموا باغتياله بأيادي عراقية , وبتدبير احد ضباط الاستخبارات البريطانية .
كان لاغتيال بكر صدقي تداعيات كبيرة ، إذ أصدرت السلطات المختصة امراً بتوقيف عدد من الضباط الذين كانت تحوم حولهم الشبهات , وكان من بين الموقوفين العقيد محمد فهمي سعيد والرئيس محمود هندي ، لكن آمر منطقة الموصل محمد أمين العمري ، رفض ارسالهم الى بغداد ، وطلب ان تكون محاكمتهم في الموصل ، واعلن قطع علاقته ببغداد، فضلاً عن تشجيعه على العصيان العسكري الذي حدث في الموصل بعد ايام من اغتيال بكر صدقي، والذي حظى بتأييد كل الضباط العسكريين الذين طالبوا باستقالة حكومة حكمت سليمان ، وتعزز ذلك الموقف حين حدث تذمر قطعات الجيش في معسكر الوشاش بقيادة سعيد التكريتي، مما اضطر حكومة حكمت سليمان في نهاية الأمر إلى تقديم استقالتها يوم 17-08- 1937م .
عن رسالة ( ظاهرة الاغتيالات السياسية في العراق )[1]