عنب بلدي – الحسكة
هاجسه بالحفاظ على التراث والهوية، وهوسه بالمقتنيات والتحف الأثرية، وعشقه لكل ما هو قديم دفعه لافتتاح متحف “البيت الكردي القديم” بجهود ذاتية.
في حي المفتي بمدينة الحسكة افتتح حمزة محمد علي متحفه الذي يضم مئات المقتنيات القديمة من التراث الكردي.
ويبقى الشعب حيًا ما دام فلكلوره وفنه وثقافته على قيد الوجود، فهو ما يشكل جسر التواصل بين الأحفاد والأجداد، ولطالما كان التراث الشعبي ركيزة أساسية من ركائز الحفاظ على الهوية، فعلى مر الزمن شكل الإرث الحضاري والثقافي تراكم خبرة الإنسان في حواره مع الطبيعة والثقافات الأخرى، وخلاصة تجارب ماضيه، ليعبر ما تركه الأولون من ممتلكات كالبقايا المادية من أوانٍ وملابس وحلي ووثائق عن روح الشعوب ونبض حياتها وثقافتها.
=KTML_Bold=من محل صغير إلى المشروع الحلم=KTML_End=
يروي حمزة لعنب بلدي أنه بعد عودته من كردستان العراق، التي لجأ إليها مع عائلته بسبب ظروف الحرب السورية، وعاش فيها نحو خمس سنوات، قرر تحقيق حلمه القديم الذي لطالما راوده في تأسيس منزل كبير يضم كل ما له علاقة بالتراث الكردي من ناحية الصناعات القديمة التي ميزت البيت الكردي الريفي قديمًا.
بدأ حمزة مشروعه من محل صغير بدوار المفتي في مدينة الحسكة، ضم مقتنيات وتحفًا قديمة من نحاسيات وفضيات وسجاد قديم أحضره معه من كردستان، وقد لاقى هذا المحل إقبالًا كبيرًا من الزوار لما يضمه من تحف حصرية غير موجودة في مناطق سورية أخرى.
يقول حمزة إنه بفعل الحرب فقدت الكثير من المناطق السورية ما كانت تحتويه من مقتنيات أثرية ففي حلب على سبيل المثال كانت توجد الكثير منها، وأيضًا في غيرها من المدن السورية، ولذلك فإن أغلب الزائرين يأتون متعطشين لرؤية هذا التراث ومعرفة المزيد من التفاصيل عنه.
وأشار حمزة إلى أن جميع القطع تحمل صفة القدم ومعظمها يدوية الصنع، وقد كان هذا المشروع بمثابة عمله الذي يعتمد عليه للعيش، ولاقت هذه القطع رواجًا مقبولًا ساعده على توسيع مشروعه بعد نحو ستة أشهر من افتتاحه.
ولإكمال حلمه والسير فيه إلى آخره، عمل حمزة على تحويل بيته الذي تبلغ مساحته 500 متر مربع إلى معرض للقطع الأثرية الكردية الفلكلورية، وهو يضم حاليًا أكثر من 800 قطعة تراثية قديمة استغرق جمعها سنوات.
=KTML_Bold=قطع لا تقدر بثمن.. ليست للبيع=KTML_End=
وتشمل هذه القطع آلات موسيقية أثرية، وسيوفًا وخناجر كردية وعراقية وتركية ويمنية وسعودية، كل قطعة منها محفور عليها تاريخها ولمن تعود.
بالإضافة إلى العديد من القطع التي كانت تستعملها العائلة الكردية في منزلها الريفي كالسجاد القديم بأنواعه والذي يعود بعض منه لأيام “زارادشت” (مؤسس الديانة الزرادشتية)، والهاون الحجري القديم، والهاون النحاسي الذي تبعه، وأنواع من حجر الرحى الذي كان يُستخدم لطحن الحنطة وعمل الطحين، والذي يسمى في اللغة الكردية “دستار”، والجرار القديمة التي كانت تستخدم لحفظ الطعام، ومكاوٍ كانت تُشغّل على الفحم ثم على “البابور”، والتنور الذي كان يستخدمه الأجداد لعمل الخبز، و”دلات” قهوة مسجل عليها أسماء مالكيها من شيوخ العشائر تعود لأكثر من مئتي عام، إلى جانب فناجين القهوة والكاسات المصنوعة من النحاس، والمسابح، والحقائب المدرسية القديمة المصنوعة يدويًا من الصوف المزين بالنقوش التراثية المعروفة، والخواتم والساعات الجيبية واليدوية القديمة.
لكل قطعة ما يميزها وقد نقش على بعضها اسم الصانع وتاريخ الصنع بطريقة النحت الغائر أو النافر، ويؤكد حمزة أن الهدف الرئيسي من مشروعه هو إحياء التراث الكردي القديم والحفاظ على الثروة، وأن يكون مقصدًا لكل المهتمين.
ويلفت إلى أن المنطقة الكردية غنية بالمواد التراثية، ولكن قلة من يعمل على عرضها وإبراز ناحيتها الجمالية، مضيفًا أن الغالبية العظمى من الناس لا يقدرون قيمة هذه القطع ويهملونها، ولكنهم عندما يشاهدونها في المتحف ويسألون عن تاريخها يدركون أهميتها ويعملون على مداراتها أكثر والحفاظ عليها.
ويرى حمزة أن بعض المقتنيات لا تقدر بثمن، ولذلك فهو لا يبيعها مهما كان العرض المقدم له، لأنه لا يستطيع التخلي عنها، مشيرًا إلى أن الكثير من الشعراء والأدباء والفنانين يقصدون هذا المكان ويقضون فيه ساعات من التأمل والمتعة.
وحُرم الكرد السوريون لسنوات طويلة من الحفاظ على هويتهم الأصلية وتراثهم الثقافي، وفي عام 1986 صدر مرسوم بمنع تداول اللغة الكردية، ولم يقف الأمر عند اللغة، بل تخطاه إلى أي منتج يرمز إلى الثقافة الكردية.
ففي عام 1987، منعت وزارة الثقافة تداول الموسيقى الكردية وجرَّمت طباعة وتداول كتب باللغة الكردية، ما حرم الكُرد من التعبير عن هويتهم الثقافية، وأسهم في تعزيز شعورهم بالاغتراب وذوبان هويتهم.
ويعد الكرد رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط، ويتراوح عددهم ما بين 30 و40 مليونًا.[1]